مع بدء احتفالنا الأربعاء المقبل بالذكري ال37 لحرب6 اكتوبر1973, يتجسد للجيل الجديد(18 عاما فأقل) الذي لم يعاصر ملحمة التحرير التي صنعها الشعب المصري بصموده وصححت علي حد قول الرئيس مبارك مسار التاريخ في المنطقة.. كما أنها بشهادة خبراء العالم قد أحدثت واستحدثت ثورة غير مسبوقة في الاستراتيجية والتكتيك العسكري في عالمنا المعاصر.. علما ومفهوما وتطبيقا. وعلي الرغم من التغطية الإعلامية لملحمة اكتوبر في ذكراها السنوية إلا أنها تغطية موسمية تكاد أن تكون مقصورة علي الأيام القليلة التي تسبق أو تعقب ذكري6 اكتوبر, كما تركز التغطية الإعلامية في الأساس علي ملحمة العبور وضربة الطيران الخارقة دون محاولة ربط وقائع هذه الملحمة البطولية بملاحم مرحلتين سابقتين: * المرحلة الأولي: مرحلة تاريخية حيث كان قدر مصر دائما مقاومة كل أنواع الاستعمار الحديث منذ حرب التحرير الشعبية ضد الغزو الفرنسي عام1798, إلي المقاومة الشعبية لحملة فريزر1807 الي الثورة العرابية ومواجهة التدخل البريطاني عام1882, إلي ثورة1919 ضد الاستعمار البريطاني وصدور تصريح فبراير1922 باستقلال مصر, الي الكفاح الشعبي في منطقة القناة(1951 1954) الي توقيع اتفاقية الجلاء البريطاني عن السودان عام1953 وعن مصر عام1954, إلي جلاء آخر جندي بريطاني في18 يونيو1956, إلي المقاومة الشعبية في حرب السويس أكتوبر1956, والانسحاب البريطاني والفرنسي في23 ديسمبر1956, والانسحاب الاسرائيلي من سيناء مارس1957 إلي الصمود في مواجهة الحصار الاقتصادي عقب حرب السويس. * المرحلة الثانية: هي مرحلة تحرير سيناء التي بدأها الشعب المصري بالصمود لاحتواء آثار الصدمة عقب نكسة يونيو1967 وكانت هذه أعظم مراحل المقاومة التي لم تخل أيضا من اثبات الوجود العسكري المصري المبكر ممثلا في الغارات المصرية علي المواقع الاسرائيلية في نهاية يونيو1967 ومعركة رأس العش في أول يوليو1967 التي قضت علي محاولة اسرائيل لاحتلال مدينة بورفؤاد, وإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات في21 اكتوبر1967 أمام بورسعيد, وردود الفعل العالمية لهذا الحدث في الاستراتيجيات البحرية ثم بدأ الشعب المصري إعادة ترتيب البيت ببيان30 مارس1968 ثم بدأ الصحوة بحرب الاستنزاف( مارس1969 اغسطس1971) وهي بكل المقاييس تجربة رائدة من تجارب المقاومة ضد الاحتلال, ثم بدأت مصر مرحلة التخطيط والإعداد لمعركة المصير أعظم حروب التحرير في عصرنا في6 أكتوبر1973 وهي انتصار للعسكرية المصرية والعربية بصفة خاصة وللعسكرية في العالم الثالث بصفة عامة. وبعدها خاضت الدبلوماسية المصرية حربها التي لا تقل جسارة عن قتال الجبهة لتحرير سيناء, ولم تيأس مصر أمام العناد الإسرائيلي حتي دفعت بالحكومة الإسرائيلية لقبول التحكيم بحق مصر التاريخي والقانوني في منطقة طابا وانسحبت القوات الاسرائيلية من المنطقة في15 مارس1989 لتشكل الفصل الأخير في تحرير سيناء. ومن الأهمية أن تقدم ملحمة تحرير سيناء هكذا للجيل المعاصر برؤية شاملة وبكل أبعادها من الاحتلال الي التحرير حتي يستوعب الجيل المعاصر تطوراتها ومراحلها ودروسها المستفادة ومن هنا تتحقق وتتكامل رؤية الجيل الجديد لملحمة التحرير المصرية ككل, وليس القصد تسجيل أحداثها فحسب, وإنما تحليل مضمونها ورصد دروسها حتي لا يظن الجيل الجديد ان ملحمة اكتوبر قد أصبحت مجرد حدث تاريخي كبير تقمص بطولته جيل سابق في بداية السبعينيات ومن ثم فقد يعتقد الجيل الجديد أن حرب اكتوبر قد دخلت ذمة التاريخ جنبا إلي جنب ثورات الشعب المصري والمتعددة والمتنوعة والمتواصلة, ومن هنا لا تتضح للجيل الجديد وحدة التاريخ المصري التي يتسم بها تاريخنا عبر كل العصور مهما طالت سنواتها. هكذا تبدو أهمية كتابة ملحمة التحرير المصرية برؤية شاملة وعلي مستوي ملاحم التحرير من ناحية وعلي مستوي سنوات التحرير كاملة ليس بقصد تسجيل أحداثها فحسب وإنما تحليل مضمونها ورصد دروسها لهذا الجيل وللأجيال المقبلة ويمكن ان تكتب ملحمة اكتوبر علي خمسة مستويات من الكتابة: أولا: المستوي الأكاديمي الموضوعي وليكن مجالها الطبيعي مناهج البحث التاريخي والسياسي والاقتصادي والإعلاني في الجامعات العليا ومراكز البحوث والدراسات المصرية المختلفة. ثانيا: المستوي الاستراتيجي العسكري وهو مجال تخصص جديد ازدهر في مصر اكثر من أي وقت مضي مع تعدد المؤلفات والكتابات في الشئون الاستراتيجية والعسكرية وذلك بهدف بلورة فكر عسكري مصري جديد ومتجدد يواكب متغيرات عالمنا المعاصر. ثالثا: المستوي الإعلامي المحلي بالكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية, بما يحقق التفاعل والتعامل مع عامة الرأي العام المصري وفي مقدمته الجيل الجديد. رابعا: تشجيع القيادات التي شاركت عن قرب طوال سنوات التحرير في الإدلاء بشهاداتهم وتجاربهم وملاحظاتهم هذا فضلا عن إعداد استبيان لوجهة نظر الشعب المصري في سيناء والقناة الذي عاش محنة الاحتلال حتي التحرير. خامسا: المستوي الإعلامي الدولي بالاسلوب المناسب وباللغات الحية ليس في أوروبا وأمريكا فحسب وإنما أيضا بأبرز لغات ولهجات دول العالم الثالث ان كتابة ملحمة اكتوبر مشروع قومي وأعتقد ان الاسهام في هذا العمل تشريف لكل مؤرخ ومفكر وكاتب وليس وظيفة تكليف.