بعد مرور عامين علي ربيع الثورات المجازي مازالت الاضطرابات, والفوضي, والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية تكرس عدم الاستقرار الهيكلي للنظام وأجهزته ومؤسساته في ظل سعي لإيجاد أجهزة موازية للدولة في مصر. إلي أين وما هي السيناريوهات المطروحة بعد السيناريو الأول الذي سبق طرحه؟ السيناريو الثاني: احتمال انفجار اجتماعي في وسط الفئات الأكثر عسرا في قيعان المدن وهوامشها علي اختلافها, وفي هذه الحالة سيدخل قطاعات من الشباب كجزء من هذه الانفجارات الاجتماعية التي لم تدخل ساحة الصراع السياسي والاجتماعي حتي هذه اللحظة. السيناريو الثالث: الوصول إلي توافقات في الحد الأدني نحو بناء أرضيات مشتركة حول بعض قضايا إعادة بناء المؤسسات السياسية, والوصول إلي قناعات أساسية حول القيم والسلوك الديمقراطي في إطار دولة القانون. والسعي إلي تجديد عمليات التوفيق والتكامل والدمج والتوطين للثقافة القانونية الغربية, مع المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية والأهم.. الأهم للقيم الإسلامية الفضلي في عديد مناحي الحياة. ومن ثم يؤدي ذلك إلي تحريك ديناميكيات جديدة, يدخل الشباب مختلف أطيافه السياسية والاجتماعية والفكرية إلي هذه الساحة. مستقبل الشباب رهين بشكل الحكم ومدي موافقة شيوخ الحركة الإسلامية السلفية والإخوانية علي أدوار فعالة للشباب في تسيير أمور الحكم من خلال توسيع مشاركتهم في المؤسسات السياسية علي اختلافها, وفي إدارتها. إن أخطر ما في الوضع المصري والتونسي إلي حد ما, بروز ظاهرة شيخوخة دولة ما بعد الاستقلال, وتفكك بعض مكونات ثقافة الدولة, ورأسمالها الخبراتي والتراجع النسبي في مستويات الخبرة والمعرفة بإدارة أجهزة دولة ومعني الدولة الحديثة في إطار تطورها التاريخي, وما هي ابتساراتها والخلل في تشكيلاتها, ومعانيها بوصفها خارج وداخل الصراع السياسي والاجتماعي بين القوي السياسية والاجتماعية المتنازعة والمتنافسة علي المصالح والمواقع السياسية داخل أجهزتها. وكيف أن حياد الدولة النظري فوق الصراعات والمصالح, هو تصور مفارق لواقعه في نماذج الدولة الحديثة كافة في التجارب التاريخية والسياسية المقارنة. الدولة الحديثة ما بعد الاستقلال في تونس علي سبيل المثال ظل بها بعض الشخصنة السياسية البورقيبية, وهو ما امتد في ظل حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تحولت دولة ما بعد الاستقلال في ظل ظاهرة الشخصنة, واختزالها التدريجي في إطار أجهزة الأمن والقمع المحتكر باسم شرعية الدولة, إلي كيان مختزل وفضاء واسع للفسادات الوظيفية والإدارية والسياسية, وتقوم بتوزيعه ونشره بين الطبقة السياسية الحاكمة وبعض المعارضات. الدولة/ الأمة الحديثة في مصر منذ محمد علي باشا, وإسماعيل باشا وحتي اللحظة التاريخية الراهنة تعرضت إلي تآكل تدريجي عبر المراحل التاريخية, ومعها تقاليد وثقافة الدولة في ظل الشخصنة السياسية, وبروز مراكز القوي حول الرئيس وأسرته, ومن ناحية أخري بروز ظواهر عسكرة الدولة, وبولسة الدولة من بوليس , أي تمدد دور مؤسستي الجيش, والبوليس في شئون الدولة وسياساتها, الاقتصادية والإدارية والبيروقراطية, ومن ثم أثر ذلك السلبي علي إدارة شئون البلاد وعملية صناعة التشريعات والقرارات السياسية. من ناحية أخري أدي تراجع مفهوم وهيبة سيادة القانون إلي بروز نظام قانوني مواز هو قانون الرشوة والفساد وأسواقهما, ومن ثم لم يعد أحد يأبه بمعني دولة القانون. ترتب علي النمو الديموغرافي المتزايد, والأحري الانفجار السكاني, وتزايد معدلات البطالة إلي شيوع ظواهر الاغتراب بين الشباب وتزايدت الفجوات بين الدولة والمجتمع وبين المواطنين, وبين الطبقة السياسية الحاكمة بل والمعارضة. هذه البيئة من عدم الثقة بين الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة, وبين قطاعات اجتماعية واسعة, أدت إلي بروز القوي الجيلية الشابة, من الطبقة الوسطي لاستخداماتها للتقنيات الرقمية في الحشد والتعبئة والمعارضة علي الواقعين الافتراضي والفعلي. من ناحية أخري ظهرت قدراتها علي الحشد يوم25 يناير وما بعد رحيل حسني مبارك عن سدة السلطة. إن اضطراب إدارة مرحلة الانتقال أدت إلي بروز حالة من تراجع الحس التاريخي لدي التيار الإسلامي السياسي جماعة الإخوان والسلفيين وآخرين, وأيضا لدي المجلس العسكري. من ناحية أخري برزت ملامح النسيان لدي بعضهم عن التجارب التاريخية في مصر للاختلالات والأخطاء التاريخية والسياسية الكبري في تاريخنا المعاصر, ولا أقول التاريخ المصري الحديث كله. ربما يعود ذلك إلي نقص في الثقافة التاريخية والمعرفة السياسية, وغياب الخبرات لكن الأهم نسي هؤلاء جميعا واقع تمدد المجتمع المصري بكل مكوناته-, في ظل انفجار فائض سكاني كبير, أدي إلي أن يصبح أكبر من الدولة وقدراتها وأجهزتها بما فيها القمعية التي تمددت هي الأخري, ثم انكسرت يوم28 يناير.2011 أصبح المجتمع المصري أكبر من دولة بدا عليها ملامح الشيخوخة والأمراض والوهن الهيكلي, إلا القمع. من هنا بدت تظهر ملامح جديدة في العلاقة بين المواطنين والدولة, سبق أن أشار إليها في أوروبا وفرنسا ميشيل كروزييه, وهي أزمة القابلية للحكم, وهو إعطاء المواطنين ظهورهم للدولة وأجهزتها وكذلك الابتعاد عن الأحزاب والمؤسسات السياسية. هل يتم أسلمة الدولة والدستور والقوانين؟ أم تستمر تقاليد الدولة الحديثة المدنية وفق المصطلح الشائع وغير الدقيق ومن ثم تستمر تقاليد الهندسة القانونية الوضعية الحديثة وسياسة أقلمتها وتوطينها وتوافقها مع نظام الشريعة؟ أسئلة الصراعات الراهنة والمحتقنة احتقانا شديدا وحادا. أخطاء وراءها أخطاء جسيمة تمس مدي كفاية خبراء السلطة وبعض المتحلقين حولها, وذوي النفوذ في تقديم النصائح والآراء الدستورية, والأخطر السياسية التي أدت إلي نزاعات مستمرة, وانقسامات حادة وعنف يخشي أن يتحول إلي وضعية العنف المفتوح السياسي والديني والطائفي, والأخطر أن تنفجر القطاعات الشعبية الأكثر فقرا, ونكون أمام ما بات يطلق عليه مجازا ثورة الجياع المحتملة التي باتت جزءا من توقعات بعض المواطنين من الطبقة الوسطي المدينية, إزاء انتشار ظواهر الفقر, والافقار, ومعاناة المعسورين. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح