المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    روسيا تبدأ تدريبات لزيادة جاهزية الأسلحة النووية التكتيكية في الجنوب    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    أول تعليق من تعليم الجيزة على تسريب امتحان العلوم قبل بدء اللجان    توافد طلاب أولى ثانوى بالجيزة على اللجان لأداء الكيمياء في آخر أيام الامتحانات    طالب إعدادي يصيب 4 أشخاص بطلقات نارية أمام مدرسة في قنا    ما حكم ذبح الأضحية في البلاد الفقيرة بدلا من وطن المضحي؟    النشرة الصباحية من «المصري اليوم».. أيرلندا تعتزم الاعتراف بفلسطين.. وإطلاله زوجة محمد صلاح    استشهاد 10 فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على غزة    نتنياهو: لا نخطط لبناء مستوطنات إسرائيلية في غزة    «ما فعلته مع دونجا واجب يمليه الضمير والإنسانية».. أول رد من ياسين البحيري على رسالة الزمالك    بورصة الدواجن اليوم بعد آخر انخفاض.. أسعار الفراخ والبيض الأربعاء 22مايو 2024 بالأسواق    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 22 مايو 2024    بالصور.. معايشة «البوابة نيوز» في حصاد اللؤلؤ الذهبي.. 500 فدان بقرية العمار الكبرى بالقليوبية يتلألأون بثمار المشمش    الأزهر ينشئ صفحة خاصة على «فيسبوك» لمواجهة الإلحاد    فضل يوم النحر وسبب تسميته بيوم الحج الأكبر    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    إبراهيم عيسى: التفكير العربي في حل القضية الفلسطينية منهج "فاشل"    أرقام تاريخية.. كبير محللي أسواق المال يكشف توقعاته للذهب هذا العام    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    عاجل.. حلمي طولان يصب غضبه على مسؤولي الزمالك بسبب نهائي الكونفدرالية    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    تصل إلى 50%، تخفيضات على سعر تكييف صحراوي وقائمة كاملة بأحدث أسعار التكييفات    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    قبل قدوم عيد الأضحى.. أبرز 11 فتوى عن الأضحية    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يناير‏78‏ بدأت أعمال اللجنة السياسية لتحقيق السلام

وسط أجواء إعلامية مشحونة بالهجوم علي الجانب الإسرائيلي‏,‏ ومساعي أمريكية حثيثة علي الطرفين للبدء في التفاوض علي المسارين العسكري والسياسي‏. تتناول هذه الحلقة من مشاهدات أحمد أبو الغيط شاهد علي السلام التي دونها الدبلوماسي الشاب آنذاك أحمد أبو الغيط عضو فريق العمل المصري في المعركة الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل وما بين القاهرة والإسماعيلية وأسوان والقدس تمضي حلقة اليوم لتكشف عن طرح الأطراف الرئيسية في هذه المعركة‏,‏ مصر وإسرائيل والولايات المتحدة لما رآه كل منهم بداية لتحديد مستقبل المنطقة‏...‏ فيما بعد حرب أكتوبر المجيدة
علي الجانب السياسي أخذنا نعد للسفر إلي القدس‏,‏ وكلفني أحمد ماهر بأن أشرف علي كل أوراق المهمة سواء في أبعادها ومتطلباتها الإدارية والتنظيمية‏,‏ أو الأوراق الموضوعية التي كلفت بحملها إلي القدس وقمت بتكثيف العمل والاتصال مع الأجهزة الأمنية المصرية التي كان من المقرر أن تسبق وصول الوفد إلي إسرائيل لكي تقوم بتأمين مقر الوفد وحجرات أعضائه وغرفة الاجتماعات التي كنا سنستخدمها وحجرات الاتصالات والتليفونات المؤمنة التي كان المتوقع أن نستخدمها للاتصال بالقاهرة وغرفة شفرة الوفد التي كانت المخابرات العامة المصرية مسئولة عنها‏..‏ وكانت ملاحظتي الأساسية في هذه المرحلة أن الكثيرين من أعضاء الخارجية والأجهزة المصاحبة الأخري يتهافتون علي المشاركة في الوفد‏...‏ واتضح لي في الحقيقة أن هناك لدي الكثيرين رغبة جارفة للتعرف علي إسرائيل وأسلوب الحياة بها وشكل المجتمع الإسرائيلي وحقائق أوضاعه وكل ما يتعلق بشئونه‏...‏ كما لاحظت أيضا أن الكثيرين من المتخصصين في الشئون الإسرائيلية بوزارة الخارجية المصرية يلحون في المشاركة والسفر لتقديرهم أن هذه الزيارة وهذه المشاركة ستتيح لهم فرصة فريدة للمزيد من المعرفة في الشأن الإسرائيلي‏,‏ وأخذنا نسلم السفارة الأمريكية بالقاهرة كل الأسماء والإيضاحات ونوعيات جوازات السفر ومهام الأعضاء لكي تنقل إلي الجانب الإسرائيلي ولكي يمكن تحقيق الإقامة المناسبة للجميع‏...‏ لقد كانت إحدي الملاحظات التي لفتت نظرنا بالقاهرة عندما حضر الوفد الإسرائيلي إلي مصر يوم‏13‏ ديسمبر وسبقه وفد مقدمة أمنية للتحضير لوصول الوفد الرئيسي والحصول علي مقر إقامته في فندق مينا هاوس بمنطقة أهرامات الجيزة‏...‏ أن هذا الوفد تصرف مع الفندق وكأن لا شئ يمكن أن يردع الأمن الإسرائيلي ورغبته في التأكيد من عدم وجود ميكروفونات في الغرف أو أجهزة التليفون أو الحوائط أو الأثاث‏...‏ من هنا كانت الصدمة كبيرة عندما غادر الإسرائيليون مينا هاوس لكي تكتشف إدارة الفندق أن كل الأسلاك والتليفونات والحوائط‏...‏ وربما كل الأثاث قد اسيئ معاملته بشكل احتاج إلي إعادة تأهيل كاملة لهذه الأجنحة والأقسام التي احتلها الإسرائيليون بالفندق وذلك تحت دعاوي الأمن والتأمين والتأكد من خلو الغرف والأجنحة وحجرات الاستقبال من أي أجهزة تصنت مصرية‏.‏ وبالتالي‏...‏ ومع وصول وفد المقدمة الأمنية المصرية‏...‏ فقد قامت باستلام الأدوار التي كنا سنقيم بها في فندق هيلتون القدس وهي أدوار عالية‏...‏ وتعاملنا مع كل شئ بنفس الأسلوب الذي عومل به فندق مينا هاوس‏...‏ وكأن الرسالة هي أن البادي أظلم‏...‏ وقام الوفد المصري بتركيب شبكة اتصالات كاملة بين كل غرف أعضائه ومسحت حوائط الأدوار والحجرات بأجهزة كشف ميكروفونات التصنت‏.‏ لقد كانت مهمة كبيرة لجهاز المخابرات العامة تتسم بالتحدي والمواجهة‏...‏ إلا أن المؤكد أنها لم تكن المواجهة الأولي بين جهازنا المخابراتي الأمني وأجهزة التجسس الإسرائيلية‏.‏ لقد كانت التوصيات التي قدمت لنا من مخابراتنا‏...‏ نحن الدبلوماسيين من أعضاء وفد التفاوض المصري‏...‏ أن لا نتحدث إلا في الأماكن المفتوحة خارج مباني الفندق‏...‏ ووصل الأمر في بعض الأحيان أننا كنا نتحدث مع وزير الخارجية في جناحه أو فيما بيننا ونحن نصرخ حيث لم نكن في الحقيقة نسمع أصواتنا أو نقاشنا بسبب علو صوت الأجهزة التي وضعتها المخابرات المصرية لنا‏...‏ وتبينا سريعا أن أصلح الوسائل وأنجعها هو في التحدث معا خارج الفندق في حدائقه أو حول حمام السباحة وبصوت هامس‏...‏ كان الدكتور بطرس بطرس غالي‏,‏ وزير الدولة للشئون الخارجية قد أعد مشروع كلمة الوزير محمد إبراهيم كامل التي كان من المفترض أن يلقيها في المطار فور الوصول‏...‏ وكذلك في الاجتماع الافتتاحي لأعمال اللجنة السياسية في يوم‏17‏ يناير صباحا‏...‏ وقرأت الكلمة بتكليف من أحمد ماهر واستشعرت عدم الارتياح‏...‏ وقدرت أنها تحتاج لتقوية وأن نكرر فيها مواقفنا الواضحة التي تطالب بتحقيق الأهداف التي كنا نسعي إليها‏...‏ وهي تحقيق الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة والتسوية العادلة للقضية الفلسطينية‏...‏ والأمن للجميع‏...‏ واستأذنت السفير أحمد ماهر في أن أقوم بإعادة صياغة الكثير من فقرات مشروعي الكلمتين أو البيانين‏...‏ ووافق فورا‏...‏ وطالبنا بالتالي في كلمة مطار اللد أن ينتهي الاحتلال إذ أنه لا سلام مع هذا الاحتلال كما أكدنا علي حق تقرير المصير للفلسطينيين‏...‏ وتحولت الكلمة التي وافق عليها محمد إبراهيم كامل إلي كلمة نارية تتسم بالجرأة والحزم خاصة أن من سيلقيها هو وزير خارجية مصر في عقر دار الخصم‏...‏ وأقلعت الطائرة المصرية وكانت من طراز بوينج‏...737‏ وعلي متنها كل أعضاء الوفد المصري برئاسة الوزير محمد إبراهيم كامل ومشاركة الدكتور عصمت عبد المجيد‏...‏ وأنضم إلي المهمة الدكتور بطرس بطرس غالي الذي طلب منه الرئيس السادات أن يشارك في هذه الجولة من المحادثات لمساعدة وزير الخارجية المصرية‏.‏ كانت مجموعة العمل السياسية بكل أفرادها متواجدة‏...‏ كما كان هناك الكثير من ضباط المخابرات من أعضاء هيئات التقييم والمعلومات ورجال من الأمن والداخلية والاتصالات وغيرهم‏.‏ ووصلنا إلي القدس بعد فترة زمنية ليست بالطويلة والقي محمد إبراهيم كامل بيانه القوي واخذ الجانب الإسرائيلي لوضوح الرسالة وصرامتها وكان الليل قد هبط علي أرضية مطار اللد وتحركت سيارات قافلة الوفد من المطار في طريقها إلي القدس عبر مناطق جبلية مرتفعة‏...‏ كان المخصص لي سيارة متوسطة الحجم صحبني فيها السكرتير الأول حسين حسونة‏..‏ عضو مجموعة العمل والدبلوماسي الوحيد الذي صحب الدكتور بطرس بطرس غالي في المهمة الأولي عند مصاحبته للرئيس السادات في زيارة القدس في نوفمبر‏...77‏ واستقل معنا السيارة مدير مكتب وزير الخارجية الإسرائيلية يواكيم‏.‏ وأخذنا جميعا نتحدث حديثا بسيطا‏...‏ وأخذت أسأل يواكيم عن بعض مواقع المعارك التي دارت علي هذا الطريق الجبلي بين العرب وإسرائيل‏...‏ سواء الفيلق الأردني أو الجماعات الفلسطينية التي كانت تقاتل في عام‏48‏ ضد الهاجناة والأرجون وغيرهما من جماعات وميلشيات إسرائيل‏...‏ وفجأة استدار يواكيم ليقول وهنا في هذا الاتجاه ربما تري سجن الرملة الذي نستضيف فيه بعض أصدقائك‏...‏ وتنبهت إلي ما يقصده واستشعرت التحدي فيما قاله ورددت‏...‏ هم ليسوا بأصدقائي‏...‏ هم اخوتي‏...‏ وسوف نحارب من أجل استقلالهم وتخلصهم من الاحتلال الإسرائيلي‏...‏ وسوف ننجح في نهاية المطاف‏...‏ وساد الصمت حتي وصلنا إلي الفندق بعد حوالي نصف ساعة‏...‏ ويجب أن أعترف هنا أن لحظات الوصول إلي إسرائيل ثم التحرك بالسيارة في هذا الطريق الذي كان موحشا‏...‏ أدي إلي الكثير من التوتر في نفسي‏...‏وفجأة استشعرت أن أنفي يصفد دما‏...‏ وأخذت أبلع ريقي ولكي لا أسمح بانفجار الشعيرات الدموية ومن ثم اتساخ قميصي أو جاكت البدلة التي كنت ارتديها‏...‏ لقد فكرت في هذا المنظر الذي كان يمكن أن يحدث ضجة إعلامية‏...‏ لهذا الدبلوماسي المصري الذي يخرج من السيارة أمام الفندق وهو مدرج بدماء علي قميصه‏...‏ ولم يكن لدي منديل أو أي شئ أحكم به الدماء‏...‏ وتحدثت مع حسين حسونة‏,‏ زميلي بالسيارة‏...‏ بالمشكل الذي يواجهني‏...‏ وقال بهدوء‏...‏ ضع رأسك خارج شباك السيارة‏...‏ لعل الهواء البارد يوقف النزيف‏...‏ وفعلت ما نصحني به‏...‏ ولم يتنبه الياهو يواكيم للوضع الذي أتعرض له‏...‏ وبدأ النزيف يتوقف‏...‏ وإن كنت أحسست أن التهابا رئويا سوف يصيبني في نهاية هذه الرحلة القصيرة زمنيا رغم أنني أحسست أن لا نهاية لها بسبب هذا الوضع الذي واجهني خلالها‏.‏ ووصلت الفندق‏...‏ وكانت الصحافة الإسرائيلية والدولية والمصرية تنتظرنا‏...‏ ووضعت يدي علي أنفي وأسرعت بالدخول إلي البهو وحاول بعض الإعلاميين التحدث معي وتوجيه الأسئلة‏...‏ مثلما فعلوا مع كل أعضاء الوفد المصري‏...‏ وتفاديت الجميع وأسرعت إلي حجرتي وانتهت الأزمة‏....‏ قمت بعد فترة وجيزة‏...‏ وبعد التأكد من توقف النزيف تماما نتيجة لتدخل أحد الأطباء المصاحبين لنا‏...‏ بالذهاب إلي جناح الوزير محمد إبراهيم كامل ورأيت جناحا رائعا كبيرا مؤثثا بأجمل أنواع الأثاث‏...‏ إلا أن ما استوقفني كان وجود أكبر تل رأيته في حياتي للفواكه الطازجة والمجففة الموجودة علي مائدة طويلة للغاية في مدخل حجرة طعام الوزير‏...‏ وأتذكر اليوم‏...‏ أننا وقد قضينا في الفندق ليلتين أنني استهلكت كميات من الفواكه‏...‏ لم يسبق لي أن اكلتها في مثل هذه الفترة الوجيزة‏...‏ كان الإسرائيليون عند وجودهم في مينا هاوس يأمرون بكميات كبيرة من الأطعمة المصرية‏...‏ أطعمة تكفي لأعداد غفيرة من البشر‏...‏ إلا أن الوفد الإسرائيلي كان محدودا جدا في عدد أفراده‏...‏ وتبينا أنها وسيلة لمضايقة الفندق وتحميل الضيافة المصرية‏...‏ ولم يفوتنا نحن أن نقوم باللازم لرد الصاع صاعين‏...‏ فإذا ما كان العشاء لثمانية أفراد بالحجرات أو بجناح الوزراء‏...‏ فإن قائمة الأطعمة المطلوبة كانت دائما أضعاف الاحتياجات الحقيقية والفعلية للوفد‏...‏ وجاء وزير الدفاع الإسرائيلي فايتسمان لكي يعبر عن تحياته للوزير المصري‏...‏ وكان موشي ديان قد غادر الفندق بعد اصطحابه للوزير محمد إبراهيم كامل من الطائرة في مطار اللد إلي جناحه بالهيلتون‏...‏ وكان فايتسمان يتحدث كلمات عربية وينطقها باللهجة المصرية نتيجة لخدمته السابقة في سلاح الطيران البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية‏...‏ وكان بادي السعادة والمجاملة للوزير المصري‏...‏ وكنت أجلس بتعليمات من أحمد ماهر لكي أسجل محضر المقابلة أو أي نقاط هامة قد يتطرق إليها النقاش بين وزير الخارجية المصرية وأي من زواره‏...‏ وفي أثناء الحديث الخفيف بين الوزيرين‏...‏ أبلغه محمد إبراهيم كامل أن والدي كان طيارا مصريا في أثناء الحرب العالمية الثانية‏...‏ وسأل فايتسمان عن أسمي وأسم والدي‏...‏ ثم عقب بالقول أنه كان يعرف الكثير من الطيارين المصريين أثناء هذه الحرب العالمية وفي السنوات التالية وأنه شارك مع محمد صدقي محمود في دورة اركان حرب الطيران في كلية اندوفر في بريطانيا‏...‏ وقلت له لعلك تقصد جمال عفيفي الذي كنت أعلم منه إنه زامل فايتسمان في هذه الدورة‏...‏ فقال نعم‏...‏ أنه جمال عفيفي وليس صدقي محمود‏...‏ وذكر‏...‏ لقد أسفت لما حل بهما بعد حرب‏...67‏ ولم أعلق‏...‏ وسألني ما هي الطائرات التي كان يقودها والدك‏...‏ وعددتها له‏...‏ سبتفاير‏/‏ هاريكان‏/‏ هاليفكس‏/‏ لانكستر‏/‏ داكوتا‏/‏ والكوماندو‏/‏ مشيرا إلي أن سنواته الأولي شهدت طيرانه علي المقاتلات‏...‏ ثم القاذفات وأخيرا طائرات النقل‏.‏ وأضفت أن لديه أي والدي الكثير من القصص التي يسعده أن يقصها علي أصدقائه وابنه في الاغارة علي إسرائيل في عام‏48/...49‏ وجاملني فايتسمان بالقول‏...‏ لن يحدث ذلك مرة أخري وسوف يحل السلام فيما بيننا‏...‏
وبدأت أعمال اللجنة السياسية صباح يوم‏17‏ يناير‏...‏ والقي الوزير محمد إبراهيم كامل بيانا مصريا قويا يطالب بتحقيق السلام الشامل والانسحاب من كل الأراضي المحتلة وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني وتحدث الجانب الأمريكي بنفس النقاط التي تطرق إليها الرئيس كارتر في أسوان في‏4‏ يناير وكذلك بنقاط ومفهوم جدول الأعمال الذي قدمه الأمريكيون إلي الطرفين يوم‏15‏ يناير وتبعه موشي ديان الذي عكس بيانه وبدقة المواقف الإسرائيلية المعروفة عندئذ‏..‏ ورفعت الجلسة ولكي تتحرك الوفود من بدروم الفندق حيث عقد الاجتماع الافتتاحي في قاعة متوسطة الحجم إلي الدور الحادي والعشرين بالفندق لاجتماع ثلاثي مغلق فقط علي أعضاء الوفود الثلاثة‏,‏ ألامريكي الإسرائيلي والمصري‏]‏ وأخذت الأطراف الثلاثة تتحدث مرة أخري بمواقفها وأوضحت النقاشات الاختلافات الكبيرة بين الجانبين المصري والإسرائيلي حول التوصل إلي مفهوم متفق عليه لإعلان مبادئ يحكم التسوية حسبما يقضي جدول الأعمال الأمريكي المقبول من كليهما‏.‏ وطرح الإسرائيليون علينا مقترحهم فيما يجب أن يكون عليه إعلان المبادئ الذي يمكن أن يصدر عن اجتماع اللجنة السياسية وتضمن المقترح‏:‏
أن حكومتي مصر وإسرائيل مصممتان علي مواصلة جهودهما للوصول إلي تسوية شاملة للسلام بالإقليم‏.‏
أن الحكومتين‏,‏ وفي إطار مثل هذه التسوية يبديان استعدادهما للتفاوض حول معاهدات سلام علي أساس المبادئ التي تضمنها قراري مجلس الأمن‏338,242‏ في عامي‏67,.1973‏
واتفقت الحكومتان‏,‏ أن إقامة هذا السلام الدائم يتطلب إجراءات لتأمين الآتي‏:‏
انسحاب إسرائيل من أراض احتلت في خلال نزاع عام‏.67‏
إنهاء كل حالات الحرب واحترام‏...‏ والاعتراف بسيادة ووحدة أراضي واستقلال وحق كل دول المنطقة في العيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها وبدون أي تهديد باستخدام القوة‏.‏
ضمان حرية الملاحة في المجاري المائية الدولية‏...,‏ يقصد بذلك قناة السويس ومضيق تيران‏].‏
التوصل إلي تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين‏..‏ ويلاحظ هنا أنها لم تشر إلي اللاجئين الفلسطينيين ولكن سمتهم اللاجئين‏...‏ بهدف فرض التعامل مع إدعاء إسرائيل بأن هناك لاجئين يهودا من الدول العربية‏.‏
ضمان سيادة الدول وسلامتها الإقليمية من خلال اتخاذ إجراءات من بينها إنشاء مناطق منزوعة السلاح‏.‏
أن التسوية العادلة لقضية الفلسطينيين العرب المقيمين في يهودا وسماريا وقطاع غزة سوف تحل من خلال الحكم الذاتي لهم وحق الإدارة الذاتية‏.‏ وكان من الطبيعي أن نري نحن في الوفد المصري‏...‏ أن هذا المقترح الإسرئيلي لإعلان المبادئ الحاكمة للتسوية والذي يمكن علي أساسه بدء التفاوض الجاد‏...‏ أنه لا يستجيب لأهدافنا أو مطالبنا‏...‏ إذ غاب عنه الإشارة الواضحة للانسحاب من سيناء والجولان والضفة الغربية وعدم جواز الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة‏.‏ كما أستمر الطرح الإسرائيلي يتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين بعيدا عن حق تقرير المصير وهو المطلب الفلسطيني والعربي المحدد‏...‏ من هنا قامت مجموعة العمل بطرح المشروع المصري لإعلان المبادئ مثلما أعددناه نحن بالقاهرة مع تعديلات طفيفة قمنا بتضمينها في أثناء وجودنا بالقدس وذلك علي ضوء ما جاء من الإسرائيليين‏...‏ وتضمن الطرح المصري‏:‏
أن الجانبين المصري والإسرائيلي علي استعداد للتفاوض علي اتفاقات سلام علي أساس تنفيذ قراري مجلس الأمن‏338/242‏ في كل أجزائهما‏.‏
إنه ومن أجل التوصل إلي هذه الاتفاقات فإن المطلوب‏...‏
انسحاب إسرائيل من سيناء‏/‏ الجولان‏/‏ والضفة الغربية وغزة طبقا للقرار‏242‏ ومبدأ عدم جواز الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة‏.‏
ضرورة ضمان سلامة اراضي الدول واستقلالها السياسي من خلال إجراءات يتفق عليها ومن خلال مبدأ التبادلية والمعاملة بالمثل‏.‏
احترام سيادة ووحدة أراضي واستقلال كل دول المنطقة‏.‏
تسوية عادلة للقضية الفلسطينية في كل جوانبها علي أساس حق تقرير المصير ومن خلال مفاوضات تشارك فيها كل من مصر‏/‏ الأردن‏/‏ إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني‏.‏
إنهاء كل دعاوي الحرب وإقامة علاقات سلام بين كل دول الإقليم من خلال توقيع معاهدات سلام تقوم علي أساس ميثاق الأمم المتحدة‏.‏ وبطبيعة الحال أيضا‏...‏ فقد رفض الجانب الإسرائيلي المقترح المصري الذي استهدف وضع الأمور في نصابها بشكل محدد فيما يتعلق بمسألة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ عام‏67‏ وكذلك القضية الفلسطينية والتي هي ليست بقضية لاجئين فقط‏...‏ ولكن قضية حق تقرير مصير لشعب كامل يبغي أن يحكم نفسه وفي استقلال كامل داخل بلده‏.‏ ووضح أن الأمور لن تتحرك بعيدا بهذه المواقف المصرية والإسرائيلية التي تظهر لدي العين أو العقل غير المدرب علي قراءة النصوص أن الفروق بينها ليست كبيرة‏...‏ إلا أن القانونيين والدبلوماسيين المدربين يمكنهم فورا تبين نقاط الخطر والشراك والفخاخ الموجودة في كل نص‏...‏ وجاء سيروس فانس لكي يقابل وزير الخارجية المصرية ولكي يتحدث حول ما يمكن للولايات المتحدة القيام به من مبادرات أو أفكار يطرحها لتجاوز المشاكل بين الطرفين‏...‏ وأكد له الوزير محمد إبراهيم كامل ما سبق أن تحدث به مع موشي ديان أثناء الاجتماع الرسمي الصباحي‏...‏ وسجلت وقتها أن محمد إبراهيم كامل رفض المطلب الإسرائيلي في إنشاء لجان لبحث المسائل والنقاط المعروضة علي جدول الأعمال والتي تفصل الجانبين عن بعضهما البعض قبل الاتفاق بشكل كامل علي صياغة إعلان المبادئ التي ستحكم المفاوضات وبالتالي التسوية السياسية للنزاع‏...‏ وعاد الوزير محمد إبراهيم كامل طبقا لما سجلته عندئذ أن مصر ترفض بالكامل الطرح الذي جاء في مشروع مناحم بيجين بالإسماعيلية أو مواقف الوفد العسكري الإسرائيلي في القاهرة يومي‏12/11‏ يناير‏...78‏ وفيما يتعلق بالتسوية الفلسطينية فإن مصر تهتم بتأمين حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني‏...‏ وأما تفاصيل تطبيق هذا الحق ومراحل تنفيذ أي اتفاق في هذا الشأن فإنه أمر يمكن لإسرائيل أن تبحثه مع ممثلي الشعب الفلسطيني‏.‏ وحاول سيروس فانس أن يتطرق إلي مسألة المستوطنات الإسرائيلية في سيناء‏...‏ ورفض محمد إبراهيم كامل فورا التطرق إلي الموضوع‏...‏ وأضاف أن هذه المسألة هي مسألة عسكرية ستحتاج إلي تسوية بين العسكريين المصريين والإسرائيليين في إطار اللجنة العسكرية المعنية بمناقشة ترتيبات الانسحاب الإسرائيلي‏...‏ وأكد محمد إبراهيم كامل أن الفهم المصري لعمل اللجان هو أن اللجنة العسكرية ستعمل علي بحث كل الإجراءات العسكرية وترتيبات العلاقات بين الجانبين ومنع الخطأ في أي أعمال عسكرية‏...‏ أما اللجنة السياسية فإن دورها هو في صياغة اتفاق تفاوضي سياسي لتسوية سياسية بين مصر وإسرائيل يتم تضمينها في معاهدة سلام مقترحة‏...‏ وكذلك التفاوض علي مستقبل تسوية القضية الفلسطينية وبما يتيح للفلسطينيين حق تقرير المصير الكامل‏.‏ وأستمع سايروس فانس بإمعان شديد‏...‏ وكان يرافقه كبار مساعديه‏...‏ مثل اثرتون ساندرز ايلتس وأعضاء من مجلس الأمن القومي الأمريكي من معاوني برزنيسكي‏...‏ مثل بيل كوانت‏.‏ وعلي الجانب المصري‏...‏ تواجد الدكتور أسامة الباز أحمد ماهر وأحمد أبو الغيط‏...‏ وهنا يجب أن اتطرق إلي الوضع الجديد لأسلوب الوفد المصري في التعامل مع كل أنواع هذه المفاوضات أو دعنا نقول المشاورات والمحادثات‏...‏ فلقد وضح أن الوزير الجديد محمد إبراهيم كامل لا يرغب في أن يكون هناك هذا العدد الكبير من المعاونين المصريين‏...‏ من هنا تم وبشكل هادئ وبالتدرج تقليص دور عدد من أعضاء مجموعة العمل المصرية الدبلوماسية التي أدارت المفاوضات خلال الشهور السابقة وبالتحديد في شهر ديسمبر‏77‏ وحتي الوصول إلي القدس‏.‏ وتقديري أن دور أحمد ماهر الذي تعاظم كثيرا في هذه الفترة كان له تأثيره الحاسم‏...‏ كذلك فإن خشية محمد إبراهيم كامل من الاعتماد علي بعض الدبلوماسيين الذين سبق لهم العمل اللصيق مع الوزير إسماعيل فهمي كان أيضا له تأثيره‏...‏ إلا أنه ينبغي القول أيضا أن محمد إبراهيم كامل احتفظ بعلاقة طيبة للغاية مع الدكتور بطرس بطرس غالي‏...‏ خاصة مع وجود الحساسيات التقليدية بين منصبي وزير الخارجية صاحب التأثير المطلق في أعمال الوزارة وتوجيه السياسة وغير ذلك من مهام ووجود وزير دولة للشئون الخارجية يسعي لإيجاد دور‏...‏ ربما له صفه الاستقلال عن وزير الخارجية‏...‏ وهو ما يثير دائما مشكلات مختلفة يعاني منها هذا التنظيم في حالة وجوده‏.‏ ينبغي القول أيضا في هذا السياق‏...‏ أن محمد إبراهيم كامل قد احتفظ بأحسن العلاقات مع الدكتور أسامة الباز‏...‏ ولكن مع وجود الكثير من الحذر في نظرته‏...‏ وكذلك أحمد ماهر‏...‏ نتيجة للنفوذ الكبير والمعرفة العميقة للدكتور أسامة الباز في الملفات وصلاته الواسعة مع كل أقطاب الحكم في مصر‏...‏ وأبلغني كل من احمد ماهر‏...‏ والدكتور أسامة الباز أن الأخير‏...‏ بادر بالتحدث إلي الأول مشيرا إلي قلق مجموعة العمل من تنحيتها وأن بعض أعضائها بدأ يحمل علي ماهر إلا أن الأول أكد أن هذا هو أسلوب الوزير الجديد وأنه لن يعدل من منهجه بسبب ضيق البعض من هذا الأسلوب‏...‏ وبقي الحال بعد ذلك في شكله الجديد‏...‏ أي وجود فاعل وقادر للدكتور أسامة الباز وكل من السفير الريدي والسفير العربي وأخيرا أحمد أبو الغيط‏...‏ وانزوي دور بقية أعضاء مجموعة العمل تدريجيا حتي استقالة الوزير محمد إبراهيم كامل في سبتمبر‏.1978‏ وخرج سايروس فانس من الاجتماع مع محمد إبراهيم كامل مساء يوم‏17‏ يناير‏...‏ لكي يلتقيا علي مائدة العشاء التي دعا لها مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل‏...‏ مع وعد من جانب سايروس فانس أن يحاول التوصل إلي صياغة مرضية لإعلان مبادئ يمكن أن يقبلها الجانبان المصري والإسرائيلي في اليوم التالي‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.