استكمالا لمقالى السابق سأعطى عدة صور حية من الواقع وسأنقلها للقارئ دون تزييف وكنت شاهدة عيان عليها: الأولى، حوار لإحدى صديقاتى مع ابنها تعاتبه على استخدامه اللغة الإنجليزية لغة للحوار مع أصدقائه طول الوقت مع أن أصدقاءه لم يبرحوا مصر منذ ولدوا، وهم أبناء لآباء وأمهات مصريين؛ فتسأل الأم: لماذا لا تتحدثون جميعا العربية وهى لغتكم الأم ؟ فيرد الابن بمنتهى التبجح متبعا النماذج التى يشاهدها فى الأفلام الأجنبية بمناداة الأم باسمها مع ارتفاع صوته بالحديث معها مستعينا بكثير من الكلمات الإنجليزية بأنه لن يستخدم اللغة العربية أبدا فى حياته ولن يتعلمها لأنها لغة بيئة وهذه الكلمة أقل ما قيل من الابن أثناء الحوار وأن من يتحدث بها هم حثالة الأمم على حد قوله ممن لم ينتجوا علما أو فكرا أو ثقافة وهم عالة على الأمم المتقدمة؛ ثم أردف قائلا: انظروا إلى شوارعكم في مصر كيف تعلوها القمامة فى الأماكن العشوائية، ويتفشى فيها الجهل والمرض. لم ينته الحوار عند هذا الحد فقط لكن الأم المصرية المثقفة والمتعلمة في أرقى المدارس والجامعات المصرية والتى جالت العالم بعلمها وحضارتها فبهرت كل من قابلها، هبت مدافعة عن مصر وحضارة مصر والشعب العظيم والطبقة المتوسطة الراقية التى أخرجت للعالم كل العلماء والمثقفين ممن أشعلوا الفكر في الغرب فوصلوا إلى أعلى المراتب والمناصب؛ فأردفت قائلة: إنها لغة القرآن الذى تقرأه فنحن نتعلمها ليس فقط من أجل الهوية ولكن من أجل ممارسة العبادة، فرد الابن بمنتهى البرود: أنت مسلمة، أما أنا فلا أتبع أى دين ولا أؤمن بالخرافة التى تقول بوجود الله وبالتالى مالى ومال القرآن هذا. الصورة الثانية: طفل يتحاور مع جدته باللغة الفرنسية فى النادى وقد أحضرته الجدة فى الإجازة الأسبوعية لترفه عنه، ثم لتحاول مراجعة بعض دروسه مدمجة اللعب بالتعليم والطفل يرد علي كل أسئلتها وهو يقفز هنا وهناك إلى أن وصلت للغة العربية؛ فإذا بالطفل يتوقف عن اللعب ويصرخ بالفرنسية رافضا ومعترضا على اللغة العربية، ولم يتوقف الأمر عند هذا بل دخل الطفل فى حالة حزن شديدة مصحوبة بالبكاء والعويل، حتى أشفقت الجدة عليه فعادت إلى اللغة الفرنسية وهى حزينة على حفيدها وسط ذهول ممن كانوا حضورا فى المشهد من أعضاء النادى والأصدقاء. الصورة الثالثة: أستاذ جامعى يُدرّس اللغة العربية لطلاب كلية الإعلام شعبة اللغة الإنجليزية فيدخل فى حوار هادئ مع أحد تلاميذه الرافضين لتعلم اللغة العربية عقب إفصاحه للطلاب فى المحاضرة الأولى- كنوع بالتعريف بنفسه - من أنه سيقوم بتدريس منهج للغة العربية ولمدة عام واحد فقط من سنى دراستهم. فما أن أعلن الأستاذ عن هذا حتى هب طالب بصوت فيه حدة وهجوم؛ قائلا : إنه غير ملتزم بهذا لأنه دفع المال من أجل تعلم الإعلام باللغة الإنجليزية، وليس من أجل اللغة العربية؛ ثم أكمل فضلا عن أنى سأعمل مخرجا بأمريكا ولن أعمل مذيعا أو صحفيا، فلما جادله الأستاذ بعقل وروية من أنه يمكن أن ينقل من خلال الإخراج صورا للعرب فكيف يتقن نقل صورة من يجهل ثقافته؟ فرد قائلا: إذا حدث هذا فسأخرج صورة العرب على أنهم جهلاء قتلة إرهابيون. انتهت الصور . وهنا أتساءل فى النهاية: ألا تهب الدولة لإنقاذ ثقافتنا؟ أسأل هذا السؤال وفى ذهنى صورة لمستقبل الفكر العربى الذى أنتج ملايين الكتب العربية أين سيذهب إذا حدث وأصبح قادة مصر فى يوم من الأيام ممن يحتقرون لغتهم؟ ثم أسأل المثقفين لماذا نكتب إذن ولمن نكتب إذا كان من نتوجه إليهم لا يقرأون ما ننتجه لهم باللغة العربية ولا يدركون قيمته الثرية؟ لمزيد من مقالات شيرين العدوى