قبل حلول عيد الأضحى.. ندوات في المنيا عن أهمية ذبح الأضاحي داخل المجزر    عاجل - قوات الاحتلال تطلق قنابل عند مدخل بلدة الرام شمال القدس    وسائل إعلام تابعة للحوثيين: قتيلان و10 جرحى في العدوان الأميركي البريطاني على محافظة الحديدة    ملف رياضة مصراوي.. حكم ضد نجم الأهلي.. إيقاف لاعب بيراميدز.. وقائمة ريال مدريد    محمد شحاتة: انتظر مباريات القمة أمام الأهلي.. وجسمي قشعر عند رؤيتي جماهير الزمالك في نهائي الكونفدرالية    محمد رشوان: الشحات رفض التصالح مع الشيبي بعد الحكم الصادر ضده.. ولاعب الأهلي عرض السفر للمغرب لتقديم الاعتذار    أحمد حمدي يتغنى ب عبدالله السعيد ويكشف كواليس رفضه عرض بيراميدز    يورجن كلوب يكشف حقيقة اعتزاله التدريب عقب رحيله عن ليفربول    الداخلية تكشف حقيقة زيادة رسوم استخراج رخصة القيادة    تنسيق الثانوية العامة الوداي الجديد.. اعرف نتسيقك بالثانوية العامة 2024    عمر خيرت يهدي محبيه حفلاً موسيقياً مجانياً احتفالاً بمرور 40 عاماً على مسيرته    «مسار إجباري» يشعل حفل المتحف الكبير    عيار 21 بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب والسبائك اليوم الجمعة 31 مايو بالصاغة    البابا تواضروس يستقبل وفدًا رهبانيًّا روسيًّا    خالد أبو بكر يقاطع وزير التعليم: بلاش عصا إلكترونية باللجان.. هتقلق الطلاب    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 31 مايو في محافظات مصر    الإفتاء توضح مرحلة انتهاء كفالة اليتيم    حج 2024| تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين.. الإفتاء تجيب    «الحرمان من الامتحان و7 سنين حبس».. وزير التعليم يحذر من الغش في الثانوية العامة    شولتس لا يتوقع صراعاً مع روسيا    دار الكتب تنعي والدة وزيرة الثقافة    5 معلومات عن زوج الفنانة ياسمين رئيس    بوليتيكو: بايدن وافق سراً على استخدام كييف للأسلحة الأمريكية    عمر كمال: لست في خلاف مع حسام حسن.. وتحت أمر المنتخب    ضبط مصنع أعلاف بدون ترخيص بمركز القنطرة غرب بالإسماعيلية    عاجل - قرارات جديدة بشأن حصة الفرد من الخبز المدعم    مصر في 24 ساعة| حقيقة رفع الدعم عن الوقود والكهرباء.. ورسائل عاجلة لطلبة الثانوية العامة    رفسة حصان تتسبب في كسر جمجمة طفل في الدقهلية    ضبط عاطل استولى على 750 ألف جنيه من 4 أشخاص لتوظيفها في تجارة الأخشاب بسوهاج    صحة الدقهلية تحذر المواطنين من تناول "سمكة الأرنب" السامة    «مواصفات الامتحان».. تصريح مهم للتعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة 2024 (فيديو)    «ناتو» يرحب بالشركات العميقة مع الدول في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ    إدانة دونالد ترامب ب34 تهمة فى محاكمته الجنائية بنيويورك    أحمد حمدي يكشف سر احتفال دعم فلسطين في نهائي الكونفدرالية    كيف يمكن للكواكب أن تساعدك على اختيار المسار المهني المناسب لك؟    انطلاق مهرجان روتردام للسينما العربية بحضور بشرى وهشام ماجد وباسل الخطيب.. تكريم دريد لحام.. المهرجان يوجه التحية للقضية الفلسطينية.. وروش عبد الفتاح مدير المهرجان: نبنى جسرا بين السينما العربية وهولندا.. صور    أحمد الجمال يكتب: دراما السفّاح    بحضور وزير الرياضة وعلام، منتخب مصر يخوض ثاني تدريباته استعدادا لمواجهة بوركينا فاسو (صور)    رسميا.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 31 مايو بعد الانخفاض في البنوك    «الإفتاء» توضح فضائل الحج.. ثوابه كالجهاد في سبيل الله    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    شاهندة عبدالرحيم تهنئ الإعلامية آية عبدالرحمن بحصولها على الماجستير في الإعلام التربوي    فردوس عبد الحميد : الفن ليس له علاقة بالإغراء أو الأعمال الشهوانية (فيديو)    بالصور.. إنهاء خصومة ثأرية بالمنيا بتقديم 2 مليون جنيه شرط جزائي    في اليوم العالمي للتدخين.. لماذا ينجذب الشباب لأجهزة التبغ المسخن؟    لمدة تتخطى العام ونصف.. طريقة حفظ الثوم في الفريزر والثلاجة    بعد رفع سعر رغيف الخبز المدعم .. أفضل طريقة لعمل العيش البلدي في المنزل    الصحة والحيوية.. فوائد تناول زيت الزيتون «على الريق»    وزير المالية: 60% تراجعا بإيرادات قناة السويس.. وعلينا مسئولية أمام الله والمواطن    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في ختام الأسبوع الجمعة 31 مايو 2024    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن موعد الامتحان الإلكتروني للمتقدمين ب3 مسابقات للتوظيف    أخبار × 24 ساعة.. وزير التعليم: تطوير مناهج الثانوية العامة خلال عامين    إبسويتش تاون يربط مدرب سام مرسى بعقد جديد لمدة 4 مواسم    حدث بالفن| حفل زفاف ياسمين رئيس وفنانة تنتقد منى زكي وبكاء نجمة بسبب والدها    بعد جدل سرقة سيف تمثاله.. كيف ألهمت تجربة سيمون زعماء التحرر من الاستعمار؟    مديرية العمل بالمنيا تناقش اشتراطات السلامة والصحة المهنية    «الإفتاء» توضح شروط الأضحية في الحج بالتفاصيل    رئيس جامعة كفر الشيخ يترأس لجنة اختيار عميد «طب الفم والأسنان»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة العربية انهيار ثقافى وجريمة سياسية
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 02 - 2018

تلقيت رسالة رقيقة من عالمنا الجليل د.فاروق الباز حول ما كتبت عن مأساة اللغة العربية وقلت إنها خطيئة تاريخية لأنها لا تمس دولا ولا شعوبا ولكنها تمثل انهيار أمة وقد طلب د.الباز منى أن تبقى هذه القضية مطروحة فى كل وسائل الإعلام المصرية والعربية لأنها بكل المقاييس من أخطر الكوارث التى يتعرض لها العالم العربى فى سنواته الأخيرة .. وكلما شاهدت برامج التليفزيونات العربية ووسائل الإعلام ترحمت على هذا الزمن الذى كانت فيه لغتنا الجميلة تزين الوجوه والشوارع والآن تحيط بنا من كل جانب أسماء المحال والمطاعم والشركات والمدارس وكلها باللغات الأجنبية وكأننا نتبرأ من لغتنا لغة القرآن الكريم ..
إن الشىء المؤكد أن إنهيار اللغة العربية يمثل انهيارا للثقافة العربية بكل تاريخها بل إنه يمثل خطرا حقيقيا على الإسلام العقيدة والشريعة والنص القرآنى ولنا أن نتصور الموقف بعد سنوات قليلة وأبناؤنا فى المدارس لا يعرفون شيئا من لغتهم وكيف ستكون لغة الناس فى الشوارع وأحاديثهم فى الإعلام وصلواتهم فى المساجد ومعاملاتهم فى المؤسسات والبنوك والمستشفيات والأجهزة الحكومية .. هناك دول عربية الآن انقطعت صلتها تماما باللغة العربية إننى كثيرا ما اتلقى دعوات من عواصم عربية باللغة الإنجليزية بل إن هناك عشرات المسابقات الثقافية فى أكثر من عاصمة عربية حول أشعار العامية ومعها الأغانى والمسلسلات وقليلا ما تجد نصا عربيا فصيحا فى إحدى الفضائيات حتى الفنانين الكبار يهربون الآن من اللغة العربية الفصيحة أمام ضعف مستوى اللغة وتراجعها .
إن القضية لا تحتاج إلى توضيح فهى ظاهرة خطيرة نلمسها فى كل شىء ولكن علينا الآن ان نتتبع أسبابها حتى نصل إلى حلول جذرية تعيد للغة العربية كرامتها فى أوطانها وبين شعوبها وأمامنا عدة أسباب نتوقف عندها :
لا ينبغى أبدا أن تقبل الدول العربية عدم تدريس اللغة العربية فى مؤسسات ومدارس التعليم الأجنبى بكل لغاته وهذه المأساة لا تعانى منها دولة واحدة ولكنها تنتشر كالوباء فى كل الدول والعواصم العربية ولو أخذنا دول الخليج مثلا فإنها تمثل النموذج الأوضح أمام التعليم الأجنبى والجاليات الهندية والباكستانية والفلبينية وكلها تتحدث بالإنجليزية فى الشوارع والمقاهى والمطاعم والبيوت .. لنا ان نتصور الملايين من الجنسيات المختلفة الذين يعيشون فى هذه الدول ويتحدثون باللغة الإنجليزية وهذا الحصار فى المدارس والجامعات والبيوت والمؤسسات يؤكد أننا بعد سنوات قليلة لن نجد من أجيالنا الجديدة من يتحدث اللغة العربية وامام التطور التكنولوجى واستخدام المعدات الحديثة أختفت تماما أبجدية اللغة العربية وحروفها وللأسف الشديد أن هناك دولا سبقت فى ذلك وهناك دول أخرى تحاول ان تشارك فى هذا السباق لأن الكمبيوتر والتليفون وكل مقومات العمل الإدارى تتم من خلال الأرقام أواللغة الأجنبية وانسحبت اللغة العربية تماما من المعادلة بل إن المخاطبات الرسمية لا مكان فيها للغة العربية ولنا أن نتصور طفلا لم يتعلم لغته فى المدرسة وخرج الى الشارع حيث الخطاب باللغة الأجنبية ثم التحق بالعمل ثم وجد الأسرة والبيت والسائق والمطعم والنادى وكل هذا لا يعرف شيئا من لغته وهذه الكارثة لا تخص فئة واحدة من الناس بل هو الشعب كله لا يتكلم لغته ..
إن على الحكومات العربية أن تبحث عن حل لهذه المأساة وأن يشمل ذلك التعليم بكل مراحله والشارع بكل مؤسساته والأسرة بكل أفرادها والمسجد والصلوات فيه فقد نجد يوما خطيبا على المنبر يخطب بالإنجليزية او الفرنسية ويقرأ آيات القرآن الكريم مترجما بإحدى هذه اللغات ولن يكون ذلك بعيدا .. إن على الحكومات المسئولة أن تواجه هذه المحنة من الآن حتى لا نجد أنفسنا أغرابا فى لغتنا وسلوكياتنا وديننا وحتى الأسماء ربما تغيرت وأصبحت أشياء أخرى .
إن التعليم الأجنبى فى العالم العربى كله لابد أن يلتزم أمام الحكومات بتعليم اللغة العربية بصورة جادة وليس مجرد كلمات عابرة ينطقها الأولاد أو أن تكون اللغة العربية على هامش المناهج الأخرى من حيث الأهمية والدرجات والنجاح او الرسوب .
إن على وسائل الإعلام مسئولية كبيرة ولا يعقل أن نشاهد من يقرأ النشرة باللغة العامية أو أن يتحدث المذيع وهو لا يجيد جملة واحدة باللغة العربية السليمة أو أن يتلمس الضيف كلمة من هنا أو هناك لأنه لا يجيد لغته أو أن نشاهد عشرات المسلسلات وهى دروس فى الابتذال والشتائم واللغة العامية الرخيصة .. لابد أن تكون هناك امتحانات للعاملين فى سوق الإعلام بكل درجاته إعدادا وتقديما وحوارا وأن يلتزم العاملون فى هذه المجالات بلغة عربية سليمة ورصينة .
لا أتصور غياب المؤسسات الدينية عن هذه القضية خاصة الأزهر الشريف لأنه أولا أحد معاقل الإسلام واللغة العربية لغة الإسلام قرآنا وشريعة, وحين يخطئ إمام المسجد فى لغته أو يتحدث بالعامية على المنابر أو الشاشات فهذا أمر مرفوض, فى أحيان كثيرة تجد شخصيات عامة فى مجالات مهمة وهم يخطئون فى أبسط قواعد اللغة العربية رفعا أو نصبا, والأسوأ أن يخطئ فى نطق آية قرآنية يحاول أن يفسرها للناس .. إن المطلوب هنا هو إجراء مسابقات للتعيين فى هذه الوظائف بحيث يكون النجاح فى اللغة العربية أساس الاختيار فى أئمة المساجد والمذيعين فى الإعلام ومقدمى البرامج وان يكون النجاح شرطا للقبول.
لا يمكن ان نحافظ على اللغة العربية أمام هذه الموجات من الغناء الهابط الذى ينتشر على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعى ومواكب التكاتك التى أفسدت الذوق العام, هناك ثلاثية تمثل أهم مصادر الحماية للغة العربية وهى الإعلام والفن والدين وحين سقط الفن فى دوامة الإسفاف والابتزال كلاما وغناء ولحنا وجمهورا تحولت اللغة العربية إلى كائن غريب فى لغة الحوار وما أصابها من التراجع وفى لغة الغناء وما أصابها من الإسفاف ومع هذا كله ما نسمع فى المسلسلات والأفلام من لغة تجاوزت كل الحدود فى الهبوط والسوقية لقد جنت العامية على الإعلام وجنى الإسفاف على الفنون وجنى الجهل على الأديان.
من أغرب الأشياء الآن ان تقرأ مقالا فى صحيفة باللغة العامية وهذه الكارثة التى أحاطت بالصحافة العربية التى كانت تمثل نموذجا فى رصانة اللغة وترفعها شوهت دور الصحافة وقدسيتها.. إن هذا يعنى أن قارئ الخليج لن يفهم ما كتب فى تونس أو الجزائر أو المغرب وإن العامية المصرية الآن بلغة التكاتك لن تكون مفهومة فى المغرب العربى رغم إنها كانت يوما تنافس الفصحى فى الغناء والأفلام والحوارات رقيا وانتشارا إن هذا التراجع فى مستوى اللغة يعنى تراجع العلاقات بين الشعوب التى جمعتها هذه اللغة مئات السنين وهو أيضا يترك آثارا على المستوى الفكرى والثقافى والدينى بل والسياسى ونحن لسنا فى حاجة إلى انقسامات جديدة بين شعوبنا ويكفى ما حدث .
لا أتصور أن تكون جامعة الدول العربية بعيدة عن هذه المأساة التى تمثل تهديدا خطيرا للثقافة العربية كلها بكل جوانبها وليس اللغة العربية وحدها, إن هذه المحنة تتطلب مواقف حاسمة من الجامعة العربية بلجانها ومؤسساتها والمسئولين فيها حتى لو تطلب الأمر عقد اجتماعات لوزراء التعليم والثقافة والإعلام فى الدول العربية لتبادل الرأى حول الأزمة وإمكانيات مواجهتها ..
إن قضية اللغة العربية لها جوانب كثيرة منها الثقافى والتعليمى والسياسى بل إنها تخص العلاقات الأزلية بين الشعوب العربية ولا يعقل أن تترك لهذه المخاطر التى تتعرض لها فى الإعلام والتعليم والثقافة ..
إن الشىء المؤكد ان المستقبل يحمل للشعوب العربية أشباح انقسامات جديدة على المستوى الجغرافى والسياسى والدينى وهنا يصبح الحفاظ على اللغة العربية جزءا أساسيا من الحماية أمام هذه المخاطر .. إن الدول العربية الأن أمام تحديات انقسامات جغرافية وأخرى دينية وثالثة عرقية وهناك نزعات أقرب إلى القبليات القديمة تهدد مصير أكثر من دولة وربما ستكون الثقافة هى آخر معاقل الحماية لهذه الأمة .. إن العراق مهدد أمام نزعات انقسامية تهدد كيان الدولة العراقية كما أن سوريا تتعرض الآن لحروب أهلية طالت على أسس دينية وعرقية وكذلك ليبيا واليمن ونحن أمام دول عربية تشجع هذه الانقسامات بينما تحاول قوى إقليمية أن تدخل سوق توزيع الغنائم وهنا ستكون الثقافة العربية هدفا لهذه القوى وفى مقدمتها قضية اللغة ولنا أن نتصور النزعات الانقسامية التى حلت بالشعوب العربية فى السنوات الماضية وجعلت من شعوبها شيعا وأحزابا وماهى صورة هذا المستقبل الغامض الذى يحيط بشعوب هذه الأمة أمام صراعات دينية وسياسية وثقافية بحيث تحولت الى مجموعة من القبائل التى وحدتها يوما الأرض والتاريخ واللغة والعقيدة.
قلت إن إهمال اللغة العربية جريمة وإن انهيارها مأساة وأن الشعوب التى تفرط فى لغتها فهى تهدم التاريخ والجغرافيا بل والعقيدة وعلى أصحاب القرار فى العالم العربى أن يدركوا أن الهزائم ليست فقط فى السياسة أو الجيوش ولكن أصعب الهزائم هى ثقافة الشعوب واللغة هى أم جميع الثقافات .
لابد أن يدرك أصحاب القرار والمسئولون فى العالم العربى أن انهيار اللغة العربية جريمة سياسية وتهديد صارخ للثقافة العربية آخر ما بقى من حصون هذه الأمة

..ويبقى الشعر

مَا عُدَّتُ أَعْرِفُ
أين أنْتِ الآنَ يَا قَدْرِى
وَفِيٌّ أَيّ الحَدَائِقِ تُزْهِرِينْ ؟
فِى أَيّ رُكنٍ فِى فَضَاءِ الكَوْنِ
صرتِ تُحَلِّقِينْ؟
فِى أَيّ لُؤْلُؤَةٍ سَكَنْتِ
بأيّ بَحْرٍ تَسْبَحِينْ؟
فِى أَيّ أَرضٍ..
بَينَ أحْداقِ الجَدَاوِلِ تَنَبُتِينْ؟
أَيَّ الضُّلوعِ قَدِ احْتَوتك ِ
وَأَيُّ قَلْبِ بَعْد قَلْبِى تَسكُنِينْ
***
مَازِلتُ أَنْظُرُ فِى عُيونِ الشَّمْسِ
عَلَك فِى ضيِاها تُشَرِقِينْ
وَأَطِلُّ لِلبَدْرِ الحَزِينِ لَعَلنَّيِ
أَلْقَاكِ بينَ السُّحْب يَومًا تَعبُرِينْ
لَيلٌ مِنَ الشَّكّ الطَّوِيلِ أَحَاطَنِى
حَتَّى أَطَلَّ الفَجْرُ فِى عَينَيْكِ نَهرًا مِنْ يَقِينْ
أَهْفُو إِلَى عَينَيْكِ سَاعَاتٍ..
فَيبدَوُ فِيهِمَا
قيْدُ..وعَاصِفَةٌ..وعُصْفُورٌ سَجيِنْ
أَنَا لَمْ أُزَلْ فوَقَ الشَّواطيِء
أَرْقُبُ الأَمْواجَ أَحْيانًا
يُراوِدُنِى حَنِينُ العَاشِقَينْ..
***
فِى مَوكِبِ الأَحلَامِ أُلمحُ مَا تَبقَّى
مِنْ رَمادِ عُهودِنَا..
فَأْرَاكِ فِى أَشْلائِهَا تَتَرنَّحِينْ..
لَمْ يبْقَ مِنْكِ
سَوى إرْتعَاشَةِ لَحْظَةٍ
ذَابَتْ عَلَى وَجْهِ السّنِينْ
لَمْ يَبْقَ مِنْ صَمْتِ الحقَائِبِ
والكُئوسِ الفَارغَات سِوَى الأَنِينْ
لَمْ يبقَ مِنْ ضَوْءِ النَّوَافِذِ
غَيرُ أَطْيافٍ تُعَانقُ لهفَتِى
وَتُعِيدُ ذِكرَى الرَّاحِلينْ..
مَازِلتُ أَسْأَلُ :مَا الَّذِى
جَعَلَ الفَرَاشَةَ تُشْعِلُ النِّيرانَ
فِى الغُصْنِ الوَدِيعِ المستْكِينْ؟!
مَازِلتُ أَسْأَلُ:مَا الَّذِى
جَعلَ الطًّيورَ تَفِرُّ مِنْ أَوْكَارِهَا
وَسْطَ الظَّلَامِ..
وَتَرْتَمِى فِى الطِّينْ؟!
***
ما عُدْتُ أَعْرِفُ
أينَ أَنْتِ الآنَ يَا قَدَرِي
إِلَى أَيّ المدَائِنِ تَرحَلِينْ؟
إنّى أَرَاكِ
عَلَى جَبِينِ الموْجِ..
فِى صَخَبِ النَّوارِسِ تَلْعَبِينْ..
وَأرَى عَلَى الأُفْقِ البَعِيدِ
جَناحَكِ المنقُوشَ مِنْ عُمرِي
يحلَقُ فَوْقَ أَشْرِعَةِ الحَنِينْ
وأرَاكِ فِى صَمْتِ الخَرِيفِ
شُجَيْرَةً خَضْراءَ
فِى صَحْرَاءِ عُمْرِى تَكْبُرِينْ
وَيَظَلُّ شِعْرِي
فِى عُيُونِ النَّاسِ أحْداقًا
وَفِى جَنْبِيٌّ سِرًّا..لَا يَبينْ
لَمْ يبقَ مِنْ صَوْتِ النوارِسِ
غَيرُ أَصْدَاءٍ تُبعْثِرُهَا الرّياحُ فَتنْزَوِي
أَسَفًا عَلَى المَاضِى الحَزِينْ
أَنَا لَمَ أُزَلْ بينَ النوارِسِ
أَرقُبُ اللَّيلَ الطَّويلَ
وأشْتَهِى ضَوءَ السَّفِينْ
مَا زِلتُ أَنْتَظِرُ النوارِسَ
كُلَّمَا عَادَتْ مَوَاكِبُها
وَرَاحَتْ تَنثُرُ الأَفْرَاحَ فَوقَ العَائِدِينْ
***
مَا عُدْتُ أَعْرِفُ..
أينَ أَنْتِ الآنَ يَا قَدَرِى
وفِى أَيّ الأَمَاكِنِ تَسْهَرِينْ؟!.
العَامُ يَهربُ مِنْ يَدِى
مَا زَالَ يَجْرِى فِى الشَّوَارِعِ..
فِى زِحام النَّاسِ مُنْكَسِرَ الجُبَّينْ
طِفْلٌ عَلَى الطُّرقَاتِ
مَغْسُولٌ بَلْونِ الحبّ
فِى زَمَنٍ ضَنِين ْ
قَدْ ظَلَّ يَسْأَلُ عَنْكِ كُلَّ دَقِيقَةٍ
عِنْد الوَدَاعِ، وَأَنْتِ لَا تَدْرِينْ
بِالأَمْسِ خَبَّأَنِى قَلِيلًا فِى يَدَيْه..
وَقَالَ.. فِى صَوْتٍ حَزِينْ:
لَوْ تَرجِعِينْ
لَوْ تَرجِعِينْ
لَوْ تَرجِعِينْ

قصيدة لو ترجعين سنة 1998
[email protected]



لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.