من هنا نبدأ.. السعي الحثيث لاستقطاب الاستثمارات الخارجية, وحقن الاقتصاد المصري بموارد إضافية ليس فحسب لمجرد المحافظة علي مستوي المعيشة السائد فلا يمكن أن يكون هذا هدفا لأي سياسة اقتصادية واقعية وطموحة ولكن لدفع معدلات النمو إلي الارتفاع باطراد. هذه الاهمية الخاصة التي تنسب لرأس المال الاجنبي يفسرها قصور الامكانات المحلية للتكوين الرأسمالي عن سد الاحتياجات الإنمائية, وصعوبة الاسراع بوتيرة التنمية دون الاستعانة بالموارد الخارجية. لقد شهد مفهوم الاستثمار الاجنبي المباشر تطورا ليشمل أدوات جديدة كرأس المال المغامر Venturecapital أو المخاطر أو الجريء الذي يستهدف الابتكارات التي تتمتع بفرص النجاح مقترنة باحتمالات المخاطرة, مما أدي إلي إحداث تغيير في طبيعة اللاعبين الرئيسيين, إذ دخل رواد الاعمال هذا المجالEntrepreneurs, وتعاظم دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجمSMEs, وازدادت أهمية التحالفات الاستراتيجية والدخول في شراكات وقنوات توزيع مشتركة, مع تزايد الاهتمام بمبادرات الابداع وجهود البحث والتطوير. وكي تحافظ الدول علي تنافسيتها في ظل هذا المناخ, لابد ان تستند بشكل رئيسي الي تنمية بيئة داخلية تدعم توليد الافكار المبدعة, وتطوير نظم عمل ذكية تعتمد علي مواكبة المستجدات والتأقلم الكامل والسريع مع المتغيرات, والتفكير المدروس في كيفية اتخاذ القرارات الخاصة بالاعمال. ولعل أهم الاسئلة التي تتبادر إلي الذهن عند متابعة حركة التدفقات الدولية للاستثمار الاجنبي المباشر, واتجاهاتها.. - كيف تمكنت بعض الدول من تعظيم تنافسيتها في جذب حصة متزايدة من الاستثمار الاجنبي المباشر ؟ - ما السياسات الواجب تبنيها لتعظيم فوائد الاستثمار الاجنبي المباشر ؟ - كيف تستطيع الدول الإفادة من تطور النظم الإدارية والتسويقية في وضع الاستراتيجية الترويجية, وتحسين أساليب أداء الأعمال لتعزيز جاذبيتها كمواقع مضيفة للاستثمار ؟ - ما المتطلبات المستقبلية لإنجاح أنشطة الترويج للاستثمار ؟ تلخص وكالة التنمية الماليزيةMIDA تجربتها الناجحة في جذب حصة معتبرة من الاستثمار الاجنبي المباشر من خلال توافر العناصر التالية: - تهيئة الإطار القانوني المناسب للاستثمار, واتساق البيئة التشريعية, باعتبارها أحد العناصر الهامة لتحسين بيئة الاستثمار, واستقرار المعاملات, ورفع درجة الثقة في جدارة النظام الاقتصادي ككل, وهذه كلها تمثل شروطا جوهرية لاستقطاب الاستثمارات الخاصة الطويلة الاجل. - تيسير الاجراءات ووضع نظام موحد في جميع الادارات الحكومية لضمان سرعة تنفيذ المعاملات وانخفاض تكلفتها, مما يشجع علي التوسع الاستثماري. - تعميق استخدامات الحكومة الالكترونية لتعزيز الكفاءة والسرعة, والاقلال من فرص الفساد والافساد. - الاستناد الي مبادئ الادارة الرشيدة في الاجهزة الرسمية. - تعزيز مشاركة القطاع الخاص في جهود الترويج. - تعميم مفهوم' ميثاق العملاء أي المستثمرين' الذي طورته ماليزيا وتبنته دول متعددة, بحيث يكفل خدمة متميزة لهؤلاء العملاء وبكفاءة لدي جميع الاطراف التي تتعامل معهم. هذا الميثاق تعتبره ماليزيا سر نجاحها في فن التعامل مع المستثمرين القائمين والمحتملين. وأخيرا وليس آخرا, تفهم ان صناعة الترويج للاستثمار هي' علم وفن' في آن واحد, وليست مجرد' عملية بيع'. فصناعة الترويج للاستثمار حرفة ذات مهنية عالية بحد ذاتها, كما ان انشطة ترويج الاستثمار باتت تتجه لتكون اكثر تركيزا سواء في الترويج للقطاعات والفرص الاستثمارية او في استهداف المستثمرين, وذلك بالتوازي مع الاهتمام بتحسين مناخ الاستثمار وبيئة اداء الاعمال. إن نجاح جهود الترويج للاستثمار لا تتمثل فقط في الاعلان عن عدد التراخيص التي حصلت علي موافقة الهيئة العامة للاستثمار, وحجم التكاليف الاستثمارية لهذه المشروعات, بل من خلال القياس الحقيقي لمخرجاتها, التي تحقق الفوائد الاقتصادية المرغوبة للدولة كمضيف للاستثمار( خلق وظائف جديدة,زيادة الصادرات, زيادة الانفاق علي البحث والتطوير.. إلخ), فضلا عن الاسهام في رفع مستوي المعيشة لمختلف فئات المجتمع.