يوافق الأحد25 أبريل ذكري تحرير سيناء وعودتها الي سيادة الوطن أرضا وسماء, جبالا ورمالا, وأصبحت ملحمة تحرير سيناء رمزا من رموز البطولة التي سجلها الشعب المصري في ملحمة تحرير تتوج ملاحم التحرير التي يزخر بها تاريخ الانسان المصري عبر العصور. لم تأت ملحمة تحرير سيناء من فراغ, فقد بدأها الشعب المصري بالصمود لاحتواء آثار الصدمة عقب نكسة يونيو.1967 وكانت هذه أعظم مراحل المقاومة التي لم تخل أيضا من إثبات الوجود العسكري المصري المبكر ممثلا في الغارات المصرية علي المواقع الاسرائيلية في نهاية يونيو1967 ومعركة رأس العش في أول يوليو1967 التي قضت علي محاولة اسرائيل لاحتلال مدينة بورفؤاد, وإغراق المدمرة ايلات في21 اكتوبر1967 أمام بورسعيد وردود الفعل العالمية لهذا الحدث في الاستراتيجيات البحرية, ثم بدأ الشعب المصري إعادة ترتيب البيت بداية من30 مارس1968 ثم بدأ الصحوة بحرب الاستنزاف مارس1969 اغسطس1971 وهي بكل المقاييس تجربة رائدة من تجارب المقاومة ضد الاحتلال, ثم بدأت مصر مرحلة التخطيط والاعداد لمعركة المصير, أعظم حروب التحرير في عصرنا في6 أكتوبر1973 وهي انتصار للعسكرية المصرية والعربية بصفة خاصة وللعسكرية في العالم الثالث بصفة عامة. وبعد انتصار اكتوبر1973 خاضت الدبلوماسية المصرية حربها التي لاتقل جسارة عن قتال الجبهة لتحرير سيناء, ولم تيأس مصر مبارك أمام العناد الإسرائيلي بشأن طابا وواصلت ضغوطها حتي دفعت بالحكومة الاسرائيلية لقبول التحكيم الدولي, وكانت النتيجة الطبيعية إقرار هيئة التحكيم بحق مصر التاريخي والقانوني في منطقة طابا, وانسحبت القوات الاسرائيلية من المنطقة في15 مارس1989 لتشكل الفصل الأخير في ملحمة تحرير سيناء. ومن الأهمية أن تكتب ملحمة تحرير سيناء برؤية شاملة وبكل أبعادها من الاحتلال الي التحرير, وليس القصد تسجيل أحداثها فحسب, وانما تحليل مضمونها ورصد دروسها المستفادة في المناهج الدراسية لهذا الجيل وللأجيال القادمة مع التركيز علي ما يلي: أولا: إن حرب السادس من أكتوبر1973 لم تكن كسابقتها حرب الأيام الستة حرب1967, بمعني ان حرب اكتوبر لم تكن مجرد اجتياح خط عسكري حصين كخط بارليف فحسب, وإنما كانت ايذانا بحسم قضية الصراع العربي الاسرائيلي, وليس أدل علي هذا ان مصر في قمة انتصارها خلال ايام القتال الأولي, أعلنت مبادرة السلام من موقع قوة لا يستهان بها, وبعدها خاضت الدبلوماسية المصرية حربها التي لاتقل جسارة عن قتال الجبهة لتحرير سيناء. ثانيا: اكتملت للتجربة المصرية في عملية السلام في عهد الرئيس مبارك كل عناصر نجاحها بعد ان تمرست علي ادارة عملية التفاوض الصعب مع اسرائيل, وتوافر لها خبرة لم تكن متاحة للأطراف العربية الأخري, ومن هنا فإن مصر منذ التحضير لمؤتمر السلام في مدريد(10 اكتوبر1991) لم تتردد في النهوض بمسئولياتها القومية حيال أشقائها, العرب بل حيال المنطقة بأكملها حتي يتم احلال سلام حقيقي علي أساس من الحق والعدل والكرامة للجميع, وفي هذا السياق أصبحت صيغة كامب ديفيد اطارا مرجعيا لكل مفاوضات السلام في الشرق الأوسط, وايضا لحالات عديدة من الصراعات الموجودة في إفريقيا وآسيا. ثالثا: إن هذا الجهد القومي المصري لإرساء سلام عادل ودائم في المنطقة ليس عملا رئاسيا أو مهمة من مهمات السياسة الخارجية فحسب, بل يمس من قريب ومن بعيد كل فئات المجتمع المصري من ناحية وكل جيل من أجيال المجتمع المصري من ناحية أخري. وفي هذا السياق لابد أن يتم التحاور مع الجيل الشبابي حول مفهوم السلام وتوضيح السيناريو المتوقع له في إطار المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية وذلك وفق منهج سياسي واعلامي عقلاني في الحوار يؤكد ان السلام العادل والدائم سوف يظل خيارنا الاستراتيجي وان ما تقدم عليه آلة الحرب الاسرائيلية مخطط مكشوف لمحاولة فرض الضغوط علي الجانب الفلسطيني اذا قدر لمفاوضات السلام ان تستأنف عاجلا أو آجلا, وان هذا المخطط مصيره الفشل, فالارادة الفلسطينية قد تمرست طويلا علي اساليب الخديعة الاسرائيلية. وأخيرا فإن أجندة أعيادنا الوطنية هي كتاب مفتوح لذاكرة التاريخ الوطني يستعيد خلالها كل جيل الحدث أو المناسبة للتأمل, ويستكشف خلالها كل جيل مواقع أقدامه اليوم من أمسه لاستشراف غده أو مستقبله. ومن هنا تبدو أهمية كتابة ملحمة تحرير سيناء علي أربعة مستويات من الكتابة:1 المستوي الأكاديمي الموضوعي وفق مناهج البحث التاريخي والسياسي والاقتصادي والاعلامي في الجامعات,2 المستوي الاستراتيجي العسكري,3 المستوي الإعلامي المحلي بالكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية,4 المستوي الاعلامي الدولي بعدد من اللغات الحية. [email protected] المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى