فى السير الذاتية للمفكرين والعظماء صفحات وصفوا فيها بكلمات عذبة كيف دخلوا عالم القراءة والكتب.. هذا العالم الفسيح الذى تجول فيه وهو صغير «د. مصطفى سويف» أحد أهم مؤسسى علم النفس الاجتماعى فى مصر» وفى كتابه «نحن والمستقبل» قال إنه كان فى عمر السادسة عشرة يقضى ساعات النهار فى دار الكتب بباب الخلق.. وخلال هذه الساعات كان يشعر أنه يعيش حلما سعيدا لا يصدقه.. كانت القراءة بالنسبة له رحلة ينتقل خلالها إلى مكان أكثر إشراقا وأكثر رحابة.. لا يرى فيه أركانا مظلمة.. ولا يدرك له حدودا مرئية. أما الكاتب «جابرييل ماركيز».. فمن يقرأ مذكراته البديعة التى حملت عنوان «عشت لأروي».. سيدرك أنه ما كان يمكن له أن يحصل على جائزة نوبل فى الأدب لو لم يعش مع جده الذى أعطاه وهو فى الخامسة من عمره مجلدا ضخما قائلا له: «هذا الكتاب لا يضم الحقائق فقط بل هو الوحيد الذى يضم كل الكلمات».. هذا المجلد كان البداية التى أهلت «ماركيز» لأن يصبح من أهم المبدعين فى العالم. مجلد آخر.. وضخم أيضا.. لفت نظر «بيل جيتس» وهو فى الثامنة من عمره.. فسحبه من فوق رف المكتبة الموجودة فى بيته.. وظل مواظبا على قراءته مع كتب أخرى طوال خمس سنوات إلى أن اكتشف الموسوعة البريطانية التى لم يكمل قراءتها بعد أن سحره جهاز كمبيوتر ضخم رآه فى أحد المراكز الثقافية فى مدينته. ليبدأ رحلة فى عالم الكمبيوتر غيرت وجه العالم. أما عالمنا الفذ د. فاروق الباز فقد قال وهو يتكلم عن طفولته.. أن والده عرف كيف يزرع حب القراءة فى نفوس أبنائه.. فقد كان يجمعهم قبل العشاء ليحكى لهم قصة من قصص التاريخ.. أو يقرأ لهم صفحات من كتاب يأتى به من مكتبته.. ويحرص قبل أن يفتحه على تنظيف غلافه من أى أتربة عالقة به ليمنحهم إحساسا بأنه يمسك شيئا قيما وثمينا.. الصفحات التى يقرؤها.. والحكايات التى يقصها.. تكون موضوع الحوار الذى يدور بينهم وهم جالسون حول مائدة وجبة العشاء. فى أمريكا.. وبعد وجبة العشاء كان الطفل «أنتونى روبنز» الذى أصبح خبيرا فى علوم الأداء.. يقرأ لمدة ثلاثين دقيقة.. وقال فى مذكراته إن أحد أساتذته علمه أن قراءة كتاب دسم ذى قيمة أكثر أهمية من تناول الطعام.. وعندما تصدر كتابه «قدرات غير محدودة» قوائم الكتب الأكثر مبيعا.. تذكر ملامح هذا الأستاذ وهو يقول له: «أنس وجبة الطعام.. ولكن لا تتجاهل وقت القراءة». إذن القراءة هى بداية أى مبدع أو عالم.. لذلك يكون من المؤكد أن من بين الأطفال الذين تواجدوا بصحبة أهاليهم فى معرض الكتاب الذى شهد هذا العام زحاما غير مسبوق.. من سيصبح عالما فذا أو مبدعا مرموقا وربما يكتب فى سيرته الذاتية أن ذهابه إلى هذا المعرض كان البوابة التى دخل من خلالها إلى هذا العالم الفسيح.. عالم الكتب والقراءة. لمزيد من مقالات عايدة رزق