بين تهديدات إسرائيل بشن حرب جديدة علي لبنان, بداعي استمرار سلاح المقاومة وحزب الله, وبين تحفظات أعضاء في الكونجرس الأمريكي علي تقديم الولاياتالمتحدة سلاحا للبنان لدعم قدرات الجيش الدفاعية قد تنتقل الي يد الحزب, يبدأ الرئيس اللبناني ميشال سليمان زيارة لموسكو اليوم تستمر ثلاثة أيام. تأتي زيارة سليمان لروسيا بعد أسبوع من زيارة بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل الذي يهدد وحكومته لبنان بشن حرب جديدة لموسكو, وبعد نحو ثلاثة أسابيع من زيارة وزير دفاعه إلياس المر لواشنطن لبحث دعم أمريكي لتقوية مؤسسات الدولة اللبنانية وعلي رأسها الجيش. يزور سليمان موسكو بدعوة من نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف, والي جانب العلاقات الثنائية علي أجندة المباحثات, يفرض الوضع المتأزم في المنطقة من ناحية, وأجواء زيارة نيتانياهو ومباحثاته مع المسئولين الروس من ناحية أخري, أنفسهما علي المباحثات بين الرئيسين, فالزيارة من هذا المنظور تعد ضمن مساعي لبنان لتأمين حشد دولي ضد التهديدات الإسرائيلية التي تسعي لفرض شروطها للسلام علي العرب. تقف روسيا الي جانب لبنان ضد التهديدات باستخدام القوة في إطار السياسة الروسية في الشرق الأوسط, التي تسعي موسكو من خلالها الي استعادة روحها السوفيتية, ويتجلي ذلك في أشكال ومجالات متعددة تؤكد من خلالها روسيا حق المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الأجنبي, ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة( مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر), كما تؤكد ضرورة دعم المؤسسات الوطنية اللبنانية, كما يتجلي ذلك أيضا في رسائل متنوعة ترمي الي دعم لبنان وأمنه واستقراره, وضمن هذه الرسائل استباق زيارة سليمان بعقد اجتماع في بيروت لمجلس الأعمال الروسي اللبناني المشترك والذي يحظي بدعم الحكومتين والرئيسين. تأتي زيارة سليمان لموسكو إذن وسط دعم روسي غير مشروط للبنان, وحديث أمريكي إنشائي حتي الآن عن دعم يراوح مكانه, ويلقي بظلاله علي العلاقات اللبنانية الأمريكية التي تمر حاليا بمرحلة فتور بسبب شعور لبناني بالاستياء نتيجة لمواقف ولممارسات أمريكية تعبر عن عدم ارتياح من تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها سعد الحريري في نوفمبر الماضي ومن ثم مواقفها ومعالجاتها لقضايا داخلية بحكمة وهدوء وبوطنية تري واشنطن أن معالجاتها يجب أن تتم في أطر دولية وليس وطنية وبسرعة وحسم!؟ فقد أثار استياء اللبنانيين محاولات أعضاء في الكونجرس علي رأسهم المرشح الرئاسي الجمهوري السابق جون ماكين تحريض الطوائف المسيحية ضد الجيش بالحديث عشية زيارة وزير الدفاع إلياس المر لواشنطن عن مخاوف من أن يتحول السلاح الذي ستقدمه الولاياتالمتحدة للبنان الي يد حزب الله, واعتبر اللبنانيون هذا الحديث محاولة فاشلة للتشكيك في ولاء الجيش وعناصره ووطنيتهم ولزعزعة الثقة في هذه المؤسسة. وتستفز اللبنانيين الضغوط الأمريكية علي لبنان لجهة التعامل مع القرار الدولي1559 فيما يتعلق بإنهاء سلاح المقاومة, فيما تسعي حكومة الوحدة الوطنية والرئيس سليمان للتعامل مع هذا الموضوع في إطار طاولة الحوار الوطني لبحث الاستراتيجية الدفاعية, وذلك في الوقت الذي تتجاهل فيه واشنطن مطلب لبنان للانتقال بالقرار الدولي1701( الصادر في أغسطس2006) من وقف العمليات الحربية الي وقف دائم لإطلاق النار لوقف انتهاك إسرائيل المستمر لسيادة لبنان؟!, كما تجاهلت واشنطن طلب لبنان الضغط علي إسرائيل لإزالة الألغام التي زرعتها والقنابل العنقودية التي ألقتها خلال عدوانها في صيف2006, وكذلك من أجل الانسحاب من الجزء اللبناني من قرية الغجر. لم يأخذ اللبنانيون بجدية تسريبات أمريكية, مفادها إبلاغ مبعوث السلام الأمريكي جورج ميتشيل خلال زيارته الأخيرة لبيروت الرئيس سليمان رفض بلاده توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان, باعتبار ذلك محاولة لحض لبنان علي الالتحاق بمسيرة تسوية غير واضحة المعالم, والدخول في مواجهة مع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومع سلاح المقاومة, ويقول مسئول لبناني في هذا الصدد ل الأهرام إن غيوم الصراعات الداخلية في الفترة السابقة جعلت الدعم الأمريكي للمشروع الإسرائيلي غير مرئي بدرجة كاملة, وحاولت بعض الأطراف في الداخل التغطية عليه لحسابات داخلية, وكشفت حكومة الوحدة الوطنية الغطاء عنه. وزاد غضب اللبنانيين علي اختلاف انتماءاتهم من قرار السلطات الأمريكية تفتيش اللبنانيين في المطارات الأمريكية ضمن إجراءاتها لمكافحة الإرهاب, ويقول وزير الإعلام طارق متري( أرثوذكسي) ل الأهرام إن من حق كل دولة أن تتخذ الإجراءات التي تراها ضرورية لحماية أمنها, لكن أن يتم ذلك علي أساس الجنسية فهذا تمييز مرفوض, وكأن الأمريكان يقولون إن احتمال أن يكون اللبناني ارهابيا هو احتمال أكبر من أن يكون حامل أي جنسية أخري إرهابيا! كل طوائف لبنان وتياراته السياسية أجمعت كذلك علي رفض قانون مجلس النواب الأمريكي الذي يتيح اتخاذ إجراءات عقابية ضد قنوات فضائية بدعوي حضها علي العنف ومساندتها للإرهاب, وضد شركات الأقمار الصناعية التي تبث من خلالها هذه القنوات, لأنه قانون يمس لبنان بشكل مباشر ويضرب الوفاق الوطني, فالحريات الإعلامية مقدسة, والقانون ينعكس علي لبنان مشروع فتنة لأن المستهدف هو قناة المنار لسان حال حزب الله. قبيل زيارة للرئيس سليمان لموسكو, وجه سياسيون وأحزاب ووسائل إعلام نداء الي الرئيس ورئيس الحكومة ووزير الخارجية علي الشامي بلفت نظر السفيرة الأمريكية في بيروت الي عدم الإدلاء بتصريحات تتناول أوضاعا داخلية في لبنان, والتوقف عن ذلك واحترام الأعراف الدبلوماسية, فقد وحدت المواقف والممارسات الأمريكية في هذه الملفات اللبنانيين كما لم توحدهم المصالحة اللبنانية السورية ولا النقلة النوعية في العلاقات مع تركيا. يلخص العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر هذه الحالة بقوله: إن أمريكا اسم معروف لدرجة أنه مزعج.. وعندما لا تهدد كياننا فلا نمانع في أن نكون أصدقاء.. فمن الممكن أن نكون أصدقاء اذا غيرت الولاياتالمتحدة سياستها تجاه لبنان... الأمر الذي يشكل بصورة أو أخري دعما للرئيس سليمان قبل توجهه الي موسكو.