حلت قضايا لبنان والتطورات الإقليمية ذات العلاقة, التي تشغل حيزا من أولويات السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي, ضيفا علي البيت الأبيض. في لقاء الرئيس باراك أوباما ورئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال أول زيارة رسمية للأخير لواشنطن كرئيس لحكومة الوحدة الوطنية التي ولدت في نوفمبر الماضي بعد مخاض استمر خمسة أشهر منذ الانتخابات النيابية في يونيو الماضي التي فازت بها قوي14 آذار( الأكثرية) بزعامة الحريري. جاءت زيارة الحريري لواشنطن وسط اهتمام أمريكي بلبنان وأوضاعه أقل من حيث التدخل المباشر في شئونه مما كان عليه في عهد الرئيس السابق جورج بوش, الذي أعطي إسرائيل في صيف2006 ضوءا أخضر للعدوان علي لبنان, واهتمام أمريكي أكبر بعملية السلام في الشرق الأوسط في إطار الوضع الإقليمي برمته, الأمر الذي أتاح الفرصة أمام الحريري لكي يطرح مواقف لبنان ورؤيته لمستقبله وعلاقاته مع دول الجوار بشكل أكثر هدوءا بعيدا عن الضغوط. تعد مسألة التهديدات الإسرائيلية بشن حرب علي لبنان الشغل الشاغل للبنانيين, ولا تعدم إسرائيل اختلاق الذرائع, تارة سلاح حزب الله, وتارة بادعاء نقل سوريا صواريخ سكاد إلي الحزب, وقد استبق الحريري زيارته واشنطن بإعلانه أن رواية سكاد تشبه رواية حيازة العراق أسلحة دمار شامل كمبرر لغزو العراق عام2003. أما علي صعيد حزب الله وسلاح المقاومة فتصريحات ومواقف الحريري تصب في شرعية المقاومة, حيث أعلن: أن حزب الله مسألة لبنانية يتم التعاطي معها بالطريقة اللبنانية, وهو جزء كبير من لبنان ويمثل شريحة من اللبنانيين ويتمتع بالشعبية, وهذه المجموعة لعبت دورا كبيرا وأساسيا في تحرير أراض لبنانية من الاحتلال الإسرائيلي, فحزب الله ليس ميليشيا, وهو فوق ذلك شريك في حكومة الوحدة الوطنية. وهو ما يمثل ردا علي المبعوث الدولي تيري رود لارسون الذي يصر في تقاريره الدورية لمجلس الأمن علي نزع سلاح ما يصفه ب الميليشيات المسلحة. ومن ثم فإن السؤال المطروح علي الإدارة الأمريكية والأطراف المعنية, وهو ما سبق وطرحه الحريري نفسه, ما الضمانات التي يمكن الحصول عليها بأن إسرائيل لن تهاجم لبنان إذا تخلي حزب الله عن سلاحه؟. غياب الضمانات قضية رئيسية تصب بدورها في تعزيز وجود وبقاء سلاح المقاومة, فعملية السلام متوقفة حتي الآن, والتطرف الإسرائيلي في تصاعد, والقضية الفلسطينية جوهر النزاع العربي الإسرائيلي تتآكل, وإسرائيل ترفض الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر في الجنوب, أو تسليم لبنان خرائط الألغام الأرضية التي زرعتها في الجنوب, ولبنان ربما جدد طلبه من واشنطن خلال زيارة الحريري بالضغط علي إسرائيل لتسليم هذه الخرائط, واحترام قرار مجلس الأمن رقم1701 الصادر في أغسطس2006 ووقف انتهاكاتها للسيادة اللبنانية, والانتقال بالقرار من وقف العمليات حسب نصه إلي وقف دائم لإطلاق النار. وحتي الالتزامات الأمريكية التي يكررها زوار لبنان من المسئولين الأمريكيين بدعم الجيش اللبناني سرعان ما تبخرت في الكونجرس, وهي تحفظات تثير استفزاز وغضب اللبنانيين لأنها تمثل تشكيكا خبيثا في الجيش اللبناني الذي يحظي بإجماع وطني تماما مثل المقاومة. أما القضية التي تزعج اللبنانيين علي مختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية, وهي قضية التوطين, فالموقف الأمريكي بشأن رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يعدو سوي تسريبات إعلامية منسوبة للمبعوث الأمريكي جورج ميتشل, وقد يسعي الحريري في واشنطن إلي الحصول علي تعهد أمريكي واضح ومعلن بذلك من جانب البيت الأبيض. ليس بعيدا عن ذلك أيضا تجديد انزعاج لبنان وقلقه من قرار الكونجرس بفرض عقوبات علي بعض القنوات الفضائية( منها قناة المنار التابعة للحزب) وشركات الأقمار الصناعية المشغلة لها بدعوي تشجيع الإرهاب, لتأثير ذلك سلبا علي الوضع التصالحي الداخلي, لكنه يتعارض مع حقوق الإنسان وحريات الرأي والتعبير, ناهيك عن رفض الشعب اللبناني أساسا وصم حزب الله بأنه منظمة إرهابية. فهذه القضايا وتلك المواقف من جانب الولاياتالمتحدة والتهديدات من جانب إسرائيل تجعل سلاح المقاومة هو الضمانة الحقيقية والوحيدة للبنان. ولا يعدو الحديث المفاجئ عن إمكان انسحاب إسرائيل من الجزء اللبناني من قرية الغجر قبل عشرة أيام من زيارة الحريري لواشنطن سوي من قبيل المقبلات والوعود حيث لم يطرح وزير خارجية اسبانيا ميجيل موراتينوس, الذي نقل خلال زيارته بيروت نيات إسرائيلية بالانسحاب من هذا الجزء, أي إجراءات أو طرح جدي أو عرض واضح لهذا الانسحاب الجزئي. وبرغم ذلك اهتمت الأوساط اللبنانية بما ذكره مصدر غربي في تسريبات إعلامية لموقع النشرة الإلكتروني بأن هذا الطرح موجود منذ العام الماضي, وتم بحثه في لقاءات جمعت مسئولين أوروبيين بمسئولين سوريين وإسرائيليين كل علي حدة, وبأن ما ينقص هذا الطرح هو التوقيت والإخراج إما بضم هذا الجزء إلي الخط الأزرق, أو بتسليمه إلي الجيش اللبناني, وذلك ضمن إطار متكامل لتبريد الأجواء مع لبنان ينتهي بمفاوضات جديدة يوكل أمرها إلي تركيا بالتنسيق مع الراعي الأمريكي, ويعكس هذا الاهتمام تفاؤلا بإمكان أن يكون ذلك مفاجأة واشنطن الساحرة للبنان خلال زيارة الحريري, لكن مواقف حكومة نيتانياهو في الوقت نفسه تبدد أي أمل في سماع مثل هذا الخبر أو الحصول علي تطمينات بعدم شن عدوان علي لبنان. لقد أثار الإعلان عن زيارة الحريري لواشنطن جدلا في الأوساط اللبنانية حول ما إذا كان قد جري التشاور مع سوريا بشأن هذه الزيارة أم لا؟ ومن ثم جاءت زيارة الحريري لسوريا( ضمن جولة عربية ضمت تركيا أيضا) قبل توجهه إلي واشنطن بمثابة رسالة لحلفاء الحريري في الداخل, ولأطراف إقليمية, وللبيت الأبيض بأن العلاقة بين لبنان وسوريا علاقة ذات خصوصية.. الحفاظ عليها ضمانة للاستقرار, والمساس بها يهدد استقرار لبنان, وهو ما يجب أخذه في الحسبان عند مناقشة جميع الأوضاع الإقليمية ذات العلاقة بحلول الحريري ضيفا علي البيت الأبيض.