لم تعد الزراعة مهنة فقط بل هي علم وفن وادارة وهي جميعها تدخل في اطار منظومة متكاملة.. وبدون المياه يتعطل عمل هذه المنظومة ومصر تمر بمرحلة حرجة. فنحن نستورد مايقترب من نصف احتياجاتنا من الغذاء والمياه محدودة بالاضافة الي الاسراف وسوء الاستخدام, حيث يتم اهدار نحو40% منها, ولذلك نحن أمام تحد للحفاظ علي الماء المهدر وزيادة الرقعة الزراعية واحداث توازن في احتياجاتنا من الذاء مع الزيادة السكانية المستمرة وإلا ستكون كارثة, فمساحة الأرض المزروعة نحو7.8 مليون فدان منها5.4 مليون فدان في الوادي والدلتا والباقية مستصلحة, ونصف مليون مطرية. وموارد مصر من المياه تبلغ نحو66 مليار ونصف متر مكعب مياه منها55.5 مليار من نهر النيل والباقي من المياه الجوفية والأمطار والتحلية الي جانب الصرف الزراعي, ومعها للأسف الصحي المعالج, والمياه المستهلكة في الزراعة نحو56 مليار متر مكعب, ونحو9 مليارات يستهلكها السكان والصناعة, ويبلغ نصيب الفرد من المياه نحو950 مترا مكعبا في السنة, ومن المتوقع أن ينخفض بحلول عام2025 ليصل نصيب الفرد الي600 متر مكعب.. ونتيجة لهذا الوضع لابد من تغيير الأفكار والاهتمام بالوسائل الحديثة للري من رش وتنقيط وتطوير طرق الري السطحي, حيث يوجد مشروع قومي لتطوير الترع الصغيرة والقنوات والمساقي سواء بالتبطين أو تحويلها لأنابيب للحد من البخر والحشائش وزيادة كفاءة استخدام المياه مما يوفر نحو25% من مياه الري السحطي وتحسين أحوال التربة. الدكتور عبد المنعم الجلا أستاذ الأراضي بكلية زراعة عين شمس يقول: إن استخدام الأساليب الحديثة في الري لايتم إلا وفقا لعدة عوامل منها نوع التربة والنبات وغيرها من بعض البيانات والحقائق, وبالنسبة للأراضي القديمة في الدلتا الأساس فيها ترشيد الري السطحي, وهناك برنامج لتطوير الري فيها وتقنين استخدام مياه الري, وبالتالي ترشيد كميات ضخمة من المياه للتوسع الزراعي في الأراضي الجديدة, عن طريق تبطين المساقي والمراوي أو تحويلها الي انابيب مغطاة لكل مجموعة مزارعين وعمل فتحة للمياه عند كل أرض يتم التحكم فيها وهذه العملية تقلل الفاقد من المياه في باطن الأرض, وهي تقلل المدة التي يتم الري فيها لعدم وجود حشائش تعوق تدفق المياه بها, فالفقد يكون كبيرا في المياه في القنوات القديمة, وهنا يتم توفير الوقت والوقود المستخدم في الطلمبات, ويقوم بالمشروع مركز البحوث الزراعية ويجري تطبيقه في عدة محافظات. وهناك البعض قام بعمل البرنامج بالجهود الذاتية والمفروض أن تقوم الدولة بدفع المشروع لسرعة تنفيذه, وفي هذه الحالة يمكن الاستفادة باضافة السماد مع المياه وقمنا بتنفيذها في الشرقية بعمل أنابيب وبها فتحات أمام كل حقل, وبالفعل من التجربة الحقيقية تم توفير المياه والوقت وبتغطية الأنابيب تم توسيع الطريق أو زراعة السطح والاستفادة بها, كما قلت الحشائش في الأرض لأن القنوات المفتوحة تحمل بذور الحشائش التي تنمو بها, وهذه العملية توفر نحو25% وتقلل من السماد نحو20% وهذا التوفير يساعد في ري أراض جديدة والتوسع. والرش والتنقيط يعرض الأراضي القديمة للتملح ويصعب استخدامها في المساحات الصغيرة, جدا, لكن يمكن الري بالوسائل الحديثة في المساحات الكبيرة لكن تحت الملاحظة لمنع تمليح التربة بغسلها ولابد من غسلها من آن لآخر للتخلص من الأملاح في منطقة الجذور, وهذا في الأراضي الطميية والطينية لكن الأراضي الجديدة, يمكن استدام الري بالرش والتنقيط بأنواعه, فالري الحديث يوفر الوقت والماء للنصف مع التربة والمشكلات بسيطة في الطرق الحديثة, وعيبها أنها مكلفة في البداية ويطالب الدولة بدعم الفلاح ولايوجد مشكلة في التدريب عليها, والري بالرش مفيد في كثير من المحاصيل مثل القمح والبرسيم والتنقيط في الخضار والفاكهة والنخيل. والدكتور عبد العزيز شتا أستاذ ورئيس قسم الأراضي بزراعة عين شمس يوضح ان الري مهم واستخدام النظم الحديثة يتم وفقا لنوع التربة وخواصها الطبيعية المؤثرة علي نفاذية المياه, فالري بالغمر مناسب للأراضي الطينية الثقيلة والمتوسطة وبالتالي تحسين الري بالدلتا ليس شرطا باستخدام الحديثة من رش وتنيقط لكن علي حسب نوع المحصول المنزرع, باستخدام نظم ري موفرة للمياه مثل تسوية التربة أولا بالليزر وبميل معين فيكون سريان المياه سريعا وتقليل استهلاك المياه كذلك الري بالخطوط الطويلة, بتسطير التربة بميول مناسبة, وفي الأراضي القديمة يمكن ري الخضار بالتنقيط مع توفير مصارف جيدة لمنع ارتفاع منسوب المياه في قطاع التربة وتطبيلها وتمليحها, ويكون مستوي المياه الأرضية السطحية عميقا وهذه توفر نحو30% من المياه في الأراضي القديمة. ويؤكد الدكتور شتا ان مشروع تطوير الري في الدلتا قومي ضخم تم الاعداد له لتطوير الري الحقلي في الدلتا والوادي ومساقي الري والمراوي, وسيوفر كميات كبيرة من المياه لري مئات الآلاف من الأفدنة الصحراوية وسيوفر مساحات إضافية من الأرض القديمة كانت تستخدم كمراو ومساق مفتوحة, وبذلك ترتفع كفاءة الري من55% لأكثر من85%. وباستخدام منظومة متكاملة للري وادارة الأراضي والتسميد يمكن زيادة المحصول15% علي الأقل, والحد من تلوث التربة بالسماد.. وفي النهاية تضييق الفجوة الغذائية, فالزراعة ليست مهنة فقط لكنها علم وفن في ادارة الموارد الطبيعية وترشيد استخداماتها خاصة المياه لمواجهة الزيادة السكانية.