شهدت الاجتماعات واللقاءات الثنائية في اليوم الأول لقمة مجموعة العشرين أمس بمدينة تورنتو الكندية مناقشات موسعة وشاملة بين الدول الكبري اقتصاديا حول قضايا سياسية ومالية عالمية ملحة. وفي مقدمتها الوضع في أفغانستان وعملية السلام المتعثرة بين إسرائيل والفلسطينيين والموقف من البرنامجين النوويين لكل من إيران وكوريا الشمالية والخلاف بين أمريكا وأوروبا حول خطوات الإصلاح الاقتصادي, وهو ما تصفه مصادر القمة بأنه دليل علي توسيع دور المجموعة في إدارة الشئون العالمية. وعلي الرغم من سخونة القضايا العالمية خاصة الموقف المتأزم في الشرق الأوسط وأفغانستان, فإن الاقتصاد كان صاحب الصوت الأعلي خلال مناقشات قادة العالم المجتمعين في كندا. وألقت الخلافات الأوروبية الأمريكية حول الطريقة الأسلم لمواجهة الأزمة المالية العالمية والنهوض بالاقتصاد من عثرته بظلالها علي المناقشات, ففي الوقت الذي أشارت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلي وجود قدر كبير من التفاهم المتبادل بين المشاركين, مؤكدة أن الجميع متفقون علي ضرورة المضي قدما في تحقيق النمو المستمر بالتماشي مع إجراءات التقشف, أعربت الإدارة الأمريكية مجددا عن قلقها من احتمال أن تؤدي إجراءات التقشف في أوروبا الي الإضرار بالانتعاش الاقتصادي. جاء ذلك بعد أن فشلت قمة الثماني- التي عقدت في كندا قبل انطلاق قمة العشرين بساعات قليلة- في تحقيق أي تقدم علي صعيد المحادثات المالية, ولم تسفر ساعات النقاش الطويلة في تقريب وجهتي النظر الأمريكية والأوروبية. فقد طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الدول الأوروبية مجددا بمساندة سياسات واشنطن الرامية إلي تحفيز النمو الاقتصادي عن طريق زيادة الإنفاق وليس التقشف ووضع قيود علي الموازنات الوطنية. وصرح الرئيس الأمريكي قبيل انطلاق القمة بأن علي دول مجموعة العشرين العمل معا لزيادة النمو الاقتصادي في دولهم, وأن الاقتصاد العالمي مترابط بشكل معقد جدا. جاءت تصريحات الرئيس أوباما بعد ساعات قليلة من قيام الكونجرس الأمريكي بالموافقة علي اصلاح تاريخي للوائح المالية التي وصفها اوباما بأنها أقوي حماية مالية للمستهلك في تاريخ الولاياتالمتحدة. ورحب أوباما بتوصل نواب الكونجرس إلي إتفاق, ودعا أوباما الدول الأخري إلي العمل المشترك وتنسيق الجهود في اجراءات الإصلاح. ولكن الإصرار الأمريكي علي تنسيق الجهود عالميا لإصلاح النظام المالي العالمي يواجهه عناد أوروبي- خاصة من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تقود الجبهة الأوروبية تجاه التمسك بسياسات تقشفية, ورفض توسيع الإنفاق, فقد أكدت ميركل- في تصريحات لها أمس ردا علي أوباما- أن الدول الصناعية تتفق علي ضرورة تحفيز النمو لكن بلادها تفضل اتباع سياسات تقشفية. في هذه الأثناء كشفت منظمة جرين بيس المعنية بالدفاع عن البيئة عن نسخة من مسودة للبيان الختامي لمجموعة العشرين حصلت عليها وجاء فيها أن القمة ستحذر من أن التعافي الاقتصادي هش وأن البطالة تظل عند مستويات غير مقبولة. وأمام هذا التعنت الأوروبي- الأمريكي, اضطر الأمين العام لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إنجيل جوريا إلي البحث عن خطة بديلة للخروج من الأزمة, حيث أعلن أمس أن صناع السياسات الأوروبية يجب أن يتوصلوا إلي خطة ب تتضمن الاستعداد لضخ أموال في بنوك دول الإتحاد الأوروبي عند الضرورة. وفي تصريحات علي هامش القمة, قال جوريا: يجب أن يفهم الرأي العام طبيعة ماذا يحدث بعد الانهيارات المالية وهو أمر مهم لتحسين الأوضاع. ولأنه من الصعب لهذا العدد من قادة العالم أن يجتمعوا بدون تحقيق إنجاز ما, فقد أعلن عدد من قادة مجموعة الثماني المجتمعين في كندا الجمعة عن مساهمات تصل قيمتها الاجمالية الي خمسة مليارات دولار تخصص لتعزيز صحة الام والطفل في الدول النامية. وأوضح ستيفن هاربر رئيس الوزراء الكندي- عقب إجتماع قادة سبع دول إفريقية مع زعماء مجموعة الثمانية أمس الأول- أن الدول الكبري تعهدت بتقديم خمسة مليارات دولار في خمس سنوات لدعم مشروعات الرعاية الصحية للأمهات والأطفال والتعليم ومكافحة الإيدز في الدول الفقيرة من بينه1.35 مليار دولار من الولاياتالمتحدة و1.1 مليار من كندا و500 مليار من اليابان. ومن جانبه, حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, المشارك في اجتماعات المجموعة, قادة الدول الكبري علي زيادة الإهتمام بقضايا التنمية في الدول الفقيرة علي الرغم من الأزمة الاقتصادية الراهنة. من ناحية أخري, نشرت الشرطة الكندية الآلاف من رجالها في شوارع مدينة تورنتو تحسبا لحدوث أعمال شغب عادة ما ترافق أعمال القمة. ويقول عمدة المدينة إن رجال الشرطة يحاولون التعرف علي مثيري الشغب و إيقافهم قبل تنفيذ أعمالهم. وتظاهر أمس نحو ألفي شخص في شوارع مدينة تورنتو الكندية احتجاجا علي انعقاد قمة العشرين ورفضا للسياسات الليبرالية, ووقعت بعض المواجهات بين الشرطة ومحتجين حاولوا الوصول إلي مقر انعقاد القمة.