الصراع على إفريقيا علي العبدالله لم تكن قارة إفريقيا تحظى، حتى في سنوات الحرب الباردة، بأولوية في سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية الخارجية. حيث وزعت مهام مراقبة التطورات وحماية المصالح الأمريكية في دولها على قيادات عسكرية موجودة خارجها. فقد ألحقت 41 دولة من دولها (غرب وشمال القارة) بقيادة أوروبا العسكرية التي تتابع الأوضاع في 90 دولة، والتي يمتد المجال الجغرافي لمهماتها من السواحل الشرقية للولايات المتحدة وعبر الأطلسي مروراً بالجزر البريطانية وحتى شرق أوروبا (الحدود الروسية) وحوض البحر الأبيض المتوسط . بينما ألحقت دول شرق القارة (مصر، السودان، إثيوبيا، إريتريا، الصومال، جيبوتي، ليبيا) بالقيادة الوسطى التي تتابع الأوضاع في 46 دولة ويمتد المجال الجغرافي لمهماتها من شرق إفريقيا وحتى الحدود الغربية للصين. وألحقت الجزر الإفريقية، وخاصة موريشيوس ومدغشقر، بقيادة الهادي العسكرية، أكبر وأهم قيادة موحدة أمريكية، إذ يمتد المجال الجغرافي لمهماتها من السواحل الغربية للولايات المتحدةالأمريكية وأمريكا الجنوبية حتى السواحل الشرقية لقارة إفريقيا (أي ما يعادل نصف مساحة الكرة الأرضية تقريباً). تغير الموقف الآن، وأعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في السابع من فبراير/ شباط 2007 قراره بإنشاء قيادة عسكرية موحدة للقارة الإفريقية. ولماذا الآن؟ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945وظهور الاتحاد السوفييتي كقوة سياسية وعقائدية منافسة وذات قدرات عسكرية كبيرة، بما فيها أسلحة نووية، صاغت الولاياتالمتحدةالأمريكية استراتيجيتها الجديدة وأعادت تشكيل قواتها المسلحة وانتشارها وفق مجالات التنافس الاستراتيجي المحتملة مع القوة العظمى الجديدة، وتبنت فكرة الوجود العسكري المسبق في تلك المناطق بحيث تدعم نفوذها السياسي بوجود عسكري مباشر. وقامت لذلك بتشكيل قيادات خاصة بهذه المجالات الاستراتيجية ونشرت قوات أمريكية في عدد كبير من دول العالم. وقد تنامت هذه القيادات حتى بلغ عددها، قبل صدور قرار تشكيل قيادة عسكرية لإفريقيا، 9 قيادات هي: الوسطى، الاوروبية، الجنوبية، المحيط الهادي، الشمالية، العمليات الخاصة، القوات المشتركة، الاستراتيجية، والنقل. كانت الولاياتالمتحدة قد ابتعدت عن القارة الإفريقية عقب فشل تدخلها العسكري في الصومال في عام 1993 في ما سميت في حينه عملية “إعادة الأمل" وامتنعت عن المشاركة بقوات في عمليات حفظ السلام في القارة، حيث انحصر دورها في تقديم الدعم المالي واللوجستي لبعض تلك العمليات. ومع أنها قد استأنفت اهتمامها بإفريقيا، عقب هجمات سبتمبر/ ايلول 2001 على خلفية حربها على الإرهاب، إلا أن ذلك الاهتمام بقي جزئياً وخاصا بأقاليم محددة في إفريقيا، لاسيما منطقتي القرن الإفريقي والساحل الغربي، بذريعة وجود تهديدات إرهابية فيهما. حيث أقامت منذ عام 2002 قاعدة عسكرية في جيبوتي، فيها ما بين1500 و1900 جندي أمريكي تابعين لما يعرف ب “القوات الخاصة وقوة المهام المشتركة لمنطقة القرن الإفريقي" التابعة للقيادة الوسطى، وهي مكلفة بالتصدي لما تسميها أهدافاً إرهابية، فضلاً عن تدريب القوات المسلحة لدول في المنطقة في مجالات مكافحة الإرهاب. كما تبنت إدارة بوش منذ عام 2002 ما يعرف ب “مبادرة الساحل" لدعم قدرات كل من مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد لحماية حدودها ومنع تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمخدرات. وقد تم توسيع هذه المبادرة في عام 2005 لتشمل10 دول أخرى في المنطقة، ضمن مبادرة أكبر لمكافحة الإرهاب عبر منطقة الساحل، مع التركيز على تنفيذ تدريبات مشتركة على عمليات مكافحة الإرهاب. وقد تزايد الاهتمام بالقارة، لاسيما في مجال النفط، والذي تزداد أهميته بالنسبة للولايات المتحدة بصورة مستمرة، إذ ارتفعت وارداتها منه من منطقة غرب إفريقيا من 15% من إجمالي وارداتها النفطية قبل 5 سنوات إلى20% في الوقت الحالي ويتوقع أن تصل إلى 25% عام 2015. والمعلوم أن فكرة إنشاء قيادة عسكرية مستقلة لإفريقيا كانت قد طرحت في الأصل في عام 2003 من جانب ما تعرف ب “جماعة مبادرة سياسة النفط الإفريقية في الولاياتالمتحدة" وهي جماعة كانت قد تأسست عام ،2002 عقب مؤتمر موسع عن النفط الإفريقي، برزت خلاله أهمية النفط الإفريقي للولايات المتحدة. وطلبت المجموعة، التي تشكلت بموجب هذا المؤتمر، من الإدارة والكونغرس إعلان منطقة خليج غينيا منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة، لكونها غنية بالنفط، ودعت لإنشاء قيادة عسكرية فرعية خاصة بها (د. أحمد إبراهيم محمود “أبعاد تشكيل قيادة عسكرية أمريكية لإفريقيا" دورية ملفات “الأهرام" الاستراتيجية العدد 147- آذار-2007 و"مغزى تشكيل قيادة عسكرية أمريكية لإفريقيا" جريدة “الأهرام": 14/2/2007). لقد ربطت القيادة العسكرية الأمريكية عام ،2003 بحسب عدد من المعلقين، غياب استراتيجية عسكرية أمريكية متماسكة إزاء إفريقيا، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، ناهيك عن عدم توفر قدرة ملائمة لحماية المصالح الأمريكية الأخرى في إفريقيا، بتوزيع المسؤولية عن الملفات الإفريقية على عدد من القيادات العسكرية. ولكن التفكير في إنشاء قيادة عسكرية خاصة بإفريقيا لم يبدأ عمليا إلا منذ منتصف ،2006 وذلك ضمن عملية إعادة تقييم نظام العمل في المؤسسة العسكرية الأمريكية، التي بدأها وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، وجرى في هذا الإطار تكليف مجموعة عمل خاصة بدراسة مختلف جوانب فكرة إنشاء قيادة عسكرية خاصة بإفريقيا. وقد اعتبر قرار تشكيل قيادة عسكرية موحدة لإفريقيا تغيراً في تقدير الولاياتالمتحدة لأهمية القارة ولاحتمالات الصراع المستقبلي عليها وفيها، ربطه عدد من المحللين بالتسابق على النفط الإفريقي والمواد الأولية الأخرى في ظل تنامي النفوذ الصيني في القارة السمراء الذي جسدته علاقات صينية إفريقية قوية ومتنامية. صدر القرار الخاص بإنشاء القيادة العسكرية الموحدة لإفريقيا في15 ديسمبر/ كانون الأول ،2006 قبل أن يعلنه وزير الدفاع روبرت غيتس رسمياً في شهادته أمام الكونغرس في 6 فبراير/ شباط ،2007 على أن يتم الانتهاء من تشكيلها بحلول سبتمبر/ ايلول 2008. وسوف تشمل منطقة عملياتها كل القارة الإفريقية ماعدا مصر التي سوف تظل ضمن منطقة عمليات القيادة الوسطى. في الأشهر الماضية من عام 2007 بدأت الإدارة الأمريكية تستمزج رأي دول المغرب العربي والساحل الإفريقي بخصوص إقامة قواعد عسكرية أمريكية تتبع القيادة الإفريقية الجديدة عبر عقد مؤتمرات أمريكية ودولية في الجزائر وبعض دول المنطقة، قبل أن توسع جهودها بتقاطر وزراء ومسؤولين عسكريين ومن وكالة المخابرات المركزية في زيارات مكوكية لدول المنطقة لإقناعها بذلك، وعندما قوبل طلبها بالرفض أرسلت وفداً عسكرياً استخباراتياً في بداية الشهر الجاري برئاسة راين هنري المساعد الأول لوزير الدفاع الأمريكي، زار دول المغرب العربي والساحل الإفريقي ومقر قيادة الإتحاد الإفريقي لإبلاغها بقرار الإدارة التخلي عن فكرة إقامة قواعد عسكرية في هذه الدول واكتفائها بإقامة مقر قيادة أركان “للإفريكوم" على أن يبدأ ذلك في شهر اكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام. فهل دخلت القارة السمراء مرحلة جديدة من تاريخها بحيث تتحول إلى نقطة جذب واستقطاب ومسرح عمليات وصراع على النفوذ والنفط بين الولاياتالمتحدة والقوى العظمى الناشئة، الصين تحديداً، وهل تبدأ جولته الأولى في السودان، ونيجيريا، والغابون، وتشاد، حيث حصلت شركات نفط صينية (20 شركة ) على عقود تنقيب مغرية واشترت شركات نفط محلية وآبار نفط بأسعار رخيصة، وقامت بعمليات بحث وتنقيب ناجحة؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 23/8/2007