إذا كانت الظروف تحتم علينا ترشيد استهلاك المياه, فإن علي رأسه ضرورة ترشيد استهلاك مياه الري, وهذا يمكن من خلال اتباع الأساليب الحديثة التي توفر ما يتراوح بين20% و25% من مياه الزراعة مثل الري بالتنقيط الذي يزيد من المحصول. ويرفع جودته, ويزيد الرقعة الزراعية. في البداية يقول د. محسن عبدالمنعم جامع أستاذ الأراضي والمياه بجامعة أسيوط وأمين مركز البحوث الإقليمي بالخارجة التابع لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا: إنه عند ري الأرض بالطرق العادية يتم غمر كل مساحة الأرض بالمياه, وهو ما يحتاج إلي كميات مياه كبيرة حتي تشبع المنطقة التي نرويها, إنما في طرق المياه بالتنقيط يتم ري المنطقة التي يشغلها جذر النبات فقط, وفي الغالب هذه المنطقة تمثل من ثلث إلي نصف مساحة الأرض, وتروي لعمق الجذر فقط, وبالطبع فكمية الماء تتراوح من نصف إلي ثلث كمية الماء المستخدم بالغمر, وإذن من الممكن توفير من50% إلي60% من مياه الري, وبالتالي يمكن استخدام هذه المياه الموفرة في زراعة أكثر من ضعف المساحة المزروعة. كما أنه, يضيف, في حالة الري بالتنقيط يسهل التحكم في عملية التسميد بحيث يتم حقن السماد مع ماء الري للنبات المطلوب تسميده أكثر من مرة في الأسبوع, فضلا عن أن هذا يؤدي إلي التوفير في السماد والاستفادة منه بنسبة100% في التنقيط, لأنه يتم تسميد النبات في هذه الحالة بجرعات قليلة وعلي مرات كثيرة, في حين أنه في الري بالغمر يتم التسميد مرتين طوال عمر النبات, ويفقد معظم السماد بالغسيل ويذهب إلي باطن الأرض للصرف الزراعي, وهذا يوضح أن عملية التسميد مع الري بالتنقيط تؤدي إلي مضاعفة المحصول من الري, ومنع وصول الأسمدة والمياه إلي الحشائش, مما يوفر في عملية الخدمة الزراعية. فضلا عن أنه في التنقيط يمكن إعطاء الماء في أي وقت حسب الظروف الجوية, وبالتالي نضمن استمرار نمو النبات وعدم تعرضه لأي إجهادات من العطش أو الجفاف, أما في الغمر فيتم الري كل أسبوع أو أسبوعين, وهذا يعرض النبات إلي الإغراق في المياه قبل موعد الري التالي, مما يسبب اتجاه النبات لإنتاج جذور تحت الأرض للبحث عن مياه, وهذا يفقده طاقته ويعرضه لإجهاد شديد, بينما في حالة التنقيط يتم الري مرة أو مرتين في اليوم, وهذا يوفر طاقة النبات ليستغلها في إنتاج المجموع الخضري فوق الأرض, والإثمار, وبالتالي يتضاعف المحصول. أيضا هناك مصدر ترشيد آخر, يتابع, هو رفع كفاءة نقل المياه, ففي حالة الري بالتنقيط يتم نقل المياه إلي الأرض خلال خط مواسير فتكون كفاءة نقل المياه100%, بينما تصل إلي50% في الري بالغمر حيث تنقل المياه إلي الأرض خلال قنوات مفتوحة, وبالتالي تتعرض إلي التسرب والبخر مما يشجع نمو الحشائش غير المرغوب في نموها, فهي تأخذ خير وغذاء الأرض وتنافس النبات في نموه, وإن كان يعاب علي الري بالتنقيط في حالة وجود أملاح في التربة فإنه لا يغسلها, فيمكن في بداية كل موسم غسل الأرض, وتزويد كميات المياه أكثر من اللازم فتغسل الأملاح مع الصرف الزراعي, وفي حالة الأراضي الطينية الملحية يمكن اتباع الري المطور بالأنابيب. وبالنسبة لتكلفة الري بالتنقيط للأشجار فتتراوح ما بين1500 و2000 جنيه, ومن3 آلاف إلي4 آلاف جنيه للخضار والمحاصيل العادية والري السطحي المطور بالأنابيب, في حين أن الري السطحي المطور بالأنابيب تبلغ التكلفة1200 جنيه فقط للفدان, لكن العائد الممثل في زيادة المحصول يعوض هذا الفارق في التكلفة, ففي طرق الري الحديثة يزيد المحصول والمكسب, وهذه الطرق بالقانون تستخدم في الأراضي الرملية الحديثة, والمستخدمون أنفسهم يلجأون إلي الري بالتنقيط لأنهم علي علم بميزاته من حيث زيادة المساحة الزراعية ورفع الجودة والعائد من المحصول نفسه. ميزات كثيرة من جهته يوضح أ.د. علي عبدالجليل أستاذ الأراضي ووكيل كلية الزراعة لشئون التعليم والطلاب بجامعة سوهاج, أن استخدام طرق الري الحديثة في كل محافظات الجمهورية سوف يوفر علي الأقل10 مليارات متر مكعب سنويا, أي ما يعادل من20% إلي25% من مياه الزراعة, علما بأن حصتنا من مياه نهر النيل55.5 مليار متر مكعب في السنة, منها45 مليار متر مكعب لأغراض الزراعة, وباقي الحصة للأغراض الأخري, وإن كان لنظام الري بالتنقيط عيوب فإنه في المحصلة أفضل من الري بالغمر. ففي الري بالتنقيط يمكن استخدام ماء ملحي نسبيا, ويرجع ذلك إلي أن جذور النباتات تنمو في المنطقة الرطبة حيث يكون تركيز الأملاح مساويا لتركيزه في ماء الري, ويتجه التركيز إلي الارتفاع في الأجزاء الخارجية للمنطقة الرطبة, ويمكن غسل الأملاح المجمعة إما بإضافة الماء أو بماء المطر, والري بالتنقيط يوفر الماء والأسمدة, ويخفض العمالة, وينعدم الفقد بالرشح ويوفر الطاقة التي يمكن أن تستخدم في الكهرباء أو السولار في الأنظمة الأخري, كما يوفر كثيرا من العمليات مثل العزيق أو رش المبيدات, ويحد من نمو الحشائش, وبالتالي تقل تكلفة مقاومة الأمراض, ويمكن التعرف علي أعراضها, ويسهل التغلب عليها, وكل هذه المميزات تؤدي إلي تقليل تكلفة الإنتاج, وبالتالي يكون إنتاجا اقتصاديا. والهدف الرئيسي لهذا النظام هو توفير المياه وتقليل استخدامها, وكثير من الزراعات إنتاجها بحدية اقتصادية معه فقد استخدم في زراعة القمح في الأراضي الصحراوية والقصب في مناطق الصعيد والبساتين وأعطي عوائد اقتصادية عالية, وهو مطلب قومي في هذه الفترة لترشيد استهلاك المياه, خاصة أن الظروف الآن تحتم علينا ترشيد استهلاك مياه الري فإننا قد نواجه مشكلة مياه, والحروب القادمة ليست عسكرية بل حروب مياه, فمطلوب منا كمصريين ترشيد استهلاكنا, حيث إن مخزون المياه خلف السد العالي لن يستمر طويلا إذا لم يتم استمرار حصة المياه الحالية أو زيادتها, وهذا يمكن باتباع أساليب الري الحديثة مثل الري بالتنقيط وكذلك بالرش وتحت السطحي, وهو الاتجاه الذي تتبعه الدولة أخيرا في الوادي والدلتا, وهناك مشروع قوي تتبناه وزارتا الزراعة والري بتكلفة قد تصل إلي59 مليار جنيه علي مدي20 سنة لتغيير نمط استخدام مياه الري بالغمر وترشيد استخدام المياه.