محمد وطنى مازالت أجواء الانتخابات التونسية تميل إلى الهدوء النسبى برغم اقتراب موعد معركة الحسم المقرر فى 23 من نوفمبر الجارى، ومع بدء المرشحين حملاتهم الدعائية، وسعى كل منهم لحشد مؤيدين لدعمه تصويتيا، بدا واضحا تقدم الباجى قائد السبسى رئيس حزب نداء تونس، ومرشحه فى الانتخابات الرئاسية فى هذا السياق، فنظريا يحظى السبسى بدعم حزبه صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر، 85 مقعدا ارتفعت إلى 87 مقعدا بعد حكم المحكمة الإدارية فى تونس الأسبوع الماضى بأحقية الحزب فى مقعدين انتزعا من حركة النهضة، وحزب التكتل. كان حزب نداء تونس قد حصل على ثلاثة مقاعد فى دائرة القصرين قبل أن تسحب منه هيئة الانتخابات مقعدا منها بسبب تجاوزات تم تسجيلها لأنصار القائمة اقتضت سحب المقعد ومنحه لحزب التكتل، قبل أن تحكم المحكمة الإدارية بإعادة المقعد مجددا ل"نداء تونس"، ليخسر بذلك حزب التكتل بزعامة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطنى التأسيسى مقعده الوحيد الذى فاز به فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فيما خسر حزب النهضة الفائز بالمركز الثانى فى الانتخابات ثلاثة مقاعد دفعة واحدة، إذ صدر حكم قضائى بإدانة قيادى بحركة النهضة بمحافظة سوسة برشوة الناخبين يوم الانتخابات - بحسب وكالات أنباء - لتصدر المحكمة الإدارية فى تونس حكماً يقضى بسحب المقاعد الثلاثة التى فازت بها النهضة فى دائرة سوسة، لصالح أحزاب نداء تونس، والجبهة الشعبية والاتحاد الوطني، فيما تتبقى 6 مقاعد لم تحسم بعد فى انتظار احتساب أعلى القوائم الحاصلة على الأصوات أعلى من تلك التى حسمت بها مقاعدها الفعلية، ما يعنى - نظريا على الأقل - احتمال فوز "نداء تونس بعدد إضافى من المقاعد يسهل عليه الوصول لعدد المقاعد المطلوبة لحسم الأغلبية البرلمانية والبالغة 109 مقاعد (أكثر من 50% من مقاعد البرلمان البالغة 217 مقعدا). وتزيد هذه التغييرات الجديدة من فرص السبسى، خصوصا بعد تسريبات بتأجيل إعلان التحالفات السياسية فى إطار تشكيل الحكومة التونسية الجديدة لما بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، وهو ما سبق أن أشرنا إليه فى تغطيتنا لنتائج الانتخابات البرلمانية التونسية فى عدد "الأهرام العربي" الماضي. "النهضة" تعلن الحياد.. وتدعو أنصارها للتصويت بكثافة!! بعد عدة جلسات لمجلس شورى الحركة، أعلنت حركة النهضة المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين فى تونس، والتى حلت ثانيا فى الانتخابات البرلمانية أنها لن تدعم مرشحا بعينه، ليقطع هذا الإعلان التكهنات التى ترددت فى أروقة الحزب عن توجه الحركة لدعم الرئيس التونسى الحالى منصف المرزوقى فى سعيه للفوز برئاسة البلاد. فيما نقلت وكالات أنباء عن فتحى العيادي، رئيس مجلس شورى الحركة، تصريحه فى مؤتمر صحفى عقد عقب انتهاء اجتماع المجلس الجمعة 7 نوفمبر، أن الحركة "تدعو أبناءها وناخبيها وكل التونسيين إلى المشاركة بكثافة وفاعلية فى الانتخابات الرئاسية، واختيار الشخصية التى يرونها مناسبة لقيادة هذا المسار الديموقراطي". ويدعم هذا الإعلان من جانب الحركة ما طرحه عدد من المحللين السياسيين فى الساحة التونسية، من أن النهضة قد تتجنب دعم مرشح بعينه بشكل علنى فى الانتخابات الرئاسية، سعيا للحفاظ على أكبر قدر ممكن من حظوظها فى المشاركة فى أول حكومة ائتلافية منتخبة عقب انتهاء المرحلة الانتقالية؛ إلا أن هذا الإجراء لا ينفى أن يوجه قادة الحركة مؤيديها لدعم مرشح بعينه، وإن بشكل غير معلن. فإذا كانت البراجماتية السياسية اقتضت من الحركة عدم الإفصاح عن دعم مرشح بعينه، خاصة مع ارتفاع أسهم السبسى؛ إلا أن وصول مرشح مدعوم من الحركة - وإن بشكل غير معلن - يدعم بالتأكيد موقف الحركة خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، التى يتوقع ألا تكون مفاوضات سهلة باى حال من الأحوال. السبسى: لا صفقات سياسية بخصوص الرئاسة وفى ذات السياق أعلن السبسى، فى تصريحات صحفية أدلى بها مطلع الأسبوع الماضى أنه يشك فى وجود محاولات حثيثة من قبل حركة النهضة لعرقلة وصوله للرئاسة، وقال السبسى (88عاماً) فى مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية: "لا أعتقد بوجود هذا الأمر، ذلك غير وارد نعم ثمة حركة من بعض السياسيين فى هذا الاتجاه، ولكنى لا أعتقد أن النهضة موجود فيها". ووصف السبسى الحديث حول احتمالية انفراد حزبه "نداء تونس" بالحكم حال فوزه بالرئاسة عقب تصدر حزب الانتخابات البرلمانية ب "مجرد أمور مختلقة لا أساس لها من الصحة"، وعاد ليقول:"هى كلمات يراد بها باطل لا حق، لا وجود لتغول لأن نداء تونس لم يحصل على أغلبية مطلقة بل حصل على أغلبية نسبية، وبالتالى لا يمكن أن يحكم البلاد بمفرده، ولابد أن يدخل فى تحالفات وبهذا لا يمكن التحدث عن التغول". وحسم السبسى الجدل الدائر حول احتمالية تحالفه مع حركة النهضة، أو وجود صفقة مع الأخيرة تقضى بدعم النهضة له خلال السباق الرئاسى مقابل منحها عدد معين من الحقائب الوزارية، بقوله: "موضوع التحالفات غير وراد الآن، أن تقع الانتخابات الرئاسية وبعدها سننظر مع من سنتحالف". المرزوقى يراهن على الملفات الخارجية من جهته راهن المنصف المرزوقي، رئيس تونس الحالى والمرشح للانتخابات القادمة، على سجله فى علاقات تونس الخارجية إبان فترة حكمه، إذ قال المرزوقى: "إنه يتحمل مسئولية قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، ولن يعيدها إذا ما انتخب رئيسا لتونس معتبرا أن ما فعله لم يكن خطأ - بحد قوله-. وأضاف المرزوقى فى حوار مع إذاعة محلية تونسية: "تخيلوا لو أن التونسيين كانوا ضحية تسلط شخص يقصفهم بالقنابل والبراميل الحارقة، وشرد منهم 5 ملايين شخص، ومن ثم سمعوا أن هناك رئيسا عربيا قال إنه لا يقبل أن ديكتاتورا تونسيا يقصف فى شعبه، فماذا سيكون رد فعل الشعب التونسى؟". وقال المرزوقى إن الدولة لم تنس التونسيين فى سوريا، قائلا: "منذ البداية كانت السفارة التونسية فى بيروت تتابع فى الموضوع، ولنا الآن موظفون موجودون فى دمشق يتابعون مشاكل الجالية هناك". ويبدو أن توجه المرزوقى لسجله فى العلاقات الخارجية لدعم ترشحه جاء بعد عديد الانتقادات التى وجهت إلى أدائه داخليا، خصوصا فى ظل وضع غير مستقر أمنيا أو اقتصاديا تشهده تونس حاليا، وهو ذاته السبب الذى عزا إليه المراقبون خسارة حركة النهضة للأغلبية التى كانت تتمتع بها فى المجلس التأسيسى. وعلى الرغم من كون حملات الانتخابات الرئاسية التونسية لازالت تتمتع بهدوء نسبى كما أسلفنا، إلا أنه يمكننا أن نتوقع ارتفاع درجة حرارتها خلال الأيام القليلة المقبلة، مع اقتراب موعد الانتخابات، وربما يكون فى جعب بعض المرشحين ما يكشفون عنه سعيا لاكتساب الأصوات، وإن كانت المفاجآت لا تزال مستبعدة.