جنت حركة النهضة التونسية على مستقبلها السياسي مؤخرا، بعد أن أصبحت خارج دائرة الفاعلين السياسيين في خارطة تونس السياسية، فبعد حصولها على المركز الثاني في الانتخابات التشريعية وتقدم حزب نداء تونس عليها أصبحت النهضة التي كثيرا ما قدمت نفسها على أنها القوة السياسية النافذة والوحيدة، أقل تأثيرا في الخارطة السياسية التونسية، حيث سلمت النهضة بفشلها في الانتخابات التشريعية، الأمر الذي دفعها إلى عدم ترشيح أي من أعضائها للمنافسة على الانتخابات الرئاسية، كما أعلنت عدم دعمها لأي مرشح على الساحة التونسية في الانتخابات الرئاسية. صعود نداء تونس..صدمة للنهضة كان فوز حزب "نداء تونس" بقيادة "الباجي السبسي" بمثابة صدمة كبيرة لحركة "النهضة"، وقادت الانتخابات إلى إعادة تشكيل خارطة سياسية جديدة لم تتوقعها الحركة بعيدا عما خططت له الحركة، حيث أجهضت مخططها الذي رسمته بناء على فرضية واحدة هي فوزها بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية. حين فازت النهضة في انتخابات أكتوبر 2011، بنسبة لم تتجاوز 32 في المائة مستفيدة من مشهد سياسي غير متوازن، تجاهلت أن 68 بالمائة من التونسيين ضدها وأمعنت في احتكار الحياة السياسية، بأن شكلت "حكومة إخوانية تونسية" في تحالف هش مع حزبين علمانيين لا يتمتعان بأي ثقل سياسي ولا تأييد شعبي وهما حزب "المؤتمر" الذي يرأسه "منصف المرزوقي"، وحزب "التكتل" الذي يرأسه "مصطفى بن جعفر" رئيس المجلس التأسيسي. وتحت تأثير نشوة الفوز النسبي على ما بقي من أحزاب سياسية صغيرة حاولت "الحركة" تهميش القوى السياسية الليبرالية واليسارية والديمقراطية في محاولة يائسة لرسم خارطة سياسية مبنية على تقسيم عقائدي للتونسيين إلى "مسلمين" و"علمانيين". النهضة في الحكم وخلال فترة حكمها عامي 2012 و2013 ألقت النهضة بكل ثقلها من أجل رسم خارطة سياسية تكون هي فيها "القوة السياسية الأولى النافذة" على حساب قوى سياسية ديمقراطية بدت وكأنها ضحية تاريخها من جهة وضحية حالة من التعاطف مع الإسلاميين الخارجين من السجون والقادمين من المنفى. وفيما كانت الحركة تحاول تمزيق خارطة الكيان الوطني وتشحن الجماعات السلفية، كانت أخواتها في مصر ينتهجون نفس الأسلوب تحت قيادة الرئيس الأسبق "محمد مرسي"، وبدعم من جماعة الإخوان المسلمين في مصر بشكل خاص والتنظيم الدولي بشكل عام، ولكن جاءت نهاية الإخوان في مصر قبل أن تأتي في تونس، ليسير الشعب التونسي على نهج الشقيق المصري بإطلاق حركة "تمرد" في تونس وهي حملة تهدف إلى الإطاحة بالمجلس الوطني التأسيسي، وذلك اقتداءً بحركة "تمرد" المصرية التي دعت إلى التظاهرات التي أدت إلى الإطاحة ب"مرسي"، وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، لتخرج القيادات التونسية التابعة للحركة وتشير إلى إنها لن تكرر أخطاء الأخوان في مصر، في محاولة فاشلة لطمأنة الشعب التونسي. تخوف من تكرار السيناريو المصري استبعد زعيم حركة النهضة "راشد الغنوشي"، أن يتكرر السيناريو الذي شهدته مصر في بلاده بعد أن عزل الجيش للرئيس الأسبق "مرسي"، لم تخرج حركة النهضة من نشوة "القوة السياسية الأولى النافذة"، إلا على وقع صدمة نتائج الانتخابات التشريعية وتقدم "نداء تونس"، فأخذت قياداتها تتخبط بشأن دعم أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية، ووقعت في فخ حالة من الارتباك والتصريحات المتضاربة لقيادات الحركة. النهضة تستجمع قواها تكشف الملامح الأولى للخارطة السياسية الجديدة أن القوة السياسية الأولى والنافذة تتشكل بقيادة حزب "نداء تونس" و"قائد السبسي" وعدد آخر من الأحزاب التي حصلت على مقاعد في البرلمان، أما حركة النهضة فقد انطوت على نفسها لتخرج من المشهد السياسي وتحاول استعادة قواها للعودة من جديد إلى الساحة السياسة.