قدم الناخب الياباني يوم الأحد الماضي درسا في الديمقراطية وضرورة احترام إرادة الشعب والناخبين من قبل الأحزاب السياسية, في ممارسة ديمقراطية حقيقية. حيث وجه الناخبون لطمة قوية إلي الحزب الديمقراطي الياباني بزعامة رئيس الوزراء المستقيل يوشيهيكونودا وأسقطوه من سدة الحكم بهزيمة ثقيلة, حيث لم يحصل في انتخابات مجلس النواب الياباني مجلس التشريع التي جرت يوم الأحد الماضي إلا علي57 مقعدا من مقاعد المجلس بعد أن كان يحتل230 مقعدا قبل الانتخابات. وأعاد الناخبون الحزب الليبرالي الديمقراطي وحليفه حزب نيوكوميتو إلي سدة الحكم بعد أن فاز الحزب الليبرالي وحده ب294 مقعدا بزيادة175 مقعدا قبل الانتخابات, وهي توفر للحزب وحده أغلبية مريحة تزيد علي الأغلبية المطلوبة لتمرير القوانين وهي240 مقعدا من اجمالي عدد مقاعد المجلس البالغة480, في حين حصل حليفه حزب نيوكوميتو علي31 مقعدا. وكان الناخب الياباني قد وجه لطمة سابقة في انتخابات عام2009 إلي الحزب الليبرالي الفائز حاليا, وأسقطه في الانتخابات بسبب السياسات غير الشعبية التي انتهجها الحزب الليبرالي آنذاك وحرمه من الحكم لمدة ثلاث سنوات! وقد أقر رئيس الوزراء نودا بهزيمة حزبه وقال إنه يتحمل مسئولية الهزيمة وسوف يستقيل من منصبه كرئيس للحزب الديمقراطي الياباني. وأرجع المراقبون أسباب هزيمة حزب نودا إلي انتهاجه سياسات لا تحظي بالدعم الشعبي ولم يقدم لها المبررات الكافية التي تقنع الشعب, وفي مقدمة تلك السياسات سماح حكومته بإعادة تشغيل المفاعلات النووية التي تعرضت للتدمير والحريق في زلزال تسونامي مارس2011 في منطقة فوكوشيما بالرغم من المعارضة الشعبية الواسعة لإعادة تشغيلها. بل رفض الشعب استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء, فضلا عن الشكاوي الواسعة لأهالي منطقة فوكوشيما من ضعف التعويضات التي قررتها شركة الكهرباء التي تشغل وتشرف علي المفاعلات النووية. وقد بلغت حدة انتقامات الناخب الياباني من حزب رئيس الوزراء نودا إلي درجة أنه أسقط ثمانية وزراء في حكومته وفشلوا جميعا في الفوز بمقعد في مجلس النواب كان من بينهم كبير أمناء مجلس الوزراء أوسامو فوجيمورا! وهكذا عاد الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة شينزو آبي إلي الحكم حيث من المتوقع أن يتم انتخاب آبي رئيسا للوزراء في جلسة البرلمان الأربعاء المقبل, ليكون أول سياسي ياباني يرأس الحكومة مرتين بعد رئيس وزراء اليابان الأشهر شيجيرو يوشيدا, فقد تولي آبي رئاسة الوزراء لنحو عام في عام2006 2007 وكان وقتها أصغر رئيس وزراء لليابان, وتقول صحيفة جابان تايمز في افتتاحيتها عقب هزيمة حزب نودا إنه من المرجح أن الناخب الياباني استشعر أن الأزمة الاقتصادية الحالية والفوضي السياسية والتوترات مع دول الجوار كوريا الجنوبية والصين, تحتاج إلي سياسيين مخضرمين وحزب سياسي يعرف أصول اللعبة السياسية, وأنه من الآمن أن يقود سفينة البلاد في هذه الظروف من لديهم خبرات كبيرة في العمل السياسي حتي يشعر المواطنون بالأمان والثقة! وكان الحزب الليبرالي الديمقراطي قد حكم اليابان منذ عام1955 حتي1993 بصورة متواصلة لمدة38 عاما, ثم شارك في الحكم من خلال ائتلافات حزبية حتي لقي هزيمة ساحقة في انتخابات2009 التي فاز فيها الحزب الديمقراطي الياباني بزعامة يوشيهيكو نودا. ولكن ماذا سوف يقدم شينزو آبي والحزب الليبرالي الديمقراطي لليابان؟ يطلق أغلب المحللين علي أبي لقب الصقر, فهو بالرغم من أسلوبه الهادئ الراقي في الحديث, إلا أنه سياسي عنيد ومتشدد خاصة مع الدول الآسيوية المجاورة التي لها نزاعات حدودية أو مشكلات موروثة منذ الحرب العالمية الثانية وما قبلها مع اليابان وفي مقدمتها الصين وكوريا الجنوبية. ففي أول مؤتمر صحفي له بعد الفوز, قال آبي ردا علي سؤال من مراسل وكالة أنباء شينخوا الصينية, إن العلاقات مع الصين مهمة للغاية وأن الصين لا يمكن الاستغناء عنها لدعم الاقتصاد الياباني, غير أنه أضاف أننا نحتاج إلي الحكمة حتي لا تتفاقم المشكلات السياسية وتؤثر علي الاقتصاد.. إلا أنه قال ان جزر سنكاكيو المتنازع عليها مع الصين هي أراض يابانية موروثة نملكها ونسيطر عليها ولا يمكن أن نتفاوض حولها, وأن اليابان لابد أن تبعث برسالة قوية للصين مفادها أن الهجوم علي الشركات اليابانية واليابانيين في الصين كما حدث من قبل هو انتهاك واضح لقواعد القوانين الدولية, وهو كلام سوف يولد ردود فعل قوية من جانب الصين, كما أنه لم يؤكد أو ينفي رغبته في زيارة معبد ياسكوني الذي يحتوي علي رفات قادة اليابان الذين قتلوا أو أعدموا خلال الحرب العالمية الثانية. وتطالب الصين سياسيي اليابان بعدم زيارة المعبد لأن ذلك يعني من وجهة نظر بكين عدم اعتراف اليابان بأخطائها في الحرب العالمية الثانية. غير ان القضية الأكثر خطورة التي سوف تواجه رئيس الوزراء الجديد هي رغبته في تعديل الدستور الياباني وخاصة البند التاسع من هذا الدستور, والذي يمنع اليابان من المشاركة في النزاعات الدولية المسلحة, وبرغم الجدل الممتد منذ العمل بالدستور في عام1947 فإن اليابان لم تتمكن من إدخال تعديل واحد عليه حتي الآن, خاصة البند التاسع الذي يحظي بخلافات واسعة سواء بين السياسيين أو الباحثين وعامة الشعب, ويطلق اليابانيون علي دستورهم دستور السلام, ويري كثيرون أن البند التاسع ينتقص من سيادة اليابان ويحرمها من أن تصبح دولة طبيعية تمتلك أسلحة هجومية وتشارك في النزاعات الدولية المسلحة إذا كانت تخدم أهدافها القومية, في حين يعارض كثيرون أيضا تعديل البند التاسع ويرون أنه حقق الرخاء والازدهار لليابان لانه حال بين مشاركتها في نزاعات مسلحة تهدر فيها ثروتها, فضلا عن أنه يثير المخاوف من العودة إلي عسكرة اليابان مرة أخري, وتعارض الصين وكوريا الجنوبية بشدة تعديل دستور اليابان!