بعد صدور الإعلان الدستوري وقانون الأحزاب وتحديد سبتمبر القادم موعدا للانتخابات البرلمانية, فإن القانون المنظم لانتخابات مجلسي الشعب والشوري القادمين هو الخطوة الأهم الباقية علي طريق إعادة بناء نظامنا السياسي. ونظرا لأهمية النظام الانتخابي, فأتمني لو أن حوارا مجتمعيا حقيقيا تم فتحه قبل صدور هذا القانون, فلا مجال للخطأ في هذا المجال, وإلا انتهينا بنظام سياسي يهمش قوي سياسية رئيسية أو يستبعدها كلية, وهو خطأ لا يمكن التسامح معه, خاصة وأن مجلسي الشعب والشوري القادمين سيكون عليهما انتخاب جمعية تأسيسية تتولي إعداد دستورنا الدائم الذي يجب أن يأتي علي قاعدة أوسع قدر من التوافق بين القوي السياسية المختلفة في البلاد حتي لا يتم إهدار مبدأ الشراكة المتساوية في الوطن. تحديد الأهداف التي نريد لنظامنا الانتخابي الجديد تحقيقها هو نقطة البداية في هذا الحوار. وأتصور أن هذه الأهداف يمكن تركيزها في أربعة. الهدف الأول هو إتاحة فرصة عادلة لكل القوي السياسية ذات الشأن الموجودة في مجتمعنا للتمثيل في الهيئات النيابية, والهدف الثاني هو تعزيز الأحزاب السياسية بعد أن تأكدنا من أن إضعاف الأحزاب السياسية يحول المواطنين إلي ذرات متفرقة لا حول لها في مواجهة أجهزة إدارية وأمنية متسلطة بما يسمح للفساد والاستبداد بالتغول, وهي نفس الذرات التي تتحول في لحظات الغضب إلي كتل جماهيرية هادرة يصعب التحاور معها من أجل التوصل لإصلاحات وحلول وسط ترضي الأطراف وتدفع المجتمع إلي الأمام بغير حاجة لانفجارات تهدد أمنه واستقراره. أما الهدف الثالث الذي يجب لنظامنا الانتخابي الجديد تحقيقه فهو إتاحة الفرصة لعدد كاف من أعضاء النخب السياسية المثقفة القادرة علي ممارسة التشريع والرقابة ورسم السياسات العامة للوصول للمجالس المنتخبة. أما الهدف الرابع والأخير فيتمثل فيما يجب أن يكون عليه نظامنا الانتخابي من البساطة والوضوح حتي يمكن للناخب التعامل معه بلا صعوبات. توزيع مقاعد المجالس المنتخبة بالتساوي تقريبا بين النواب المنتخبين كأفراد, والآخرين المنتخبين علي قوائم حزبية مغلقة هو في تصوري الترتيب الأمثل الذي يمكنه تحقيق هذه الأهداف. في النظام المقترح يتم الاحتفاظ بالعدد الراهن من الدوائر الانتخابية حتي لو تم إعادة رسم حدود الدوائر, علي أن يتم انتخاب نائب واحد فقط عن كل دائرة, وعلي أن يتم اختيار هذا النائب بغض النظر عن صفته, أي ما إذا كان عاملا أو فلاحا, بمعني أن المرشح الفائز بالنسبة الأكبر من أصوات الناخبين في الدائرة يفوز بتمثيلها بغض النظر عن صفته الانتخابية. الاحتفاظ بالمقاعد الفردية يتيح للمرشحين المستقلين الكثيرين الموجودين في مصر فرصة كافية للتمثيل في مجلس الشعب, ويتيح تمثيل الناخبين المعتادين علي الاعتماد علي عوامل الخدمات والقرابة والثقة والصلة الشخصية المباشرة, وهم الناخبون الذين مازالوا يمثلون نسبة كبيرة بين الهيئة الناخبة في بلادنا. العدد الباقي من مقاعد مجلس الشعب, والذي يضم عددا مساويا للمقاعد الفردية بالإضافة إلي المقاعد التي يمكن تخصيصها للمرأة, يخصص لقوائم حزبية تتشكل علي المستوي القومي, وفيها يكون الوطن كله دائرة واحدة. ووفقا لهذا النظام فإن الناخب سيكون مطلوبا منه في استمارة تصويت واحدة اختيار أحد المرشحين الأفراد في دائرته الصغيرة وقائمة واحدة من بين القوائم الحزبية المتنافسة علي مستوي الجمهورية. القوائم المقترحة في ظل هذا النظام هي قوائم مغلقة تمثل الأحزاب الشرعية بالإضافة إلي القوائم التي تمثل الائتلافات الحزبية التي يجب للقانون أن يسمح للأحزاب الشرعية بالدخول فيها. ووفقا للنظام المقترح, فإنه يكون كافيا لأي قائمة لكي تمثل في البرلمان أن تفوز بمقعد واحد فقط من مقاعد البرلمان, وفقا لنسبة الحسم التي تتحدد بعد حصر كل الأصوات الصحيحة وقسمتها علي مجموع المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية في البرلمان. ويمكن للنظام الانتخابي الجديد السماح بعقد اتفاقات بين الأحزاب والقوائم لتبادل الأصوات الزائدة, أي الأصوات التي لا تكفي للفوز بمقعد واحد, بحيث تذهب الأصوات الزائدة من القائمة الفائزة بالعدد الأقل منها إلي القائمة الفائزة بالعدد الأكبر. كما يمكن لهذا النظام أن يقضي بتحويل الأصوات الزائدة إلي الحزب الذي يحتاج للعدد الأقل منها للفوز بمقعد إضافي في المجلس. هذا النظام يبدو بسيطا بقدر كاف, لكن بعض التعقيد لن يمكن تجنبه بسبب نسبة العمال والفلاحين التي يجب ألا تقل عن خمسين بالمائة من أعضاء المجالس النيابية. والمقترح المطروح هنا هو أنه بعد إعلان نتائج الدوائر الفردية, ومعرفة عدد العمال والفلاحين بينهم, يتم استكمال نسبة الخمسين بالمائة من العمال والفلاحين من بين المرشحين علي القوائم الحزبية, علي أن يتولي كل حزب تقديم نسبة من العمال والفلاحين الباقين تماثل النسبة التي فاز بها من المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية, وذلك حسب ترتيبهم علي القائمة الحزبية. ويتميز هذا النظام بأنه يضع جزءا من مسئولية اختيار نواب ذوي قدرات عالية من بين الفلاحين والعمال علي الأحزاب والائتلافات الحزبية, الأمر الذي يضمن جودة التمثيل ويرفع مستوي المداولات البرلمانية. المسألة الأخري التي قد تدخل قدرا إضافيا من التعقيد علي هذا النظام هي قضية تمثيل المرأة, ويمكن للنظام المقترح إلزام كل حزب بأن يكون عشرة بالمائة من المرشحين علي قوائمه من النساء, بحيث لا يقل عدد النساء المنتخبات في البرلمان عن عشرة بالمائة من إجمالي المقاعد المخصصة لقوائم الأحزاب والائتلافات. النظام المقترح لانتخابات مجلس الشعب يمكن تطبيقه بنفس الطريقة تقريبا في انتخابات مجلس الشوري بعد إدخال تعديلات محدودة. ومن الميزات المهمة التي يتيحها هذا النظام تمكين المصريين الموجودين في الخارج من التصويت. فبدون تعقيدات التصويت في الدوائر الانتخابية المختلفة, يتاح للمصريين الموجودين في الخارج التصويت لكن فقط علي قوائم الأحزاب والائتلافات, بحيث يتم إرساء قاعدة تصويت المصريين في الخارج, علي أمل أن يتم تمكينهم في المستقبل من المشاركة في التصويت تماما كالمقيمين داخل البلاد, وهو ما سوف يكون ممكنا مع تحقيق إصلاح أكثر جذرية في نظامنا الانتخابي في مرحلة مقبلة.