«القاهرة الإخبارية» تعرض مشاهد لركام منزل استهدفه طيران الاحتلال بمخيم النصيرات    «يهدد بحرب أوسع».. ضابط استخبارات أمريكي يستقيل احتجاجا على دعم بلاده لإسرائيل.. عاجل    عبدالمنعم سعيد: هناك مبالغة شديدة في العالم بعد أحداث 7 أكتوبر    درجات الحرارة اليوم الثلاثاء 14-05-2024 في مصر    طلاب الصف الثاني الثانوي بالقاهرة يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الأولى    خبيرة أبراج تحذر من ظاهرة «رأس الغول» في شهر مايو.. قد تدمر حياة هؤلاء    حفل عشاء لجنة تحكيم الدورة 77 لمهرجان كان السينمائي (صور)    ما مواقيت الحج الزمانية؟.. «البحوث الإسلامية» يوضح    ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بتقلص الإمدادات    طريقة التقديم في معهد معاوني الأمن 2024.. الموعد والشروط اللازمة ومزايا المقبولين    عمرو أديب ل عالم أزهري: هل ينفع نأخد ديننا من إبراهيم عيسى؟    حكم الشرع في زيارة الأضرحة وهل الأمر بدعة.. أزهري يجيب    غرفة صناعة الدواء: نقص الأدوية بالسوق سينتهي خلال 3 أسابيع    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 14-5-2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    ارتفاع تكلفة الواردات في كوريا الجنوبية وسط ارتفاع أسعار النفط    بديوي: إنشاء أول مصنع لإنتاج الإيثانول من البجاس صديق للبيئة    لهواة الغوص، سلطنة عمان تدشن متحفًا تحت الماء (فيديو)    عصابة التهريب تقتل شابا بالرصاص أثناء سفره بطريقة غير شرعية    وزير الزراعة: 300 ألف طن زيادة بالصادرات حتى الأن.. واعتبارات دولية وراء ارتفاع الأسعار    وزير الإسكان العماني يلتقى هشام طلعت مصطفى    الأوبرا تختتم عروض «الجمال النائم» على المسرح الكبير    جوتيريش يعرب عن حزنه العميق لمقتل موظف أممي بغزة    مسؤول أمريكي: بايدن لا يرى أن إسرائيل ستحقق نصرا كاملا بغزة    هل يجوز للزوجة الحج حتى لو زوجها رافض؟ الإفتاء تجيب    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    شولتس يقلل من التوقعات بشأن مؤتمر السلام الأوكراني    طريقة عمل عيش الشوفان، في البيت بأقل التكاليف    هيئة الدواء تحذر من منتجات مغشوشة وغير مطابقة: لا تشتروا هذه الأدوية    رئيس شعبة الأدوية: احنا بنخسر في تصنيع الدواء.. والإنتاج قل لهذا السبب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر بعد ضم وقفة عرفات    سيات ليون تنطلق بتجهيزات إضافية ومنظومة هجينة جديدة    "الناس مرعوبة".. عمرو أديب عن محاولة إعتداء سائق أوبر على سيدة التجمع    في عيد استشهادهم .. تعرف علي سيرة الأم دولاجي وأولادها الأربعة    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    ميدو: هذا الشخص يستطيع حل أزمة الشحات والشيبي    «محبطة وغير مقبولة».. نجم الأهلي السابق ينتقد تصريحات حسام حسن    «يحتاج لجراحة عاجلة».. مدحت شلبي يفجر مفاجأة مدوية بشأن لاعب كبير بالمنتخب والمحترفين    فرج عامر: الحكام تعاني من الضغوط النفسية.. وتصريحات حسام حسن صحيحة    فريدة سيف النصر: «فيه شيوخ بتحرم الفن وفي نفس الوقت بينتجوا أفلام ومسلسلات»    سلوى محمد علي تكشف نتائج تقديمها شخصية الخالة خيرية ب«عالم سمسم»    عيار 21 يفاجئ الجميع.. انخفاض كبير في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 14 مايو بالصاغة    مقتل وإصابة 10 جنود عراقيين في هجوم لداعش على موقع للجيش    سعر البصل والطماطم والخضروات في الأسواق اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024    برشلونة يسترد المركز الثاني بالفوز على سوسيداد.. ورقم تاريخي ل تير شتيجن    عاجل.. حسام حسن يفجر مفاجأة ل "الشناوي" ويورط صلاح أمام الجماهير    أول تعليق من " أوبر " على تعدي أحد سائقيها على سيدة بالقاهرة    تفحم 4 سيارات فى حريق جراج محرم بك وسط الإسكندرية    إبراهيم حسن يكشف حقيقة تصريحات شقيقه بأن الدوري لايوجد به لاعب يصلح للمنتخب    رئيس شعبة الأدوية: هناك طلبات بتحريك أسعار 1000 نوع دواء    رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: نقوم باختبار البرامج الدراسية التي يحتاجها سوق العمل    "يأس".. واشنطن تعلق على تغيير وزير الدفاع الروسي    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    فرنسا: الادعاء يطالب بتوقيع عقوبات بالسجن في حادث سكة حديد مميت عام 2015    وصل ل50 جنيهًا.. نقيب الفلاحين يكشف أسباب ارتفاع أسعار التفاح البلدي    «أخي جاوز الظالمون المدى».. غنوا من أجل فلسطين وساندوا القضية    أطفال مستشفى المقاطعة المركزى يستغيثون برئيس الوزراء باستثناء المستشفى من انقطاع الكهرباء    الحماية القانونية والجنائية للأشخاص "ذوي الهمم"    إبراهيم عيسى: الدولة بأكملها تتفق على حياة سعيدة للمواطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيروس الدروس الخصوصية وإفساد التعليم المصري
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 09 - 2010

قادتني ضرورة عائلية للدخول إلي أحد مراكز الدروس الخصوصية بمدينة نصر‏,‏ وكم أصابتني الدهشة حينما وجدت نفسي وكأنني دخلت أحد المراكز العلاجية الهامة‏,‏ أو أحد مستشفيات الخمس نجوم‏,‏ حيث حجرة الاستقبال الرحبة‏,‏ وقائمة بأسعار السادة المدرسين وتخصصاتهم‏. ,‏ وذلك الشباب الذي يقوم باستقبال الزائرين وإطلاعهم علي المواعيد وقوائم الأسعار‏,‏ وملء الاستمارات لحجز الأماكن مع السادة المدرسين أصحاب السمعة المدوية في مجال تخصصهم‏!‏
ولفت انتباهي وجود مجموعة من الشباب الذين ربما تزوجوا حديثا أو في السنوات النهائية في الجامعة يجلسون علي منضدة وأمامهم كشاكيل وكراسات يقومون بتصحيح مافيها من إجابات للتلاميذ‏,‏ وكلما خرجت مجموعة من التلاميذ حاملة هذه الكشاكيل تضعها أمام هؤلاء الفتية من المصححين‏!‏ إنها عملية منظمة تجري بهدوء وحسب التقاليد المرعية‏,‏ فكل تلميذ يسدد ثمن الحصة قبل أن يدخل إلي الدرس ويضع كراسة إجاباته أمام هؤلاء الفتية بعد خروجه‏!‏ والطريف أن هؤلاء التلاميذ من البنات والبنين يدخلون ويخرجون تبدو علي ملامح بعضهم الابتسامة الباهتة أو الضيق المكتوم‏!!‏ وكان من الطبيعي وأنا أشاهد هذه المسرحية الهزلية أن أشرد بخواطري سارحا فيما مضي حينما كنا تلاميذ في عمر هؤلاء التلاميذ‏,‏ وكان العيب كل العيب أن يذهب أحدنا إلي مدرسة خاصة أو إلي مدرس خصوصي ناهيك عن أن يأتي إليه المدرس في منزله‏,‏ فقد كان هذا هو العيب نفسه لدي المدرس الذي كانت كرامته فوق أي اعتبار حتي ولو كان لديه بعض الحاجة‏!‏ وعدت بالذاكرة إلي الوراء أكثر وأكثر أيام بدأنا الدراسة الابتدائية بتوجيه إلزامي من الدولة‏,‏ وكم كانت سعادة الطفل منا وهو يتوجه إلي المدرسة بزي نظيف ليحيي العلم‏,‏ ويبدأ يومه الدراسي بنشاط وجد وكل المدرسة والعاملين والمدرسين والناظر في خدمته لايتخلف أحدهم عن طابور الصباح‏.‏
لقد كان للمدرسة وللمدرسين دور هائل في غرس كل القيم الجميلة في نفوس جيلنا‏,‏ فقد تعلمنا منها ومنهم قيمة الانتماء وحب الوطن‏,‏ وقيمة النظام والنظافة‏,‏ وقيمة الجدية والإتقان في أداء الواجبات المدرسية ومتابعة الدروس‏,‏ بل تعلمنا منها قيمة التوفير والاقتصاد‏,‏ وكيفية الاهتمام بصحة الجسم وأهمية ممارسة التدريبات الرياضية‏,‏ وصحة النفس وتهذيبها بممارسة الأنشطة الفنية والاستماع للموسيقي‏,‏ والسمو بالنفس وتزكيتها بالقيم الدينية وممارسة الشعائر‏,‏ تعلمنا فيها أن القراءة والإطلاع أساس التفوق‏.‏
وكم كنا نسعد بدخولنا مكتبتها الأنيقة لنستعير الكتب واحدا بعد آخر حتي نتنافس علي قراءة أكبر قدر من مقتنياتها‏.‏ وكم كنا نسعد بدخول معمل العلوم فيها لنجري التجارب‏,‏ ونكتب بعض الملاحظات البسيطة حول مانري من تفاعلات‏,‏ كل تلك وغيرها كانت أنشطة نمارسها ونتعلم من خلالها‏.‏ وكم كان المدرس شامخا يسعد بنا كلما كنا شطارا في الفصل وملتزمين خارجه‏,‏ وكم كنا نخشاه ونتقرب إليه في آن واحد‏,‏ وكم كانوا يحفزوننا ويسعدون بالتنافس بيننا للحصول علي أعلي الدرجات ليفخروا بنا دون أن يطلبوا منا جزاء ولاشكرا‏.‏
وأفقت من شرودي وعدت إلي الواقع الأليم لأتذكر ماقرأته منذ أيام عن نتائج دراسة أعدها رئيس المكتب الفني للصندوق الاجتماعي للتنمية حول ظاهرة الدروس الخصوصية تقول إن المصريين يدفعون لأبنائهم في الدروس الخصوصية ثلاثين مليار جنيه سنويا‏,‏ هذا علي فرض أن نصف طلاب المراحل التعليمية المختلفة فقط هم الذين يأخذون هذه الدروس‏,‏ وكم حيرني هذا الرقم المخيف وكم تألمت وتحسرت علي إصرار الدولة علي مايسمي مجانية التعليم في مصر فأين هذه المجانية إذا كان الآباء والأمهات يدفعون هذه المبالغ الطائلة في الدروس الخصوصية؟‏!‏ أليس من الأفضل والأجدر إذن أن يدفعوها كمصاريف لأولادهم في المدارس حتي يضمنوا الحصول علي تعليم أفضل يجنبهم جحيم التنقل بين مراكز الدروس الخصوصية واستقبال المدرسين في البيوت‏,‏ في الوقت الذي يرون فيه المدارس خاوية لايذهب الطلاب إليها إلا ليلتقوا بزملائهم ويضيعوا فيها وقتا كانوا هم أولي به لو انتظمت الحصص داخل المدرسة‏,‏ وأخلص المدرسون في شرح الدروس ومراجعة الواجبات المدرسية للتلاميذ‏!!‏
ولعلي أناشد المسئولين عن التعليم في الحزب الوطني ومجلسي الشعب والشوري بدراسة ذلك الصنم المسمي مجانية التعليم‏,‏ بحيث يقتصر علي الطلاب غير المستطيعين والمتفوقين دراسيا بشرط ربط زيادة المصروفات الدراسية بمضاعفة رواتب المدرسين بالشكل الذي يضمن لهم حياة لائقة تناسب مكانتهم الاجتماعية ومهامهم الوظيفية ورسالتهم السامية‏.‏ فالقضاءعلي فيروس الدروس الخصوصية يبدأ بإعادة الهيبة للمدرسين‏,‏ ووضعهم في مكانهم اللائق اجتماعيا واقتصاديا‏.‏
وفي ذات الوقت ينبغي وهذا ماتقوم به الوزارة حاليا تغيير فلسفة التعليم‏,‏ ومناهجه في كل المراحل الدراسية لتلائم العصر‏,‏ ولتقضي علي تلك الطريقة التقليدية في التدريس عن طريق التلقين والحفظ ومايسمي بالكتب الخارجية‏.‏
ولاشك أن إصلاح التعليم علي هذين الأساسيين‏,‏ إعادة النظر في مجانية التعليم ومشاركة أولياء الأمور عن طريق دفع مصاريف أكثر في تمويل زيادة رواتب المدرسين سيجعل الآباء أكثر ثقة في المدرسة والمدرس‏,‏ وسيعطي لهم الحق عن طريق المشاركة في مجلس الآباء أو الأمناء في محاسبة المدرسة عن أي تقصير في حق أولادهم‏,‏ وسيحرصون علي متابعة العملية التعليمية باستمرار‏.‏ كما أنه سيتيح لوزارة التعليم عن طريق إصدار تشريعات حاسمة معاقبة أي مدرس يثبت تورطه في أي نشاط خاص يمس سمعته كمدرس وقدوة لها احترامها ووقارها بالفصل التام من عمله‏.‏
إذ لاشك أن تورطه وانشغاله بالدروس الخصوصية أيا كان نوعها أو صورتها يمنعه من إتقان عمله الحرص علي تطوير أدواته لخدمة العملية التعليمية‏.‏
تلك العملية التي ستتطلب في ظل الأساس الثاني الخاص بتغيير فلسفة التعليم وتطوير مناهجه‏,‏ ستتطلب من المعلم قضاء كل وقته تقريبا بين أداء مهمته التعليمية والتربوية في المدرسة وخارجها‏,‏ وبذل الجهد الدائم للحصول علي دورات متتابعة بغرض متابعة كل جديد في تخصصه‏,‏ والحرص علي صعود سلالم سلمه الوظيفي‏,‏ وهكذا كانت حياة معلمي جيلنا‏,‏ كانوا يقضون وقتهم إما معنا في المدرسة أو في متابعة القراءة والتحصيل والإطلاع علي واجباتنا وتصحيحها في منازلهم‏.‏
ومن هنا فإنني أيضا أناشد معلمي مصر الذين أثق في أن كثيرا منهم يقومون بواجبهم علي الوجه الأكمل‏,‏ ويتمنون أن يتمكنوا من ذلك بصورة أفضل‏,‏ إذا ماتحسن المناخ العام للعملية التعليمية بكل عناصرها‏.‏ أناشدهم بأنهم أصحاب رسالة وليسوا مجرد ملقنين‏,‏ إنهم ورثة الأنبياء وأصحاب الرسالات في قيادة الأمة إلي مستقبل أفضل لأنهم إنما يطلعون بتربية الجيل الذي سيحمل مسئولية نهضة مصر ووضعها في مكانها اللائق بها إقليميا ودوليا‏.‏ إن المعلم ليس مجرد ناقل معلومات‏,‏ وإنما هو مربي وقدوة لأبنائه الطلاب‏,‏ وهو الذي يمكنه التأثير فيهم بخلقه الرفيع وثقافته الواسعة‏.‏ إننا نريد المدرس المثقف‏,‏ القادر علي التأثير في تلاميذه ليس فقط عن طريق تلقينهم المنهج الدراسي‏,‏ وإنما عن طريق منحهم القدرة علي تحصيل المعلومات بأنفسهم‏,‏ ومنحهم الفرصة للمناقشة والحوار داخل الفصل الدراسي‏,‏ القادر علي تدريبهم علي مهارات التفكير العلمي ومهارات القيادة والمشاركة السياسية والمجتمعية‏.‏ إن المعلم هو القائد الحقيقي الذي يصنع جيل المستقبل‏,‏ وهو بالتالي القائد الحقيقي الذي يقودنا عبر الأجيال المتلاحقة التي تتخرج من تحت يديه إلي هذا المستقبل‏.‏ فإن كان غرسه طيبا ستأتي الثمار طيبة ونافعة‏.‏
ومن ثم فأنتم يامعلمي مصر الذين ستصنعون بغرسكم مستقبل مصر‏.‏ هذه هي رسالتكم الحقيقية‏,‏ تلك الرسالة التي لاينبغي أن تشوهوها بأي صورة من الصور مهما كانت الظروف صعبة‏,‏ والمطالب المادية ملحة وقاهرة‏.‏ إن المعلم الحقيقي هو من يعي أن رسالته أقرب ماتكون إلي رسالة سماوية ينبغي أن يتحمل في سبيلها الصعاب وألا ينهزم أمام أي مغريات‏,‏ لأن الجزاء الأوفي لهذه الرسالة لايحصله من الدولة‏,‏ أو من المجتمع بقدر مايحصله من خالق الوجود ورب الناس والعباد‏.‏
المزيد من مقالات د‏.‏ مصطفي النشار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.