رئيس جامعة المنصورة يتفقد أعمال تجديد المدرجات بكلية الحقوق    إهداء درع معلومات الوزراء إلى رئيس جامعة القاهرة    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    خالد صبري: إقبال كبير على سوق العقارات المصري    انطلاق فعاليات الجلسة الرابعة «الثورة العقارية في مصر.. الواقع والمستقبل»    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    رئيس الرقابة المالية: الانتهاء من المتطلبات التشريعية لإصدار قانون التأمين الموحد    عاجل| أحد مرافقي الرئيس الإيراني: الآمال كبيرة في انتهاء الحادث دون خسائر بالأرواح    وزير الدفاع البريطاني: الحكومة البريطانية قلقة بشأن المسيرات المؤيدة للفلسطينيين    مشاهدة مباراة آرسنال وإيفرتون في جولة الحسم بالدوري الإنجليزي| مباشر    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    عاجل.. براءة متهم من قتل سيد وزة ب "أحداث عنف عابدين"    تسلق السور.. حبس عاطل شرع في سرقة جهاز تكييف من مستشفى في الجيزة    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    مصطفى قمر يتألق بأغانيه في حفل زفاف نجلة سامح يسري.. صور    «يا ترى إيه الأغنية القادمة».. محمد رمضان يشوق جمهوره لأغنيته الجديدة    قومية قنا تقدم "المريد" ضمن عروض الموسم المسرحي بجنوب الصعيد    طلاب مدرسة التربية الفكرية بالشرقية في زيارة لمتحف تل بسطا    جوائز مهرجان لبنان السينمائي.. فوز فيلم "الفا بات" بجائزة أفضل فيلم روائي    ما هو الحكم في إدخار لحوم الأضاحي وتوزيعها على مدار العام؟    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    الجبالى مازحا: "الأغلبية سقفت لنفسها كما فعلت المعارض وهذا توازن"    نصائح وزارة الصحة لمواجهة موجة الطقس الحار    وزير الصحة: تقديم القطاع الخاص للخدمات الصحية لا يحمل المواطن أعباء جديدة    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية مجانا في قرية أبو سيدهم بمركز سمالوط    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح أنواع صدقة التطوع    "علشان متبقاش بطيخة قرعة".. عوض تاج الدين يكشف أهمية الفحوصات النفسية قبل الزواج    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    خالد عباس: إنشاء وإدارة مرافق العاصمة الإدارية عبر شراكات واستثمارات عالمية    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    3 وزراء يشاركون فى مراجعة منتصف المدة لمشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ    موعد انعقاد لجنة قيد الصحفيين تحت التمرين    رئيس الأغلبية البرلمانية يعلن موافقته على قانون المنشآت الصحية    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا نحب الصحابة ؟‏!‏

أسباب كثيرة تدفعنا لأن نكتب عنهم‏,‏ ونستحضر سطورا لا نظنها كافية ولا شافية من ملاحم حياتهم‏,‏ وأسرار عظمتهم‏,‏ ومبادئ حكمهم‏,‏ وقصص جهادهم‏,‏ بل وأسباب الفتنة التي نشبت بينهم‏.‏ نفعل ذلك لأنهم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ الذين رافقوه واتبعوه‏,‏ وتعلموا منه الإسلام‏,‏ وحفظوه لنا ولأجيال قبلنا‏,‏ قرآنا كريما وسنة مطهرة‏,‏ نقلوها إلي كل مسلم‏,‏ بأمانة واقتدار‏...‏ ولكنهم لم ينالوا لدينا قدرهم‏,‏ فأين نحن من الاقتداء بهم؟ وأين قلوبنا من حبهم؟ وأين مبادئنا من قيمهم ؟ وأين إتباعنا لسنة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من إتباعهم ؟
لعل صفحة‏'‏ الفكر الديني‏'‏ تكون بداية لنكمل كل ما ينقصنا تجاههم‏.‏
لماذا نحب الصحابة ؟
الكل يعرف فضل الأنبياء وقدرهم‏,‏ ولكن هناك من يجهل فعلا قدر صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏أو يتساءل لماذا يجب أن نحبهم‏,‏ونعظم شأنهم ؟
الدكتور محمد واصل عضو مجمع البحوث الإسلامية يجيب عن سؤالنا في نقاط محددة‏:‏
‏'‏ وضعهم القرآن الكريم في مرتبة عالية من العدالة والمكانة السامية‏:'‏ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه‏'‏ وبعد كلام رب العالمين‏,‏ وإعلانه الرضا عنهم‏,‏ ورضاهم عن دين ربهم‏,‏ فلا كلام لأحد‏.‏
‏'‏ هم الذين رأوا النبي صلي الله عليه وسلم وآمنوا به وبرسالته‏,‏ وصدقوه وآزروه‏,‏ وآووه ونصروه‏,‏ وهم الذين عظموا أمره وتفانوا في طاعته‏,‏ وهم الذين أحبهم النبي ورضي عنهم وزكاهم‏,‏ وأوصي بهم ودعا لهم بالرحمة والمغفرة‏,‏ وبشرهم بالجنة‏,‏ وهم معلمو أمة محمدصلي الله عليه وسلم تعاليمه ورسالته‏.‏
‏'‏ أعلن الرسول صلي الله عليه وسلم أنهم خير قرون الزمان‏:(‏ خير أمتي قرني‏,‏ ثم الذين يلونهم‏,‏ ثم الذين يلونهم‏),‏ وأفضل خلق الله‏-‏ تعالي‏,‏ وأن حبهم علامة علي كمال الإيمان‏,‏ و بغضهم علامة علي النفاق حيث قال‏:(‏ الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق‏).‏
‏'‏ حملوا الوحي الإلهي‏-‏ كتابا وسنة‏-‏ إلي من بعدهم من الأجيال والقرون التالية‏,‏ فهم شهود الدين الذين شهدوا الوحي ينزل علي رسول الله وصحبوه وتلقوا عنه مباشرة‏,‏ فانتقل الإسلام‏-‏ عبرهم‏-‏ إلي من بعدهم‏,‏ لقد تلقي جبريل عن ربه‏-‏ سبحانه‏-,‏ وتلقي الرسول عن جبريل‏,‏ وتلقي الصحابة عن رسول الله‏,‏ فلم تشهد القرون التي بعدهم الوحي ولم تعاصر رسول الله‏,‏ فما وصل الإسلام إليهم إلا عن طريق الصحابة‏.‏
‏'‏ هم الذين ضحوا بالنفس والنفيس في سبيل إقامة الدين‏,‏ وتأسيس الدولة التي حرست الدين‏,‏ وهم الذين وضعوا أسس المدنية والحضارة التي أنارت الدنيا‏,‏ وجعلت المسلمين العالم الأول لأكثر من عشرة قرون‏,‏ وهم الذين حرروا الشرق من الاستعمار الذي دام عشرة قرون‏;‏ وذلك عندما فتحوا‏_‏ فتح تحرير‏_‏ في ثمانين عاما أوسع مما فتح الرومان في ثمانية قرون‏,‏ ثم تركوا الناس وما يدينون حتي دخلوا في دين الله أفواجا فخرج الناس‏_‏ بجهادهم‏_‏ من الظلمات إلي النور‏.‏
ناقلون للوحي‏..‏ حافظون للسنة
الصحابة هم الأساس في حفظ السنة‏,‏ ونقل الوحي‏,‏ وعلوم الدين إلي من بعدهم‏;‏ فهم الصلة بين عهد الوحي وبين العهود التي جاءت بعد ذلك‏,‏ واتصال السند إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يتم إلا بهم‏.‏فهم الذين صانوا سنته وحفظوها في الصدور‏,‏ كما كتبها بعضهم كتابة خاصة بإذن خاص من رسول الله‏,‏ الذي كان قد نهي عن التدوين والكتابة مخافة أن يلتبس القرآن بالحديث‏,‏ مزيد من التوضيح للعلاقة الوثيقة بين الصحابة وبين السنة النبوية يأتينا علي لسان الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية‏,‏ يقول‏:‏ للصحابة‏-‏ رضوان الله تعالي عليهم أجمعين‏-‏ الفضل في نقل كل ما يتصل برسول الله‏,‏ من قول‏,‏ أو فعل‏,‏ أو تقرير‏,‏ أو صفة‏,‏ وكل ما يتعلق بسائر أحواله في اليقظة وعند النوم‏,‏ وفي الحرب والسلم‏,‏ وفي الحل والترحال‏,‏ وما كان يقوله عند أكله وعند خروجه من بيته‏:‏ حتي ما كان يفعله بعيدا عن الناس‏,‏ وبدون أن يراه أحد‏,‏ مثل كيفية قضاء الحاجة‏,‏ وكيفية الاغتسال‏,‏ وأنه كان يبدأ بشقه الأيمن‏,‏ إلي غير ذلك من الأمور‏,‏ فقد نقل الصحابة حياة رسول الله بكل تفصيلاتها‏,‏ وكلياتها‏,‏ وجزئياتها‏,‏ وما هو معلن‏,‏ وما هو خفي‏,‏ فليس في حياته وأقواله وأفعاله أسرار‏;;‏ لأنه رسول يقتدي به‏,‏ وهو ما جعلهم يتبعون أدق طرق النقل التي لا تعرف الدنيا لها مثيلا‏,‏ فكانوا يستشهدون علي أقوالهم‏,‏ وربما يستحلفون البعض‏,‏ لأن نقلهم لما يتصل برسول الله إنما هو دين‏,‏ وعليهم أن ينظروا عمن يأخذون عنه دينهم‏.,‏ وكان أحدهم ربما يرحل مسافة شهر علي جمل من أجل الاستيثاق من حديث واحد‏;‏ كما فعل سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري الذي رحل إلي عبد الله بن أنيس بالشام مسيرة شهر علي جمل لينقل حديثا بلغه عنه لم يعلم أحدا أخذه عن رسول الله إلا هو‏,‏ و قال له‏:‏ خشيت أن تموت أنت أو أموت أنا دون أن نكتبه‏,‏ كماكان لهم الفضل بطرق نقلهم واستيثاقهم في نشأة أعظم علم لتوثيق الأخبار والأحاديث‏,‏ وهو علم أصول الحديث النبوي‏,‏ أو علم مصطلح الحديث‏,‏ الذي وزنوا به كل ما جاءهم عن رسول الله بميزان النقد العلمي النزيه الذي لم تعرف الدنيا له مثيلا‏,‏ فلم يسبقهم إلي مثله أحد في القديم‏,‏ ولم يلحقهم إليه أحد في الحديث‏;‏ بل تفردوا بهذا العلم‏;‏ بل بهذه العلوم‏;‏ لأنه يطلق عليه اسم‏'‏ علوم الحديث‏',‏ وهو علم يعرف به الإسناد‏,‏ والمتن‏,‏ والصحيح‏,‏ والحسن‏,‏ والضعيف‏,‏ والتعديل‏,‏ والتجريح‏,‏ وطرق الرواية الصحيحة‏,‏ وما يشترط في صحة الحديث من اتصال السند وعدالة الراوي‏,‏ والضبط‏,‏ وعدم الشذوذ‏,‏ وعدم العلة‏,‏ وكان لهم الفضل الأول في منهج توثيق الأخبار حتي أن المنهج الأوروبي التاريخي الحديث يدين لهم في هذا العلم بالسبق‏,‏ وسار الصحابة في حرصهم علي حضور مجالس الرسول إلي جانب ما يقومون به من أمور المعاش‏,‏وإذا تعذر علي بعضهم الحضور يتناوب مع غيره كما كان يفعل عمر‏,‏ قال‏:'‏ كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية‏,‏ نتناوب النزول علي رسول الله ينزل يوما وأنزل يوما‏,‏ فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره‏,‏ وإذا نزل فعل مثل ذلك‏',‏ كما كانت القبائل البعيدة تبعث إلي النبي صلي الله عليه وسلم من يتعلم أحكام الدين منه ثم يعود إليهم ليرشدهم ويعلمهم‏,‏ وإذا التبس عليهم أمر من الأمور رجعوا إليه يسألونه فيجيبهم‏,‏ ويفتيهم‏;‏ كما كان صلي الله عليه وسلم يعلم النساء أمور الدين ويخصص وقتا يجلس لهن فيه وكانت أمهات المؤمنين علي درجة سامية من العلم‏;‏ لذا وجد النساء عندهن الإجابة علي أمورهن وأحوالهن التي يمنعهن الحياء من التصريح بها أمام الرسول
‏(‏ الفتنة‏)..‏ سياسية وليست دينية
بعض صحابة رسول الله اختلفوا‏,‏ بل واقتتلوا فيما سمي‏:'‏ بالفتنة الكبري‏'‏ أواخر عهد عثمان بن عفان‏,‏ وعلي عهد علي بن أبي طالب‏-‏ كرم الله وجهه‏,‏ وحتي عام الجماعة الذي عادت فيه وحدة الأمة بعد أن تمت البيعة لمعاوية بن أبي سفيان‏.‏هذه الحقيقة لاينكرها أحد‏,‏ ولكن يتبعها شرح وتوضيح من الدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية يؤكد فيه أن هذا الاختلاف وذلك الاقتتال إنما حدث في السياسة التي هي من الفروع والفقهيات‏,‏ ولم يحدث يوما أن اختلف الصحابة أو المسلمون في عقائد الدين‏,‏ ولا في أركان الإسلام‏,‏ أو الإيمان‏,‏ أو الإحسان‏,‏ كما أن إختلافهم واقتتالهم كان نوعا من الاجتهاد الذي قد يكون صوابا فيستحق صاحبه أجران‏,‏ أويكون خطأ‏,‏ لصاحبه أجر واحد‏.‏
ولأن هذا الاجتهاد بعيدعن العقائد والأركان وثوابت الدين فإنه لم يكن‏_‏ ولن يكون‏_‏ مخرجا لأي من فرقائه من الملة والدين والإيمان‏.‏ ولقد حسم القرآن الكريم هذه القضية حسما لا لبس فيه ولا تأويل‏;‏ وذلك عندما حكم بأن الاقتتال في الفروع والفقهيات والسياسات لا يخرج أحدا من أطرافه‏_‏ بمن فيهم‏'‏ البغاة‏'_‏ من إطار الإيمان بالدين‏'‏ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا‏..'‏ ولقد فقه الإمام علي بن أبي طالب‏_‏ وهو قائد أحد فرقاء هذا الاختلاف والاقتتال في‏'‏ الفتنة الكبري‏'‏ هذه الحقيقة التي عبر عنها القرآن الكريم‏,‏ وأعلن إعلانا صريحا في ذروة هذا الصراع بينه‏_‏ ومعه أهل العراق‏_‏ وبين معاوية بن أبي سفيان‏_‏ ومعه أهل الشام‏-‏ أثناء موقعة‏'‏ صفين‏'-‏ عن الطبيعة السياسية‏,‏ وليست العقدية الدينية لهذا الصراع‏,‏ فقال في مواجهة‏'‏ الغلو الخوارجي‏'‏ الذي حكم بالكفر علي أطراف هذا الصراع‏:(‏ والله لقد التقينا وربنا واحد‏,‏ ونبينا واحد‏,‏ ودعوتنا في الإسلام واحدة‏,‏ ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله‏,‏ ولا يستزيدوننا‏,‏ والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان‏,‏ ونحن منه براء‏..)‏ وعندما سئل الإمام علي عن‏'‏ آخرة‏'‏ قتلي الفريقين‏,‏ قال‏:'‏ إني أرجو ألا يقتل أحد نقي قلبه‏,‏ منا ومنهم‏,‏ إلا أدخله الله الجنة‏'‏ أي إنه دعا لمن قتلوا‏-‏ وهم يقاتلونه‏-‏ بالجنة‏,‏ إذا كان قتالهم له عن اجتهاد حتي ولو كان اجتهادا خاطئا‏.‏ وعندما سئل عن الذين قاتلوه في موقعة‏'‏ الجمل‏'-‏ أمشركون هم؟‏.‏ قال‏:‏ من الشرك فروا‏.‏ فسئل‏:‏ أمنافقون هم؟ فقال‏:‏ إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا‏.‏ فسئل‏:‏ فما هم؟ فقال‏:‏ إخواننا بغوا علينا‏,‏ وعندما سمع‏_‏ كرم الله وجهه‏_‏ بعض أصحابه‏_‏ في وقعة‏'‏ صفين‏'_‏ يسب أهل الشام‏_‏ معاوية وأصحابه‏_‏ قال‏:‏ إني أكره أن تكونوا سبابين‏.‏ويوضح الدكتور عمارة أن هذا الفقه كان منطلق علماء أهل السنة والجماعة إزاء الصحابة‏,‏ حيث حكموا بعدالتهم فيما نقلوا للأمة من الدين‏;‏ فهم الذين رووا سنة رسول الله‏,‏ ودونوا القرآن الكريم وجمعوه‏,‏ و كان كل من‏:‏ علي بن أبي طالب‏,‏ ومعاوية بن أبي سفيان من كتاب الوحي
صحابته‏..‏ أطفال وكبار
صحابة وصحابيات‏..‏ اشتهرت شخصياتهم بيننا وقصصهم‏,‏ ولكن ذلك لا يمنع أن هناك الكثيرين غيرهم‏,‏ فموسوعات العلماء‏(‏ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني والإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر‏)‏ تذكر لنا حوالي ثمانية آلاف من أعلام الصحابة والصحابيات‏,‏ مما يدعونا لسؤال الدكتور محمد رشيد قباني مفتي الجمهورية اللبنانية وعضو مجمع البحوث الإسلامية حول تعريف الصحابي؟
يقول‏:‏ ذكر علماء الحديث تعاريف عدة للصحابي‏,:‏ منها أن‏:'‏ الصحابي من لقي النبي صلي الله عليه وسلم مؤمنا به‏,‏ ومات علي الإسلام‏'..‏ فيدخل‏'‏ فيمن لقيه‏':‏ من طالت مجالسته للنبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ أو قصرت‏,‏ ومن روي عنه‏,‏ أو لم يرو عنه‏,‏ ومن غزا معه أو لم يغز‏,‏ويدخل في قول‏:'‏ مؤمنا به‏':‏ كل مكلف من الجن والإنس‏;‏ويدخل في قول‏:'‏ ومات علي الإسلام‏':‏ من ارتد ثم عاد إلي الإسلام قبل أن يموت‏.‏كما يخرج بقول‏:'‏ مؤمنا به‏':‏ من لقيه كافرا به‏,‏ ولو أسلم بعد ذلك‏,‏ إذا لم يجتمع بالنبي مرة ثانية وهو مؤمن‏;‏ وكذا يخرج من كان مؤمنا بغيره‏,‏ ويخرج بقول‏:'‏ ومات علي الإسلام‏':‏ من لقيه مؤمنا به ثم ارتد ومات علي ردته‏-‏ والعياذ بالله تعالي‏-..‏ وإن كان هؤلاء قلة‏:‏ كعبد الله بن خطل‏,‏ وربيعة بن أمية بن خلف‏,‏ ورجل من الأنصار كان يكتب الوحي ثم ارتد‏,‏ فمات فلفظته الأرض‏,‏ وحديثه في البخاري‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ أن الصحبة إذا أطلقت فهي في المتعارف تنقسم إلي قسمين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون الصاحب معاشرا مخالطا كثير الصحبة‏,‏ فيقال‏:‏ هذا صاحب فلان‏,‏ والثاني‏:‏ أن يكون صاحبا في مجالسة‏,‏ أو مماشاة‏,‏ ولو ساعة‏,‏ فحقيقة الصحبة موجودة في حقه‏,‏ وإن لم يشتهر بها‏'.‏ثم ذكر أن عموم العلماء علي القول الثاني‏,‏ وأنهم عدوا في الصحابة من لم يغز معه‏,‏ ومن توفي عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو صغير السن‏,‏ ومن وفد عليه‏,‏ ولو مرة‏..‏ وهكذا‏.‏ومما يستفاد منه في معرفتهم‏:‏أنهم كانوا لا يؤمرون في المغازي إلا الصحابة‏,‏ فمن تتبع الأخبار الواردة في الردة والفتوح وجد من ذلك شيئا كثيرا‏,‏ كما كانوا لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي فدعا له‏,‏ وهذا يؤخذ منه شيء كثير جدا أيضا‏.‏لم يبق بمكة والطائف أحد سنه عشر إلا أسلم‏,‏ وشهد حجة الوداع‏.‏
ويوضح أن العلماء قسمواالصحابة لطبقات‏,‏ الأولي‏:‏ قدماء المسلمين‏,‏ الذين أسلموا بمكة‏,‏ كالخلفاء الراشدين وغيرهم‏,‏ الثانية‏:‏ أصحاب دار الندوة‏,‏ الثالثة‏:‏ المهاجرة إلي الحبشة‏,‏الرابعة‏:‏ أصحاب بيعة العقبة الأولي‏,‏ الخامسة‏:‏ أصحاب بيعة العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار‏,‏السادسة‏:‏ أول المهاجرين‏,‏ الذين وصلوا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو بقباء قبل أن يدخل المدينة‏,‏ ويبني مسجده‏,‏السابعة‏:‏ أهل بدر‏,‏الثامنة‏:‏ الذين هاجروا إلي المدينة بين بدر والحديبية‏,‏التاسعة‏:‏ أهل بيعة الرضوان في الحديبية‏,‏العاشرة‏:‏ المهاجرة بين الحديبية وفتح مكة‏:‏ منهم خالد بن الوليد‏,‏ وعمرو بن العاص‏,‏ وأبو هريرة‏,‏الحادية عشرة‏:‏ مسلمة الفتح‏,‏ الذين أسلموا يوم فتح مكة وهم جماعة من قريش‏,‏الثانية عشرة‏:‏ صبيان وأطفال رأوا رسول الله يوم الفتح‏,‏ وفي حجة الوداع وغيرهما‏,‏ وعدادهم في الصحابة‏.‏
أما أفضل الصحابة‏-‏ علي الإطلاق‏-:‏ فأبو بكر الصديق‏,‏ ثم عمر بن الخطاب‏-‏ رضي الله عنهما‏-‏ بإجماع أهل السنة‏,‏ ثم عثمان بن عفان‏,‏ ثم علي بن أبي طالب‏,‏ وهذا قول جمهور أهل السنة‏,‏ ثم تتمة العشرة المبشرين بالجنة‏,‏ ثم أهل بدر‏,‏ ثم أهل أحد‏,‏ ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية‏;‏ وهكذا‏-‏ رضي الله عنهم أجمعين‏-..‏ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل ممن جاء بعدهم‏.‏
أحباء وأصهارلآل البيت
استقرت لآل البيت النبوي في نفوس المؤمنين مكانة رفيعة‏,‏ لقربهم من النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ واتصالهم بنسبه‏,‏ ولنصرتهم له في أشد الأزمات منذ بدء الدعوة‏,‏ هذه المكانة كان طبيعيا أن تنتقل لقلوب الصحابة‏,‏ يحدثنا الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية وعضو مجمع البحوث عن ملامح العلاقة بين آل البيت والصحابة‏.‏
يقول‏:‏ كان من وصية الرسول‏..‏ أذكركم الله في أهل بيتي‏,‏ أذكركم الله في أهل بيتي‏,‏ أذكركم الله في أهل بيتي كما علم رسول الله أصحابه كيف يصلون عليه وعلي آل بيته الأطهار‏,‏ قال لهم‏:‏ قولوا اللهم صل علي محمد وأزواجه وذريته‏,‏ كما صليت علي آل إبراهيم‏,‏ وبارك علي محمد وأزواجه وذريته‏,‏ كما باركت علي آل إبراهيم‏,‏ إنك حميد مجيد ويعد ذلك تنبيها لهم بأن الصلاة علي النبي تشمل الصلاة علي آل بيته من أزواجه وذريته‏.‏
وعندماكتب الديوان‏,‏ رفض عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين‏,‏ أن يجعلوا اسمه أول اسم في الديوان‏,‏ وقال‏:‏ ابدءوا بقرابة النبي صلي الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب‏,‏ حتي تضعوا عمر حيث وضعه الله‏..‏
وتظهر المحبة بين آل البيت والصحابة في التسمي بأسماء بعضهما وحصول المصاهرات بينهما‏.‏ فقد سمي علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أبنائه باسم أبي بكر‏,‏ وباسم عمر‏:‏ عمر الأكبر وعمر الأصغر‏,‏ وباسم عثمان‏.‏
واستمرت العلاقة الطيبة بين الصحابة والآل رضوان الله عليهم حتي في أشد أزماتهم واختلافاتهم‏:‏ فهذا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عندما جاءه نعي علي بن أبي طالب‏,‏ يقول‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ وجعل يبكي فقالت اخته‏:‏ أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه ؟ فقال‏:‏ ويحك إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره‏.‏ وقال‏:‏ ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب‏.‏
حكمهم‏..‏ طاعة ورقابة
أدركوا عظم تولي المسئولية‏,‏ وخطورة قيادة الرعية‏,‏ واضعين أنفسهم دوما أمام ضمائرهم‏,‏ مترقبين لوقت لقاء خالقهم‏.‏ يحدثنا عن مبادئهم في الحكم فضيلة الشيخ علي عبد الباقي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية‏,‏ يقول‏:‏ أول ما حرص عليه الصحابة هووحدة الأمة‏,‏ ووحدة الكلمة‏,‏فمن مبادئ خطبة أبي بكر الصديق يوم سقيفة بني ساعدة‏,‏ قال‏:(‏ وإنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران‏,‏ فإنه مهما يكن ذلك يختلف أمرهم وأحكامهم‏,‏ وتتفرق جماعتهم ويتنازعوا فيما بينهم‏,‏ هنالك تترك السنة وتظهر البدعة‏,‏ وتعظم الفتنة‏,‏ وليس لأحد علي ذلك صلاح‏)‏ وعندما وقف أثناء بيعته رجلا من الانصاروقال له‏:‏ منا رجل ومنكم رجل‏,‏ فقال عمر بن الخطاب سيفان في غمد واحد؟‏!‏ إذا لا يصلحان‏.‏ وكان يقول‏:‏ إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم‏.‏
وعن علي بن أبي طالب أنه قال‏:(‏ اقضوا كما كنتم تقضون‏,‏ فإني أكره الخلاف‏,‏ حتي يكون للناس جماعة‏,‏ أو أموت كما مات أصحابي‏)‏ كما طبقوامبادئ العدل والحرص علي الشفافية كالآتي‏:‏
شروط الحاكم
كان عمر بن الخطاب يحدد شروط من يتولي الإمارة قائلا‏:‏ رجل إذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم‏,‏ وإذا لم يكن أميرهم كان كأنه أميرهم‏.‏
طاعةالخلفاء
عن عمر قال‏:‏ إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم عن عبد الله بن يزيد قال‏:‏ بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم عمرو بن العاص في سرية فيهم أبو بكر الصديق وعمر فلما انتهوا إلي مكان الحرب أمرهم عمرو أن ينوروا نارا‏,‏ فغضب عمر وهم أن يأتيه‏,‏ فنهاه أبو بكر وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله إلا لعلمه بالحرب‏,‏ فهدأ عمر‏.‏
الشجاعة في الحق
عن عروة قال‏:‏ أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب‏,‏ فقلت له‏:‏ إنا نجلس إلي أئمتنا هؤلاء‏,‏ فيتكلمون بالكلام نحن نعلم أن الحق غيره فنصدقهم ويقضون بالجور فنقويهم ونحسنه لهم‏.‏ فكيف تري في ذلك؟ فقال‏:‏ ياا بن أخي‏,‏ كنا مع رسول الله نعد هذا نفاقا‏,‏ فلا أدري كيف هو عندكم‏.‏ كما يروي أن عمر بن الخطاب رد علي أبي بن كعب قراءة آية‏,‏ فقال أبي‏:‏ لقد سمعتها من رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنت يلهيك‏_‏ يا عمر‏_‏ الصفق‏-‏ البيع والشراء‏-‏ بالبقيع‏.‏ فقال عمر‏:‏ صدقت‏,‏ إنما أردت أن أجربكم هل منكم من يقول الحق؟ فلا خير في أمير لا يقال عنده الحق ولا يقوله
حقوق الرعية
كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن أميرهم‏:‏ أيعود المريض؟ أيجيب العبد؟ كيف صنيعه؟ من يقوم علي بابه؟ فإن قالوا لخصلة منها‏:‏ لا‏,‏ عزله‏.‏وكان إذا استعمل عاملا فقدم إليه الوفد من تلك البلاد قال‏:‏ كيف أميركم؟ أيعود المملوك؟ أيتبع الجنازة؟ كيف بابه؟ أين هو؟ فإن قالوا‏:‏ بابه لين‏,‏ ويعود المملوك‏,‏ تركه‏,‏ وإلا بعث إليه ينزعه
تفقد الأحوال‏:‏
كان عمر بن الخطاب يتعاهد عجوزا كبيرة عمياء في حواشي المدينة من الليل‏,‏ فيستسقي لها ويقوم بأمرها‏,‏ وكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت‏,‏ فجاءها غير مرة فلا يسبق إليها‏,‏ فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها وهو خليفة‏.‏ فقال عمر‏:‏ أنت لعمري‏.‏
الأخذ بظاهر الأعمال
عمر بن الخطاب يقول‏:‏ إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي‏-‏ يفضحهم الوحي حين ينزل كاشفا لهم‏-‏ في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ وإن الوحي قد انقطع‏,‏ وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم‏;‏ فمن أظهر لنا خيرا آمناه وقربناه‏,‏ وليس إلينا من سريرته شيء‏,‏ الله يحاسبه في سريرته‏,‏ ومن أظهر لنا شرا لم نأمنه ولم نصدقه‏,‏ وإن قال إن سريرته حسنة‏.‏
مسئولية المراقبة
قال عمر بن الخطاب‏:‏ أرأيتم أن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل‏,‏ أقضيت ما علي؟ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ لا‏,‏ حتي أنظر في عمله‏:‏ أعمل بما أمرته أم لا ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.