خمس زيارات إلي أذربيجان...كانت وراء كتاب الدكتور الصفصافي أحمد القطوري' أذربيجان' الذي صدر هذه الأيام في مناسبة مرور عشرين عاما علي العلاقات المصرية الأذربيجانية. وقد يتساءل من يقرأ كيف يكون هناك بلد مسلم يقع في آسيا الوسطي و مع هذا لم ينشأ لدينا علاقات مباشرة معه الا منذ عشرين عاما فقط؟ وبرغم هذا تتعدد إليه الذيارات. الحكاية تجدها كاملة لدي د.الصفصافي الذي يعد واحدا من أكبر الأسماء في الدراسات التركية. وهو بحكم علمه مدرك لأهمية دول آسيا الوسطي واللهجة الآذرية كلغة ثانية في فرع اللغة التركية, فطلب تدريسها بالجامعة ليذهب للمرة الأولي إلي أذربيجان عام2006, وتتعدد بعدها الزيارات بصحبة أحد تلاميذه, و كترشيح من مصر لإحياء أسبوع ثقافي مصري في عاصمتها باكو, و بدعوة من منظمة التعاون الاسلامي لمؤتمر حماية التراث المعنوي وأخيرا في الأسبوع الماضي كانت الزيارة لحضور حفل تكريمه. وإذا كانت هذه هي أسباب رحلات د. الصفصافي إلي أذربيجان فإن ما يهمنا هو كتابه, وحالة الاقتراب الشديد من إبداع شعوب آسيا الوسطي ممثلا في أذربيجان. فصحيح أن دروس الجغرافيا مهمة حيث نري أذربيجان علي الخريطة تحدها داغستان وجورجيا من الشمال, وإيران من الجنوب, وأرمينيا وتركيا من الغرب, إلا أن هذا الموقع هو نفسه الذي فرض مذاقا خاصا للتاريخ حين كانت أذربيجان ولاية من ولايات الدولة العثمانية تتاخم بلاد الفرس والترك وتتأثر بهما حتي جاء السوفيت ليفرضوا وجودهم عام.1920 وفي اذربيجان يمتلئ التاريخ بالفن والأدب فتذكر البلاد ضمن من تذكر من أفذاذها عجمي ناختشوان أفضل معماري أذربيجان وهو من شيد مدرسة العمارة في ناختشوان في القرن الثاني عشر, وهو أيضا مبدع مسجد الجمعة الكبير الذي لم يمكن الحفاظ عليه بسبب تغير الظروف السياسية وان كانت رائعته ضريح مؤمنة خاتون, الذي بني علي طراز المنارات لا تزال موجودة. أما شاعر أذربيجان فهو شاعر الفارسية الكبير نظامي الكنجوي الذي حفظ عن ظهر قلب الأدب الشعبي الشفاهي والمكتوب وكان يجيد اللغات التركية والفارسية والعربية واليونانية. وقد بدأت رحلته الابداعية بالشعر الغنائي وكتابة قصائد الغزل. واصبحت أعماله الشعرية الخمسة ضمن أهم أعمال الشعر العالمي وهي:' مخزن الاسرار',' اسكندرنامة',' هفت بيكر',' ليلي ومجنون',' خسرو وشيرين'. ويقال ان حاكم شيروان قد طلب منه كتابة ليلي والمجنون ولكنه كان يتهرب ثم استجاب و كتبها تحت الحاح ابنه, ويقال أيضا ان اسكندرنامة قد حمل أفكاره ونظرته الفلسفية والإجتماعية. وان ظلت فضيلته في انه في الاصل لم يكن شاعر القصر. فما يميز إبداع نظامي الكنجوي هي نظرته الانسانية الراقية والمثل العليا والرقي السياسي والاجتماعي لكل بني البشر بغض النظر عن الدين والعرق واللون. شاعر آخر ينافسه في القامة المرتفعة هو محمد فضولي الذي يعتبر من أعظم الشعراء الذين كتبوا بالتركية والمعروف في تاريخ الشعر باسم فضولي البغدادي. وقد عاصر في طفولته عصر دولة الترك في العراق, وفي شبابه أدرك عصر الشاه إسماعيل الصفوي في إيران بينما قضي سنوات النضج والهرم تحت إدارة السلطان العثماني سليمان القانوني. وكان فضولي بلا شك محظوظا حيث كان يرعاه العرب والفرس والترك واستمر به الحال بعد وفاته بسنوات طويلة حتي ان رئيس جمهورية أذربيجان نفسه قد احتفل بمرور خمسمائة عام علي وفاته. وقد كتب هو الآخر' ليلي والمجنون' التي تأثر فيها بنظامي وان كانت البيئة الأذربيجانية كانت هي عامل الاختلاف الذي جعل ليلي ومجنونها مختلفين. وبالاضافة إلي شعراء أذربيجان هناك الكاتب المسرحي نريمان نريمانوف الذي ولد في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وتوفي عام1925 وكان منذ شبابه الباكر يحاول نشر الثقافة في مجتمعه. وفي عام1894 كتب مسرحية' الجهل' وبعدها كتب' بلاء اللسان' أو' مهزلة شامدان بك' في إطار كوميدي, و نشر عام1899 مأساة' نادرشاه' ثم ترجم عن الروسية كوميديا' المفتش العام' للكاتب الروسي جوجول. وقد عمل طبيبا مناضلا ضد الجهل والشعوذة وكتب وقتها' العجوز الأديب' و' ومغامرة قرية' إلي جانب العديد من المقالات. وعندما تشكلت فيدرالية جمهوريات القوقاز تولي رئاستها وشغل هذه الوظيفه حتي وفاته فتم دفنه في الميدان الأحمر بموسكو. أما أكبر إنجازاته فكان تصويره لحياة الريف وتفاعله مع آلام الفلاحين. ولا يمكن أن تسعفنا الكلمات في هذه المساحة في أن نتحدث عن ميرجلال أبرز كتاب النثر في القرن العشرين الذي حمل علي كتفيه مهمة تطوير فن القصة في بلاده, ولا نصر الدين الطوسي العالم الكبير الذي حول مرصدا فلكيا في مراغة إلي أكبر مرصد في آسيا الوسطي. كما نجح في مؤلفه' زيج الخان' في وضع مقاييس رياضية ظلت معمولة بها إلي القرن السابع عشر,ولا الفنان بهروز الكنغري مصمم ضريح مؤمنة خاتون و الشاعر الزاهد خطائي الذي كان في حقيقته هو نفسه الشاه إسماعيل الصفوي الذي كتب شعرا غنائيا وتعليميا. فهذه باختصار شديد اذربيجان التي قال عنها أحد المؤرخين انه توجد في تلك المدينة نبعان كبيران أحدهما يسيل بالنفط الأبيض أو الأصفر والآخر يسيل بالنفط الأسود. وقد قدر في القرن ال15 أن كمية النفط المستخرجة في اليوم بمقدار200 حمل بغل. وفي النهاية نقول إن هذه البلاد التي زرتها منذ سبع سنوات وكانت في طبيعتها من أجمل البلاد لابد وان تكون افتتاحية كما كانت بالنسبة لي لآسيا الوسطي التي عاش أهلها في مصر وأصبحوا مع الزمن مصريين مثلي ومثلك.