مصطفى عبادة د. يسرى عبدالله، أستاذ الأدب الحديث والنقد بكلية الآداب، جامعة حلوان، واحد من النقاد الشباب، الذين يرصدون المشهد الثقافى بتنوعاته المختلفة، ويأخذ عمله بجدية تليق بزخم الثقافة المصرية، وتأثيرها فى محيطها العربى، ومن أبرز ملامح عمل د. يسرى عبدالله، النقدى هو ربطه بين الأدب وجذوره الاجتماعية ومرجعيته الطبقية، كما لا يغفل تأثير الاستبداد السياسى والدينى وكيف يتجلى فى عمل المبدع المصرى، من هذه الزاوية وقف يسرى عبدالله طويلاً أمام الكتابة الروائية الجديدة فى مصر، وأولاها عناية فائقة، وفى هذا الحوار، يتلمس تأثير الموجة الثانية من الثورة المصرية التى جرت فى 30 يونيو، واعتصام المثقفين، ودوره فى الثورة الجديدة، وكيف أن هذا الاعتصام أعاد المثقف المصرى إلى دوره الطبيعى، وأن هذه الثورة الجديدة ستفرز نخبها الثقافية والسياسية قريباً لنتخلص من النخب العميلة التى تروج للعملات الغربية فى الثقافة، وإلى تفاصيل الحوار: هل يمكن الربط بين المسار الثوري الجاري في مصر الآن، وبين الثقافة انطلاقا من اعتصام المثقفين الذي أسهم بقوة في ثورة 30 يونيو؟ ثمة جدل دائم ما بين السياسي والثقافي، حيث تبدو الثورة المصرية أفقاً جديداً لمشهد جديد، موعود بالحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، لا تصبح فيه الثقافة صدى لأنظمة مستبدة، ولا في خدمة السلطة، بل تعود للثقافة حيويتها في خلق مشهد ينحاز إلى المجموع، ويعبر عنه في أن. الثورة تخلق رهانها الخاص الآن وتؤكد إرادة المصريين في غد أكثر جمالا وإنسانية، فالميادين التي امتلأت بالمتظاهرين السلميين ترغب في استعادة الدولة المصرية من خاطفيها وسارقي ثورتها من القوى الرجعية المتمسحة في الدين والمتاجرة به في دهاليز السياسة، كانوا يدافعون عن هويتهم الوطنية والتي تعد شاغلا أساسيا لأي مثقف مستقل مهموم بناسه، ومنتم إلى جماعته الشعبية، وثقافته الوطنية. والثورة تخط طريقها رغما عن كل كارهيها، وتظل معركة الثقافة معركة الأمة المصرية دفاعا عن هويتها الحضارية، وتظل معركة المثقفين الحقيقيين لا مقاولي الثقافة رأس الرمح في مواجهة العصابات الرجعية التي تريد أن تغتال أنبل ما في هذا الوطن، تغتال ثقافته الوطنية ومبدعيه وكفاءاته. في هذه اللحظة الفارقة بحق يبدو حراك المثقفين المصريين تعبيرا عن حراك عام في الشارع المصري وانسجاما مع الوجدان الجمعي الرافض لدولة الإرهاب الديني وسحق المصريين تحت مقصلة اللحى الجديدة. لاحظنا أن بعض المثقفين الذين وقفوا مع ثورة يناير"الموجة الأولى" اصطفوا مع علاء عبدالعزيز المعبر عن تيار رجعي في الثقافة العربية، كيف تفسر موقفهم؟ الانتهازية الفجة والقصور الفكري سببان رئيسان في حالة البلاهة الثقافية التي جعلت عددا من أنصاف المثقفين يتعاطون مع وزير متأخون يعبر عن أفق ماضوي ورجعي يعادي كل قيم الحداثة والتقدم والإبداع الجديد. كما أنه وللأسف الشديد، هناك صنف من المثقفين، أشبه بالمرتزقة، تراهم يتلونون كل صباح حسب تركيبة السلطة، وهم الذين لم نسمع صوتهم أمام محاولات أسلفة الثقافة المصرية، أو محاولة تنميط صيغة استهلاكية حاكمة لها، بل يصنعون تحالفا وثيقا مع القوى المتخلفة وممثليها من الرجعيين، إنه التحالف القذر والمشبوه ما بين الفساد والرجعية والذي يجب أن تنهي الموجة الثانية من الثورة المصرية 30 يونيو صيغته تماما. بدأت الموجة الثورية في مصر مع يناير 2011، ومع ذلك لم تظهر تجلياتها الثقافية حتى الآن؟ ربما يحيلنا هذا التساؤل المهم إلى الواقع الأدبي بعد الثورة، فثمة استمرار للزخم الإبداعي الحادث منذ سنوات عدة، فالتربة الإبداعية المصرية ولود، ومتجددة، وهي دوما حبلى بالتغيير، وبرهانات مفتوحة على أسئلة المستقبل. إن الراهن الأدبي الآن يتمثل في اتجاهات متنوعة، ويبدو على اتساعه وتعقده، مجلى لواقع سياسي ثقافي فائر، وموار، غير أنه ليس ثمة مسار واحد تعرفه «الكتابة»، ولا طريق أحادي يمكنها السير فيه، بل إنها كانت – وستظل – بنتا للتنوع والاختلاف. غير أنه وبعد قيام الثورة المصرية التي قدمت معنى فريدا، وخلاقا، بما تحويه داخلها من جينات التجدد، والإصرار على مجابهة كل ما يكبل إنسانية الإنسان، يمكننا القول إن ثمة مسارات أساسية لوضعية الإبداع الأدبي الآن، ويمكننا تحديد هذه المسارات ما بين نصوص أدبية تماست مع اللحظة الراهنة وفق رؤيتها الخاصة، وتقاطعت معها، فتعاطت مع الإبداع بوصفه قراءة للواقع، وكشف عن بنياته السياسية الثقافية، وبما يشي بأننا أمام مسار يتجاوز النزوع الانفعالي الذي قد يهيمن على واقع الكتابة، وراهنها في حال التواريخ الفارقة في حياة الأمم، ويمكننا تلمس ذلك في نصوص إبراهيم عبدالمجيد ومحمود الورداني وسعد القرش، وغيرهم، أما عن المسار الثاني، فيبدو معنيا بالنفاذ إلى جوهر الواقع، حيث عني بتفكيكه أولا، لا من أجل صوغه، وإعادة بنائه من جديد فحسب، ولكن من خلال تحليله، واستشراف أفقه الممتد، عبر مد الخيوط على استقامتها، والنظر العميق للعالم والأشياء، وهذا ما نجده مثلا في رواية (أرض النبي) للروائي خالد إسماعيل، والتي يدين فيها الاستبدادين السياسي والديني، أما عن المسار الثالث، فثمة نصوص أدبية راهنت على متلقيها، وحوت منطقها الجمالي الخاص، مثلما نرى لدى عدد من الكتاب الشباب مثل حسين البدري في روايته "رهانات خاسرة"، وعلي سيد علي في روايته "الشهير بسراييفو"، وغيرهما. هل ترى أن المسار الثوري الآن ينحرف عن خطه عبر إعادة إنتاج نفس الأسماء سواء على مستوى القيادات الثقافية أم في بعض الوزارات الأخرى؟ الثورة لحظات مستمرة ومتجددة من الفرز، والمساءلة والموقف النقدي آليتان أساسيتان لحماية الثورة، ومن قبلهما الرهان الفعلي والحقيقي على ناسنا بوصفهم الصناع الأصليين للثورة، والجماهير والنخب الطليعية الحقيقية لن تخدع أبدا، ومصر بلد ولود ومتجدد، وقادرة على بلورة أسماء طليعية جديدة بعيدا عن مرتزقة الإسلام السياسي برجعيتهم وتخلفهم، ومرتزقة مبارك بفسادهم، وما بين الرجعية والفساد صلة وثيقة طمح المصريون أن تكون ثورة الثلاثين من يونيو نهاية لها، ولذا فإن الثورة مستمرة، وباقية حتى نتخلص من العفن بتنويعاته المختلفة. الثورة باقية لأنها بنت الناس والخيال الجديد لا البليد، ولأنها كذلك بنت التلاحم الوطني والوعي المختلف. كيف تفسر طبيعة الصراع الجاري الآن في مصر، ومن أبرز أطرافه من وجهة نظر الناقد طبعا؟ نحن وباختصار أمام موجة جديدة من الثورة المصرية تعري الزيف الاجتماعي، وترفض الاستبداد باسم الدين، وتسعى صوب المستقبل، مدركة أن أعداءها يعيشون في الماضي، ويتخذون منه ملجأ وملاذا بوصفهم أبناء للاستسلام للجاهز والموروث، ولذلك ستجد أن ثمة صراعا على الهوية الآن بين الجماعات الإرهابية المتطرفة، والقوى الوطنية، وهذه لحظة فارقة في تاريخ الأمة المصرية تستدعي قدرا هائلا من التلاحم الوطني، لذا ينبغي أن يتوقف المزايدون الذين نكتشف في نهاية المطاف أنهم أبناء بررة لدولة الملالي المنحطة، ولبنى ذهنية رجعية تبرر للإرهابيين من القوى المتأسلمة ما يفعلونه من خيانة للشعب واستعداء للقوى الاستعمارية ولسيدهم الأمريكي الرأسمالي القذر. كلنا واحد ضد كل من قتل وخان وسرق وباع، والمثقف الآن بمثابة رأس الرمح الطليعي الذي يبلور أحلام البسطاء والمهمشين في عالم أكثر عدلا وإنسانية، ومن ثم فلا بد من استعادة دور المثقف العضوي المنتمي إلى ناسه، والمعبر عن واقعه، لمواجهة القوى الرجعية المستترة خلف الدين، والتي تتخذ منه مطية لتحقيق أغراضها الانتهازية الخاصة، ولذا لا بد من استعادة قيم الثقافة الوطنية المصرية والانجياز إلى الحرية والتقدم والحداثة والإبداع والتسامح، والكشف عن الوجه الطليعي الجديد في الثقافة المصرية.