لا يجوز لأية محكمة للقضاء العادى أن توقف تنفيذ حكم صادر من محاكم مجلس الدولة لا يقبل التنازل عن أى جزء من الأرض أو مخالفة أى حكم من أحكام الدستور
"ارجعوا إلى حكم المحكمة الإدارية العليا فى تيران وصنافير فى يناير الماضى"، هكذا كان رد عدد من قضاة مجلس الدولة الذى التقتهم "الأهرام العربى" بعد حكم محكمة الأمور المستعجلة بوقف حكم المحكمة الإدارية العليا الخاص بجزيرتى تيران وصنافير. أوضح مصدر قضائى موثوق، أن المحكمة الادارية العليا برئاسة المستشار أحمد الشاذلى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومبروك على نائبى رئيس مجلس الدولة، قالت فى معرض حكمها التاريخى الصادر فى 16 يناير الماضى رداً على محكمة الأمور المستعجلة ما نصه:" إن الخضوع لرقابة القضاء لا يتنافى فى ذاته مع فكرة سيادة الدولة بالمعنى الإيجابى والفصل فى المنازعات وإرساء قواعد العدالة والمحافظة على حقوق الدولة وحريات الأفراد – أحد مظاهر السيادة العامة، والقول بغير ذلك يحيى فكرة اندثرت فى العالم والفهم القانونى، كانت تقوم على أساس أن السيادة حق أصيل للحاكم وهو مالكها (نظريات الحق الإلهى) ، ومع ظهور مبدأ سيادة الأمة بعد نجاح الثورة الفرنسية - الدساتير الفرنسية البالغة 16 دستوراً منذ الثورة الفرنسية ومنذ دستور 1793 الذى لم يطبق بتاتاً وعلى حد تعبير الفرنسيين mort née أى ولد ميتاً ودستور 1875 الذى أُلغى بعد غزو الألمان فرنسا ودخولهم باريس عام 1940- ، استقر فى الوجدان القانونى أن صاحب السيادة هو مجموع المواطنين، ولم تعد هيئة من هيئات الدولة مالكة للسيادة، وإنما تباشرها كوكيلة عن الشعب، ولا يمنع ذلك من القول إن هناك نوعا من الأعمال التى تصدر عن السلطة التنفيذية لا تخضع لرقابة القضاء، وأن مرجع الإعفاء ليس فكرة السيادة، وإنما أسباب قانونية أخرى". وقالت المحكمة الإدارية العليا عن محكمة الأمور المستعجلة "إنه أمام التنظيم الدستورى المحكم لا يجوز لأية محكمة تابعة للقضاء العادى أن تأمر بوقف تنفيذ أي حكم صادر من محاكم مجلس الدولة، إذ فى ذلك خرق صارخ لأحكام الدستور والقانون، وافتئات على الاختصاص الموسَد لمجلس الدولة بحسبانه قاضى القانون العام فى المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، وما فتئ قائماً عليها باسطاً ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها". وأضافت المحكمة الإدارية العليا "أن حكم محكمة الأمور المستعجلة قد تجاوزت حدود ولايتها، وحكمها يستوى عدماً أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا صاحبة الاختصاص الأصيل في نظر الطعن فى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى وصاحبة الولاية وحدها في وقف تنفيذ حكمها من عدمه، ومن غير المتصور قانوناً أن يكون الحكم المنعدم مرتباً لأية آثار في محيط العلائق القانونية، ذلك أن انعدامه إفناء لذاتيته يقتلعه من منابته، ويجتثه من قواعده، ليحيله هباء منثوراً، فلا يولد حقاً، ولا يتعلق به التزام، بعد أن هدم الدستور، وجرده من كل أثر بعدوانه على قواعده، وهى التى تسمو على جميع القواعد القانونية، ولا استواء له، فليس له من عمد يرفعه، ولا من كيان يقيمه، ولا نص يعينه، بل ينهدم من أساسه ليفقد وجوده، وحسبه أنه غير شىء ولا يحول الحكم المنوه عنه دون دائرة فحص الطعون مباشرة ولايتها في نظر الطعن على حكم محكمة القضاء الإدارى المشار إليه، والفصل فيه على وجه الحق وبما يتفق وصحيح أحكام القانون". وأشارت المحكمة الإدارية العليا أنه "أن الإشكال في التنفيذ لا يجوز أن يؤسس على وقائع سابقة على الحكم المستشكل فيه، لأن هذه الوقائع كان من الواجب إبداؤها أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المستشكل فيه، كما ينبغى ألا يؤسس الإشكال على تخطئة الحكم، فلا يجوز أن يطلب المستشكل وقف تنفيذ الحكم بحجة أن المحكمة قد أخطأت في تطبيق القانون، أو أنها غير مختصة، فمثل هذه الإشكالات لا تُقبًل لأن الإشكال ليس طريقاً من طرق الطعن في الأحكام، كما أن قاضي التنفيذ ليس جهة طعن، وما يعترى الحكم من عيوب لا يكون أمام ذى الشأن حيالها، إلا أن يطعن على الحكم بطريق من طرق الطعن المختلفة". وأوضحت المحكمة الادارية العليا عن محكمة الامور المستعجلة في حكمها التاريخى السابق، وقد عمدت محكمة الأمور المستعجلة بحكمها المنوه عنه فوق مخالفتها لقواعد الاختصاص الولائى المقررة دستوراً وقانونا، كما سلف بيانه إلى مناقشة حكم القضاء الإدارى محل النزاع ونصبت نفسها محكمة أعلى لنقضه وتعديله لا قاضى تنفيذ تتحدد ولايته فى إزالة ما يعرض من عقبات تحول دون تنفيذ الحكم متغافلة أو غافلة عن القواعد والأطر الدستورية والقانونية المنظمة لاختصاصاتها، مما لا مناص معه من اعتبار حكمها عدما لا طائل منه ومحض عقبة مادية تنحيها المحكمة المختصة - دائرة فحص الطعون - جانباً، غير عابئة به وهى بصدد ولايتها الأصيلة بنظر الطعن المعروض، وهذه الولاية التى قررها كما سلف البيان الدستور المصرى وأحكام المحكمة الدستورية العليا ولا يمثل عدم إصدار تشريع يقطع بنصوصه فى اختصاص جهة القضاء الإدارى بالنظر في منازعات التنفيذ المتعلقة بأحكامه مانعاٌ بحسبان هذا التشريع حال صدوره لا يمثل إلا تنظيماً للمنظم وتأكيداً للمؤكد من الأمر بسند أعلى مرجعه المادة (190) من الدستور". واختتمت محكمة الشعب المحكمة الإدارية العليا "أن التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة أو إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور المصرى - فرادى أو مجتمعة - تعد من الأمور المحظور إبرام أى اتفاق دولى بشأنها، ولا تعرض على الشعب الذى أعلن إرادته عبر دستوره وحاصله، إنه لا يُقبل التنازل عن أى جزء من الأرض أو مخالفة أى حكم من أحكام الدستور الذى يمثل الوعاء الأصيل للنظام القانونى الحاكم من ناحية والضمان الوحيد لاستقرار نظام الحكم من ناحية أخرى، وهو يؤكد بقطع القول إن تغييراً فى الاختصاص لسلطات الدولة قد ولد من رحم الدستور السارى وأضحت يد مجلس النواب هى الأخرى بنص الدستور والقانون معاً مغلولة ومحظورة عليه مناقشة أية معاهدة تتضمن تنازلاً عن جزء من إقليم الدولة ومنها الجزيرتان محل الطعن الماثل، وما يخالف ذلك من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية هو والعدم سواء". وأشار قاضى آخر إلى أنه بصدور حكم الادارية العليا فى تيران وصنافير فإن الحكم الصادر من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، مجرد عقبة مادية عديمة الأثر، لعدوانه على قضاء مجلس الدولة وقضاء الدستورية وعلى الحماية التي كفلها الدستور لولاية مجلس الدولة، وهي حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون بما يتضمنه هذا المبدأ من وجوب استقامة المنحى عند إصدار محكمة الأمور المستعجلة لحكمها المعدوم، فتُعمل نصوص الدستور عن بصر وبصيرة، فلا تعتدى عليها اندفاعاً، ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع في دائرة عمل القضاء الإدارى، لتخرج حكماً متوهمة حق إصداره، وكان يتعين عليها التقيد بالضوابط التي فرضها الدستور الذى رسم تخوم ولاية القضاء الإدارى، ويكون حكم الأمور المستعجلة المشار إليه منعدماً في ذاته، لتعديه على ولاية القضاء الإدارى وعدوانه على الدستور، فلا يؤول أمره إلا هشيماً وحسيراً، ومن غير المتصور قانوناً أن يكون الحكم المنعدم مرتباً لأية آثار في محيط العلائق القانونية، فلا يولد حقاً، ولا يتعلق به التزام، ولا يقام له وزن، ولا يعتد به، وحسبه أنه لا شىء.