فرط في التمويل, زخم في الانتاج, تنظيم في التسويق, إصرار علي الظهور, وشغف حاد في الوصول للعالمية, كل تلك المفردات كانت بمثابة المعطيات الرئيسية لمهرجان الدوحة السينمائي الرابع الذي احتفي بالكثير من الأعمال العربية واهتمام خاص جدا بالسينما الجزائرية التي حصدت جائزة أفضل فيلم لهذا العام من خلال' التائب', وهو فيلم جزائري فرنسي مشترك. بينما حصلت الصين من خلال فيلم' الدائرة الكاملة' علي جائزة الجمهور. ورغم كل تلك الإنفاقات الطائلة في التحضير للمهرجان تلخص الحضور الهوليودي في النجم العالمي' روبرت دي نيرو' باعتباره مؤسس مهرجان' نيويورك ترايبيكا العالمي' والذي تقدم نسخته العربية في قطر. فيما ظهرت الأعمال المصرية في حلبة المنافسة علي استحياء من خلال مجموعة من الأفلام الشبابية القصيرة مثل' اللون الازرق',' طارق', وفيلم روائي طويل' عشم' وفيلم وثائقي طويل, و' ظل رجل' وهو الفيلم المصري الوحيد الذي نالت مخرجته حنان عبدالله جائزة أحسن إخراج!, فما الذي حدث للفن المصري ؟ وعلي الرغم من حالة الارتباك الاجتماعية والسياسية التي تسلط أضواءها علي المشهد العربي عموما والمصري بشكل خاص, وفضلا عن الوعكة الإبداعية التي أصابت صناعة السينما في الآونة الأخيرة نتيجة ضعف التمويل وانقراض المنتجين, تظل صناعة السينما المصرية محور اهتمام الجميع, وهذا ما تجلي في الحشد الضخم للندوة التي عقدها نخبة من النجوم المصريين, وفي الوقت الذي التهمت فيه دول المغرب العربي الثلاث مضافا اليها بعض النفحات الخليجية النصيب الأكبر من كعكة المهرجان, لكن تبقي للمهرجان فعاليات يمتد أثرها علي وجه الفن السابع بعض الوقت, ومنها تلك الجلسة النقاشية التي عقدت علي المهرجان تحت عنوان' هل هناك موجة جديدة تجتاح السينما المصرية؟', وذلك في حضور النجوم' يسرا- هند صبري- نيللي كريم- خالد أبو النجا- المنتج محمد حفظي' وقد بدأت الجلسة بالحديث حول محورين أساسيين وهما السينما:' المصرية في ظل الظروف الحالية وأهم التحديات التي تواجهها', والمحور الثاني هو' السينما الجديدة التي تجتاح السوق المصرية حاليا'. في البداية تحدث المنتج محمد حفظي مستعرضا ظروف مصر الحالية في محاولة لربط الأحداث السياسية الجارية بالواقع الدرامي المعاش, وتأثير ذلك بشكل مباشر علي صناعة السينما, وردت الفنانة الكبيرة يسرا قائلة: علي الرغم من هذه الظروف والمتغيرات التي يواجهها المجتمع المصري, إلا أننا انتجنا02 فيلما هذا العام وهو ما يعد مؤشرا جيدا في تلك الصناعة, ولا يخفي علي أحد أن مقومات التسويق السينمائي اختلفت حيث أننا الآن أصبحنا نري القنوات الفضائية هي التي تشتري الأفلام, وبالتالي فالصناعة أصبحت تخضع لأذواقهم. ومن جانبه عاود حفظي الحديث في محاولة للتوضيح قائلا: عدد هذه القنوات أقل بكثير فليس هناك إلا محطات معدودة تشتري الأفلام, وهو ما يعني أن اعتمادنا علي بيع الأفلام للفضائيات بات أمرا لايمكن الاعتماد عليه, لذلك أري أن كثيرا من المنتجين لابد أن يعتمدوا علي الشكل التقليدي عن طريق التسويق المباشر لأفلامهم عن طريق شباك التذاكر والمشاركة في المهرجانات لأن هذا السبيل الوحيد لبقاء هذه الصناعة الثقافية الحيوية. وحول الأوضاع الاقتصادية وهل تؤثر علي خيارات الفنان لأعماله قالت هند صبري: إننا كفنانين لم تصبنا حتي الآن رياح التغيير المطلوب, حيث أننا نوافق علي العمل في السينما التي لا تعتمد علي شباك التذاكر, نحن قررنا أن نلعب خارج الميدان الرائج وهو السينما التجارية, وأصبحنا معروفين في عالم السينما المستقلة, والتقطت نيللي كريم خيط السينما المستقلة قائلة: كنت أفكر دائما في أسباب عدم قيامنا بعمل مشاريع سينما مستقلة بجهودنا بغض النظر عن مردودها المادي فعلي الأقل نحن نقدم من خلالها كل ما لدينا من قناعات, وأعتقد أن هذا هو المشروع الإيجابي الأفضل علي المدي الطويل. أزمة السينما المصرية ليست اقتصادية هكذا بدأ خالد أبو النجا كلامه حول القضية مضيفا: هناك أفلام يتم الاعتماد فيها علي شباك التذاكر, وهناك أفلام للمهرجانات فقط, وهناك سينما بديلة, وبات لها نصيب أيضا في شباك التذاكر من خلال موضوعات جادة تناقش قضايا هامة من قلب المجتمع. وأشار أبو النجا إلي نقطة جوهرية في صناعة السينما قائلا: ربما تكون محاولات حرمان صناعة السينما من القيام بدور سياسي عبر منع التمويل والاستثمار لدول' البترودولار' لتلك الصناعة سببا جوهريا في تراجع الإنتاج, ولكن مع كل ما ذكرته أقول'رب ضارة نافعة', فنحن الآن أصبحنا نخطو نحو صناعة سينما مصرية مستقلة وبديلة سدت- إلي حد ما- فجوة السينما التي ظهرت بقوة بعد قرارات توقف التعاون الانتاجي المشترك, وتحديدا ذلك المال القادم من منطقة الخليج. وفي اتجاه أكثر تفاؤلا نحو استمرار السينما المصرية علي الطريق, قال أبو النجا أن هناك مخرجين من جيل الرواد يقومون أيضا بالتغيير الذي نراه حاليا في السينما, فضلا عن كل ماسبق يبقي أهم تغيير حدث وله تأثير كبير علي السينما ذلك الذي يتمثل في تغير سلوك المواطن العربي الذي بات يرفض أن يداس له علي طرف من أي شخص, ولم يعد سلبيا بأي حال من الأحوال, ومن ثم سينعكس ذلك علي مجمل الأوضاع ومنها السينما بالتأكيد. وفي نفس الاتجاه الذي يشير إلي تأثر السينما بالأوضاع السياسية في مصر قالت يسرا أن الفن أداة قوية للتغيير, وأن بعض القوي السياسية أدركت قوة الفن وبدأوا في إنتاج سينما تخدم مصالحهم, أما فيما يتعلق بالمخاوف علي السينما من جانب تيار الإسلام السياسي أقولها بوضوح لا لبس فيه: جميع السينمائيين يدركون حقيقة رسالتهم وما يقدمونه من أعمال, ولكن ينبغي علينا ألا نستبق الأحداث ونتعجل حتي لا نفتح عقولهم علي اشياء ربما لا تدور بمخيلتهم, ولو قدر لهم أن يحاربوا السينما سيقف جميع الفنانين وقفة رجل واحد, ولو أقبلوا علي محاولات المحاكمة لنا فلن يستطيعوا أن يحاكموا الجمهور الذي له الرأي الأول والأخير. وأضاف أبو النجا: بالمناسبة المخاوف من الإسلاميين لدي البعض أقل بكثير من خوف الإسلاميين من الناس. ويعود أبو النجا للحديث مرة أخري مؤكدا علي أن الثورات العربية تشبه التسونامي تدمر الكثير, ولكن بعد انتهائها نجد أنفسنا أمام مخلفات كثيرة تحتاج لفترة تي يتم إزالتها, ونحن لنا الشرف رغم المهانة والاستفزاز أننا فنانون مصريون, ورغم الحملة الشرسة التي يشنها بعض من أبناء تيار الإسلام السياسي ضد بعض النجوم ولكننا سنقف علي قلب رجل واحد مهما حدث. حول الاهتمام بالثورة المصرية في المهرجانات السينمائية وكأنها باتت موضة أو ظاهرة جديدة متكررة قال خالد أبو النجا بالفعل الاهتمام يبدو أكبر حاليا بالثورة المصرية ولكن هذا بفضل وجود صناعة سينما في مصرمازالت راسخة علي الأرض, وهناك تحركات سريعة, فلدينا شباب سارعوا بعمل فيلم عن ال81 يوما التي لفتت أنظار العالم لثورة25 يناير, وشارك هذا الفيلم في مهرجان' كان' وغيره, ولكن الأهم أن الثورات العربية أحدثت تكاملا عربيا مهما سنراه آثاره علي أرض الواقع في الفترة المقبلة حتي لو لم يره الساسة العرب حتي الآن. وحول ظاهرة الأفلام التجارية التي تعتمد علي موسيقي صاخبة تعرف باسم موسيقي المهرجانات مثل' أوكا وأورتيجا' قال خالد أبو النجا أن هذه الأفلام اتفقنا أواختلفنا حولها تظل ظاهرة صحية تعبر عن قطاع عريض من المجتمع, وهنا تدخل محمد حفظي قائلا: في عام1002 استعان داود عبد السيد بشعبان عبد الرحيم في فيلم' مواطن ومخبر وحرامي' وهو أمر بات متعارفا عليه في صناعة السينما.