حرب أكتوبر برغم مرور37 عاما علي اندلاعها فإن آثارها ومؤثراتها مازالت تسفر كل يوم عن جديد تحرير الأرض المصرية علي مدي22 عاما(5 يونيو1967 19 مارس1989) بأساليب المقاومة وحرب الاستنزاف والحرب القتالية والعمل الدبلوماسي ثم استرداد طابا بالتحكيم الدولي يؤلف ملحمة رائعة تتوج ملاحم التحرير التي يزخر بها الانسان المصري عبر العصور القديمة والوسيطة والحديثة. كان هذا قدر مصر دائما في مقاومة كل أنواع الاستعمار الحديث منذ حرب التحرير الشعبية ضد الغزو الفرنسي عام1798 الي المقاومة الشعبية لحملة فريزر عام1807 الي الثورة العرابية ومواجهة التدخل البريطاني عام1882, الي ثورة1919 ضد الاستعمار البريطاني وصدور تصريح فبراير1922 باستقلال مصر, الي الكفاح الشعبي في منطقة القناة(1951 1954) الي توقيع اتفاقية الجلاء عن السودان عام1953 وعن مصر عام1954 الي جلاء اخر جندي بريطاني في18 يونيو1956 الي المقاومة الشعبية في حرب السويس1956 والانسحاب البريطاني والفرنسي23 ديسمبر1956 والانسحاب الاسرائيلي من سيناء مارس1957 الي الصمود في مواجهة الحصار الاقتصادي في عقب حرب السويس. *** وجاءت ملحمة تحرير سيناء التي بدأها الشعب المصري بالصمود لاحتواء آثار الصدمة عقب نكسة يونيو1967, وكانت هذه أعظم مراحل المقاومة التي لم تخل أيضا من اثبات الوجود العسكري المصري المبكر ممثلا في الغارات المصرية علي المواقع الاسرائيلية في نهاية يونيو1967, ومعركة رأس العش في أول يوليو1967 التي قضت علي محاولة اسرائيل لإحتلال مدينة بوفؤاد, واغراق المدمرة الاسرائيلية ايلات في21 اكتوبر1967 امام بورسعيد وردود الفعل العالمية لهذا الحدث في الاستراتيجيات البحرية ثم بدأ الشعب المصري اعادة ترتيب البيت ببيان30 مارس1968 ثم بدأ الصحوة بحرب الاستنزاف مارس1969 اغسطس1971, وهي بكل المقاييس تجربة رائدة من تجارب المقاومة ضد الاحتلال, ثم بدأت مصر مرحلة التخطيط والاعداد لمعركة المصير أعظم حروب التحرير في عصرنا(6 اكتوبر1973) وهي انتصار للعسكرية المصرية والعربية بصفة خاصة والعسكرية في العالم الثالث بصفة عامة. وبعدها خاضت الدبلوماسية المصرية حربها التي لاتقل جسارة عن قتال الجبهة لتحرير سيناء ولم تيأس مصر أمام العناد الاسرائيلي حتي دفعت بالحكومة الاسرائيلية لقبول التحكيم الدولي في طابا وكانت النتيجة الطبيعية إقرار هيئة التحكيم بحق مصر التاريخي والقانوني في منطقة طابا وانسحبت القوات الاسرائيلية من المنطقة في15 مارس1989 لتشكل الفصل الأخير في تحرير سيناء. *** واستحوذت ومازالت حرب السادس من اكتوبر علي اهتمامات الرأي العام العربي والافريقي حكومات وشعوب وثمة اقتناع مؤكد في الفكر السياسي الافريقي ان هذه الحرب هي أساسا حرب تحرير عربية افريقية قامت دفاعا عن أرض عربية افريقية وان نتائج هذه الحرب في مجملها انتصار للعسكرية ولحركات التحرير العربية والافريقية ولا عجب, فلم تكن حرب اكتوبر إلا مرحلة معاصرة من مراحل تاريخية التقت خلالها حركات التحرير العربية والافريقية في مواجهة عدو واحد مشترك. وانطلاقا من هذا التصور الافريقي للقضية العربية وضعت الدول الافريقية اسرائيل في مصاف اعداء افريقيا, وعبر رئيس الكونغو الشعبية بعد حرب اكتوبر عن هذا التصور قائلا: إن اسرائيل قد انزلقت الي مصاف أعدائنا في بريتوريا وسالسبوري( قبل استقلال زيمبابوي) كما عبر الرئيس موبوتو رئيس زائير في فبراير1974 عن الانتصار العربي الذي تحقق في الحرب قائلا: ان النصر الذي أحرزه العسكريون المصريون الشجعان علي قوي الامبريالية انه ليشرف افريقيا هذا النصر, وان شهداء هذه الحرب من المصريين الذين ماتوا هم مواطنون جديرون بوطنيتهم حيث دافعوا عن اراضيهم وعن وطنهم وكذا من أجل تحرير افريقيا. كما صرح الرئيس نيريري رئيس تنزانيا السابق في نوفمبر1974 بأن حرب اكتوبر قد أثبتت ان ارادة النضال تستطيع ان تتغلب علي قوي الاحتلال, وأضاف قائلا: ان هذه الحرب قريبة منا نحن الافريقيين لان مصر كانت جزءا منها وهذا يعني ان افريقيا كلها أيضا جزء منها. ولم يكن هذا الموقف الافريقي موقف مجاملة للعرب, بل كان ولايزال يعكس احساسا افريقيا صادقا بان حرب اكتوبر هي فعلا حرب تحرير افريقية وان دروسها تتطابق تماما مع الواقع الافريقي ومع مسيرة حرب التحرير الافريقية. وكان من أبرز هذه الدروس ان حرب اكتوبر قد أثبتت بالدليل القاطع خطأ نظرية الحدود الآمنة التي روجتها النظم الاستعمارية والعنصرية سواء في اسرائيل أو جنوب افريقيا العنصرية لتبرر توسعها الاستعماري والاستيطاني وردع حركات التحرير الافريقية والفلسطينية. *** حقا ان دورس حرب اكتوبر اكثر من أن تحصي وبرغم مرور37 عاما علي اندلاعها فان آثارها ومؤثراتها مازالت تسفر كل يوم عن جديد. [email protected] المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى