يدعو الإسلام إلي التحَلّي بالأخلاق الفاضلة، والمعاني الكريمة الكاملة، والقيم النبيلة والمثل الرائدة وبدعوة الإسلام تمت مكارم الأخلاق، وكمل الدين، وتحققت نعمته كاملة »اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا« وقبل أن يرُسي الاسلام مبادئه وأركانه وقيمه وفضائله، حرص في بادئ الأمر علي تنقية مناخ الحياة من كل رذيلة، لأن التخلي عن الرذائل مقدم علي التحلي بالفضائل. ومن هنا ناهض الإسلام الرذائل والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن. وجاهد الاسلام في تنقية الأمة من ظواهر الجاهلية الأولي التي كانت قد تفشت في الحياة ومن هذه الظواهر الجاهلية »ظاهرة الثأر« التي إذا استبدت في مجتمع أوردته موارد الهلاك إنها ظاهرة يترتب علي ظهورها يتم الابناء وترمل النساء، واهدار الدماء وتمزيق الروابط الإنسانية، وتفشي العادات العدوانية، وضياع الأمان. ولذلك ما إن ظهر الإسلام الا وقاوم هذه الظاهرة وأمثالها من ظواهر العنف والارهاب. وجاء الاسلام وكانت الحروب مشبوبة بين القبائل لاتفه الاسباب، بل إن بعض الحروب والصراعات كانت مستمرة سنين عديدة كما حدث بين الأوس والخزرج حتي جاء الاسلام، فجمعهم الله ووحد كلمتهم علي يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وصفي ما بينهم من فتن، وبينما هم في ألفتهم ووحدتهم إذ باليهود يغتاظون فيؤلبونهم ويبعثون لهم من يذكرهم بصراعاتهم القديمة وما كان بين كل منهم من ثأر تجاه الآخرين. وأعاد الرسول صلي الله عليه وسلم الأمان و السكينة والاستقرار والطمأنينة إلي قلوب العباد. بل إن الاسلام ناهض ظاهرة التطرف والارهاب وظاهرة »الثأر« حتي ما كان بين المسلمين وغيرهم من الكفار في الحروب، ففي غزوة احد وفيها استشهد عم الرسول صلي الله عليه وسلم حمزة بن عبدالمطلب ومثلوا به وأخرجوا أمعاءه وكبده واقسم أن يثأر لعمه ولئن ظفر بهم ليمثلن بسبعين منهم فنزل قول الله تعالي: »وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون« سورة النحل »621، 721« عندئذ قال صلي الله عليه وسلم »بلي يا رب أصبر«، فكانت النتيجة ومثوبة الصبر ان خالد بن الوليد وهو قائد الفرسان يوم أحد قدمته الأقدار هدية لسيد الابرار وللإسلام والمسلمين فدخل في دين الله وأصبح جنديا في صفوف المسلمين ليهيل عرش كسري وقيصر بعد ذلك، وأسلم عمرو بن العاص وابوسفيان. لقد تلقي الرسول صلي الله عليه وسلم من ربه بشري هذا المستقبل في يوم احد »ولئن صبرتم لهو خير للصابرين« لقد جاء الاسلام فقضي علي ظاهرة الثأر وطوي صفحته وشرع القصاص ويقوم به ولي الأمر حتي لا تكون الحياة فوضي. وأعلن الرسول صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع وضع دم الثأر، وان كل دم كان في الجاهلية موضوع، وقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام لحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد«. ومن أبشع الظواهر السلبية جريمة الارهاب التي بها يرجع مرتكبها للكفر كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض« رواه الترمذي، وقال ايضا: »من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية« رواه مسلم. وفي سبيل تأمين الحياة، ونشر التسامح والصفح بين الله تعالي جزاء من عفا وأصلح فقال جل شأنه: »فمن عفا وأصلح فأجره علي الله«. وقال سبحانه في وصف المتقين: »الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس« علم الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه كظم الغيظ والعفو. ففي أحد مجالسه نال رجل من أبي بكر رضي الله عنه ثلاث مرات وفي كل مرة كان يكظم غيظه فلما رد عليه بعد الثالثة خرج من المجلس فسأله أبوبكر: أوجدت عليّ يا رسول الله. فوضح له الحقيقة قائلا ما معناه: إنك حين كنت تكظم الغيظ في صدرك كان الله قد سخر ملكا يرد عنك وحين أردت ان تثأر لنفسك خرج الملك ونزل الشيطان، وما كنت لأقعد إذ نزل الشيطان. وإذا كانت ظاهرة مثل بذور الارهاب فإن الارهاب الذي يصطلي بناره الكثير من الناس اليوم نشأ فكرا ضالا، وتنظيما منحرفاهّم معتنقوه، باتخاذه وسيلة لتحقيق أغراض عدوانية ودنيوية، فأرتكب أهله أبشع الجرائم بالعدوان علي الأنفس والأموال والأعراض وقال رب العزة سبحانه : »ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما«.