شاهيناز العقباوى أدى هجوم الحادى عشر من سبتمتبر 2001 إلى أن تتجه الولايات المتحدةالأمريكية إلى تحديث سياساتها وإستراتيجيتها، وذلك عن طريق التوسع الخارجى فى جميع أنحاء الكرة الأرضية على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية حتى تتمكن من تحقيق الأمن القومى الأمريكى بمفهومه الشامل، وشكلت القارة الإفريقية مكانة مهمة فى هذه الإستراتيجية، حيث تمتلك احتياطيا نفطيا هائلا يؤمن الاحتياجات الأمريكية المتصاعدة على الطاقة، كما أنها تمتلك كميات وفيرة من المعادن المهمة التى تدخل فى العديد من الصناعات، بالإضافة إلى سيطرتها على المعابر والموانئ المهمة فى المحيط الهندى والأطلسى والبحر الأحمر، كما تشكل سوقا لا يستهان بها للمنتجات الأمريكية، فضلا عن وجود الجماعات الإسلامية التى يقال إنها على ارتباط بتنظيم القاعدة ووجودها بالقارة لتحقيق مصالحها الحيوية ولحماية الأمن القومى الأمريكى. تجنبا لإثارة الحساسيات أو استنفار الرفض الشعبى لأى وجود أو نشاط يوحى بوجود عسكرى دائم، كشف مركز الناطور للدراسات والأبحاث فى الأردن فى دراسة عن الوجود الأمريكى فى إفريقيا أن البنتاجون شرع لتأمين القدرة على الدفع السريع للقوات والمعدات فى حالات الطوارئ والأزمات فى إقامة بنية أساسية تستخدمها القوات كمحطات مؤقتة (وفق نموذج الزهور الطافية)، مكتفيا باشتمالها على الحد الأدنى من التسهيلات الضرورية، مثل مهبط للطائرات الخفيفة والمتوسطة، وخطوط وأنظمة الاتصالات الأساسية، ومخازن للمعدات لحين حاجة القوات لها فى حالات الحرب ضد الإرهاب، أو لحماية التدفقات البترولية، وراح البنتاجون يبحث عن نوعين من القواعد أولهما: القواعد المرنة أو مواقع عناصر الأسلحة المشتركة للقوات الخاصة ومشاة البحرية التى يمكن تحريكها بسرعة فى حالات الطوارئ، وثانيهما: التسهيلات طويلة الأجل فى المواقع المتقدمة التى تقترب من الوجود العسكرى الدائم، بتشكيل لواء قوامه 3 - 5 آلاف جندى، بعد موافقة الحكومات الإفريقية على استخدام قواعدها وتسهيلاتها الأخرى عند الحاجة. وتقوم القواعد المرنة كما جاء فى الدراسة على أن يحافظ البنتاجون على وجود محدود من قوات العمليات الخاصة فى إفريقيا، فى نحو 175 من المراكز العسكرية الصغيرة التى استمر فيها وجود فرق التدريب بعد إتمام مهمتها مع القوات المحلية، كالحال فى إثيوبيا، حيث جرى الاعتماد على ذلك الوجود فى غزو الصومال فى ديسمبر 2006، وتشير المؤسسة البريطانية Oxford Analytical إلى أن بعض الحكومات الإفريقية وقعت بالفعل اتفاقيات مع واشنطن، تسمح للقوات الأمريكية باستخدام مطاراتها، لذلك سرع البنتاجون بإجراء التحسينات الرئيسية ببعض المطارات والتسهيلات العسكرية المحلية فى نطاق الإعداد للعمليات المستقبلية. وبخلاف ذلك النظام، عبرت واشنطن للدول المستفيدة من برنامج "أمن الساحل الإفريقى" عن تطلعها لأن تحصل بالمقابل على قواعد للتدريب العسكرى وللعمليات فى حالة الأزمات، بعد أن حققت شراكات مهمة ورئيسية مع عدد كبير منها، لتحل بذلك محل القوى الاستعمارية السابقة، هذا فضلا عما يطلق عليه الآن الحرب بالوكالة، حيث تترك أمريكا العنان لعدد من القوات التابعة للدول الإفريقية للقيام بحروب داخلية أو خارجية لصالح أمريكا بشرط أن تمدها بالسلاح والعتاد، هذا فضلا عن تدريب الجنود المشاركين فى الحرب، هذا حماية لمصالحها الداخلية بالقارة، هذا فضلا عن عدم تورط قواتها فى حروب داخلية. أما القواعد المتقدمة فيسعى البنتاجون إلى امتلاك مواقع العمليات المتقدمة فى إفريقيا، باعتبارها أكثر البدائل مرونة، لأن من شأنها توسيع مجال حرية الحركة فى التعامل مع التطورات فى منطقة المسئوليات، وتمكن من زيادة حشد القوات إلى 5 - 6 آلاف جندى فى نحو عشرة من المواقع العسكرية، يجرى توزيعها على أقاليم القارة الخمسة، وأهمها الموجودة فى كينيا وجيبوتى، والجارى الترتيب لها فى ساوتومى. وتعتبر كينيا أول دولة تبرم اتفاقية رسمية لهذا الغرض مع الولايات المتحدة منذ فبراير 1980، وتسمح باستخدام ميناء ممباسا وقاعدتين جويتين، وتقضى بالسماح الفورى باستخدام التسهيلات فى المطارات، وبعد نحو ثلاثين عاما من عمر الاتفاقية، تطور الوجود الأمريكى لما يشبه القاعدة المتقدمة، التى سهلت من التدخل العسكرى فى الصومال عام 1994 ولتسهيل عمليات الإغاثة عقب الحرب الرواندية عام 1994، كما يجرى استخدامها لدعم القوات الأمريكية والحليفة فى العمليات ضد الإرهاب حاليا . وطبقا لما جاء فى البحث الصادر عن المؤسسة البريطانية «أكسفورد أناليتيكا» حول القواعد الأمريكية فى إفريقيا والذى ذكر أنها تشمل على قواعد ثابتة وقواعد مرنة ومراكز ترابط فيه قوات عمليات، خصوصا فى كينيا وإثيوبيا ونيجيريا وتشاد والنيجر وفى ساحل العاج وفى موريتانيا والمغرب ودول أخرى، هذا فضلا عن تسهيلات تمت بموجب اتفاقيات مع دول إفريقية بالسماح للقوات الأمريكية باستخدام مطاراتها، وقد أقدمت الولايات المتحدة وبإشراف من قيادة أفريكوم على تحسين وتجديد المطارات فى كل من تشاد والنيجر وفى توجو وفى ساحل العاج والسنغال والمغرب وموريتانيا وفى غانا وسيراليون وليبيريا وجمهورية الكونجو برازافيل، وتقوم الولايات المتحدة الآن ببناء أكبر قاعدتين عسكريتين إحداها فى إثيوبيا والأخرى فى النيجر، ويجرى التخطيط لإقامة قاعدة للعمليات الخاصة فى جنوب السودان بعد زيارة قام بها قائد قيادة أفريكوم السابق كارتر هام إلى جوبا فى شهر مارس الماضى. وكشف المركز العربى للدراسات والتوثيق المعلوماتى فى تقرير له صدر أواخر عام 2013 أن الوجود العسكرى الأمريكى فى إفريقيا، كانت تمليه فى السابق ظروف الصراع أثناء فترة الحرب الباردة بين القطبين الاتحاد السوفيتى السابق والولايات المتحدةالأمريكية التى سيطرت على مجريات الأمور العالمية وبعد سقوط الاتحاد السوفيتى وانتهاء الحرب الباردة فى العام 1991 تغيرت التوجهات، ففكرة إنشاء قيادة عسكرية أمريكية خاصة بإفريقيا ترجع إلى العام 2003، وذلك عندما صرح الجنرال جيمس جونز قائد القوات الأمريكية فى أوربا (EUCOM) عن عزم أمريكا الوجود على أراضى القارة السمراء، حيث إنها لا تريد أن تبقى بعيدا عما يحدث فيها وأنه لم يعد بمقدور القوات الأمريكية أن تظل تراقب الأوضاع فى القارة الإفريقية من على البحر، لذلك لابد من أن يكون هنالك وجود أمريكى على الأرض الإفريقية، خصوصا فى دول شمال إفريقيا وجنوب الصحراء التى أصبحت مأوى للجريمة وتجارة الأسلحة، بالإضافة لوجود جماعات موالية لتنظيم القاعدة - على حد تعبيره - وأن دول هذه المناطق لا تستطيع فرض سيطرتها على تلك المنطقة لمجابهة هذه الأحداث. من جهته أكد الدكتور ماهر شعبان، بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية أن فكرة تكوين قيادة عسكرية أمريكية خاصة بإفريقيا أو ما يطلق عليها (AFRICOM) ترجع إلى مارس من العام 2003، وذلك عندما صرح الجنرال الأمريكى جيمس جون قائد القوات الأمريكية فى أوروبا عن رغبة الولايات المتحدة الوجود فى الأراضى الإفريقية عبر إقامة قيادة عسكرية خاصة بها لتراقب الأوضاع، لاسيما المتعلقة بالجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة وتجارة الأسلحة، حيث أصبح ليس بمقدور القوات الأمريكية من مراقبة الأوضاع من على البحر هذا فضلا عن أن تأسيس القيادة العسكرية تعنى عسكرة العلاقات السياسية مع القارة بدلا من اتباع النهج الدبلوماسى . وكشف أن الأهداف المعلنة من قبل الولايات المتحدةالأمريكية من إنشاء القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا تندرج تحت بناء وتطوير العلاقات وإدارة النشاطات الأمنية بالتعاون، وتقديم المساعدات الإنسانية والحفاظ على حقوق الإنسان وإدارة العمليات الحربية وتدريب قوات الدول الإفريقية الموالية للسياسات الأمريكية فى المنطقة، أما الأهداف غير المعلنة فتندرج تحت إحكام السيطرة على منابع النفط والغاز والثروات المعدنية والطبيعية والحد من التغلغل الصينى والنفوذ الاقتصادى والسياسى للاتحاد الأوروبى، خصوصا الفرنسى الذى تتعارض بعض أجنداته معها . واستعرض أنه مما لا يدعو مجالا للشك أن أمريكا لتبرير وجودها العسكرى بالقارة تقف خلف جميع الأحداث والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والصراعات الداخلية والاغتيالات لعدد من الشخصيات المهمة، وذلك بمباركة عدد كبير من قادة القارة الموالين لها وواضح جدا - والكلام يعود إليه - أنها تقف خلف انتشار مرض الإيبولا بشكل وبائى خطير فى القارة مما يسمح بوجود الآلاف من الجنود الأمريكان بصورة شرعية للحد من انتشار المرض، على الرغم من كونهم موزعين فى أماكن حيوية جدا وخطيرة فى القارة. ونوه على أن الاتحاد الإفريقى تبنى موقفا يدعو لعدم تشجيع الدول الإفريقية على الاستجابة للخطة الأمريكية، كما أخذت كثير من الدول والمنظمات الإقليمية الإفريقية مواقف حادة ضد القيادة الجديدة، وأظهرت القلق من توسع النفوذ الأمريكى فى القارة، بما يؤدى لعسكرتها أو جرجرتها إلى الحرب ضد الإرهاب. فلم تبد إفريقيا اقتناعا بفوائد تمركز القوات الأمريكية على أراضيها، وإنما قدرت أن القيادة بصدد انتهاك قواعد السيادة، بل ولديها المخططات لتحل محل الاتحاد الإفريقى. الخلاصة - والكلام يعود إليه - أن الوجود العسكرى الأمريكى فى منطقة القرن الإفريقى خاصة، يأتى فى إطار استراتيجية أمريكية أوسع للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا والعالم. ولا شك فى مخاطر هذا الوجود على الأمن القومى العربى والمصرى، لكن الدول العربية تحتاج إلى إعادة جيبوتى إلى الصف العربى، ومواجهة التكالب الدولى على الصومال، وتشكيل نظام إقليمى عربى لإدارة البحر الأحمر، وإيجاد إستراتيجية موحدة للتعامل مع إفريقيا مع اعادة النظر فى العلاقات الدولية والعمل على توثيقها. تأمين مصالح بينما يرى الدكتور وسام أحمد طه منصور، بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية أن منطقة القرن الإفريقى تحتل مكانة بارزة فى الإستراتيجية الأمريكية، نظراً لإشرافها على البحر الأحمر، الذى يتحكم فى طرفيه كل من مضيق باب المندب، وقناة السويس. التى يمر بها معظم البترول الخليجى المتجه لأوروبا والولايات المتحدة، ونسبة كبيرة من التجارة العالمية، هذا فضلا عن إشرافها على المحيط الهندى، ومتاخمتها اللصيقة لشبه الجزيرة العربية، وربطها بين المحيط الهندى والبحر المتوسط الموصل عن طريق جبل طارق إلى المحيط الأطلنطى ويمثل تأمين النفط الخليجى أولوية أمريكية قصوى، فإذا كان خليج هرمز يمر به 40% من نفط العالم، فإن البحر الأحمر يمر به 70% من نفط الخليج المصدر إلى الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى قربه من منابع النفط فى شبه الجزيرة العربية، والاكتشافات النفطية الحديثة فى منطقة القرن الإفريقى . وقال إن المسئولين الأمريكيين لا ينكرون أن أحد أسباب إنشاء قيادة عسكرية خاصة بإفريقيا هو تأمين واستقرار التنقيب عن النفط والمعادن، فقد شكلت الاضطرابات التى تكررت فى حقول النفط فى منطقة دلتا النيجر خصوصا فى الحقول النيجيرية منذ عام 2003، ناقوس خطر لدولة تعتمد بشكل كبير على نفط هذا الإقليم ويمكن تفهم ذلك فى ضوء تقارير إستراتيجية أمريكية تتوقع أن تلبى القارة الإفريقية 25% من احتياجات الولايات المتحدة من النفط بحلول عام 2015. وكشف عن أن الموارد الطبيعية التى تمتلكها القارة دفع السلطة الأمريكية إلى السعى لإحكام السيطرة على مقاليد الأمور، أو على الأقل ضمان وجود عسكرى قوى يمنح لها الأفضلية فى مواجهة الأخطار المحدقة بها، لاسيما مواجهة التوغل الصينى والروسى، ونظرا للتنافس الأمريكى مع الصين تسعى الولايات المتحدة إلى تحجيم النفوذ الصينى المتصاعد والمعتمد على إستراتيجية المساعدات والمنافع الاقتصادية المتبادلة بعيداً عن الاعتبارات السياسية، حيث يأتى 25% من نفط الصين المستورد من إفريقيا، بينما يزداد طلبها على النفط بنسبة 30% سنوياً، ويخشى الأمريكيون من وجود صينى قوى فى هذه المنطقة، بما يضعف قبضتهم عليها، ويعزز مكانة الصين عالمياً، هذا بالإضافة إلى أن حصول إيران على تسهيلات بحرية فى موانئ عدن وتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة من خلال التنقيب عن البترول فى أوغندا، ومنح كينيا النفط لها بأسعار تفضيلية وعلاقاتها الوثيقة مع السودان، ومحاولاتها دعم وجودها فى الصومال واليمن حرصت على طردها من المنطقة، ومنعها من امتلاك أوراق جديدة فى لعبة الصراع الأمريكية والإسرائيلية معها. وأضاف أن الوجود العسكرى الأمريكى فى القارة الإفريقية يصب فى خانة تأمين المصالح الحيوية وتحقيق الأمن القومى الأمريكى، وبالتالى سوف يكون هناك تدخل عسكرى أمريكى فى شئون الدول الإفريقية تحت أى ذريعة، مما يؤدى إلى فقدان الدول لسيادتها، كما أن دول القارة التى سوف تتعاون وتسمح بالوجود العسكرى فى أراضيها قد تكون أهدافا للتنظيمات المعادية لأمريكا، مما يجعلها هدفا للهجمات الإرهابية نتيجة لاستضافتها لقوات عسكرية أمريكية، هذا فضلا أن كل ذلك يصب فى مصلحة حماية الأمن القومى الإسرائيلى، لاسيما إذا علمنا أن إسرائيل تشترك مع أمريكا فى تدريب وتسليح الجيش الأوغندى والذى يصل تعداده إلى 60 ألف جندى مما يشكل خطورة كبيرة على الأمن القومى الإفريقى لاسيما دول القرن . تهديد مباشر واستعرض الدكتور عباس شراقى بمعهد الدرسات والبحوث الإفريقية أن الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة يعود إلى القرن المنصرم، عندما حصلت الولايات المتحدة من إثيوبيا على محطة اتصالات "كاجينو" فى أسمرة، ثم عززت وجودها فى الصومالوكينيا عام 1980، بعد الإطاحة بالإمبراطور ميلاسلاسى وأدت تجربة التدخل العسكرى الفاشل فى الصومال فى 1993 إلى ابتعاد الولايات المتحدة عن التدخل العسكرى المباشر فى المنطقة وساهمت مشكلة القرصنة فى تعزيز الوجود العسكرى، بعد قرارات مجلس الأمن التى سمحت بوجود سفن عسكرية للدول الأجنبية فى مياه القرن الإفريقى لمواجهة القراصنة، وإطلاق الاتحاد الأوروبى لعملية «أطلانطا» فى ديسمبر 2008، ونشر إيرانوالصين واليابان وروسيا والهند وكوريا سفناً فى المنطقة، فى إطار التنافس الدولى عليها. وحذر من خطورة هذه القواعد، حيث تعد تهديداً مباشراً للدول العربية كافة، ولأمنها القومى، وسيادتها واستقلالية قرارها السياسى، هذا فضلا عن سعيها لإعادة تشكيل النظام الإقليمى، بما يهيىء لظهور قوى جديدة تقودها الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة: أوغندا، كينيا، إثيوبيا. وهو ما يعنى تغيير الأوزان النسبية فى المنطقة على حساب الدول العربية، بما يحصرها داخل حدودها، ويضعف من تأثيرها، ويجعلها رهينة الضغوط الأمريكية، فى ظل نظام إقليمى ترعاه الولايات المتحدة، وتشارك وتندمج فيه إسرائيل ناهيك عن سعيها لتفكيك المنطقة، وإخضاعها للنفوذ الأمريكى مثلما حدث وانفصل جنوب السودان عام 2010، بتداعياته الإقليمية الخطيرة وما يحدث الآن من اضطرابات فى الجنوب نفسه تهدد بالانفصال أيضا، هذا فضلا عن حالة الفوضى التى يعيشها الصومال، وحركات التمرد فى دارفور وشرق السودان. وغيرها من الحركات، هذا فضلا عن تأثيرها الخطير على السيطرة على البحر الأحمر، فعلى الرغم من أن الدول العربية تمتلك (84.2%) من سواحله، فإنها تفتقد السيطرة الفعلية عليه، بسبب تواجد القواعد العسكرية والأساطيل الأجنبية فيه بكثافة، وافتقاد نظام إقليمى عربى لاستغلال البحر وثرواته، ويخضع مضيق باب المندب للسيطرة الأمريكية، وتستغل إسرائيل الوجودالأمريكى كغطاء للدخول فى المنطقة، أو تعزيز وجودها. وبالتالى الالتفاف حول الدول العربية، وحصار مصر بالتحديد، والضغط عليها من خلال السودان وإثيوبيا، والوجود فى مضيق باب المندب، ومنع تكرار إغلاق المضيق عام 1973. ومن أجل تحقيق هذه الرؤية -والكلام يعود إليه- فإن دول الغرب تسعى للعودة لاستخدام وسائلها القديمة والمتمثلة بتشكيل فوضى المجموعات الإرهابية فى دول المنطقة، ومن ثم وبحجة تهدئة المواقف بين هذه المجموعات المسلحة من قبلها فى المناطق غير المستقرة، والتى هى فى واقع الأمر، المناطق الأكثر غنى بالموارد. يمثل من وجهة نظر العديد من الباحثين والمحللين الإستراتيجيين، بداية عهد جديد من فرض الهيمنة الأمريكية على القارة الإفريقية، يهدف لاستغلال مواردها الطبيعية والبشرية، من أجل دعم رفاهية إنسان الولايات المتحدة على حساب إنسان القارة الإفريقية الذى ظل وما زال يرزخ تحت البؤس والفقر منذ فترات الاستعمار الأوروبية السابقة لإفريقيا.