تثير عودة المقاتلين الأجانب من سوريا والعراق إلى بلدانهم قلقا بالغا داخل الدول العربية والغربية على حد سواء، إذ يبدو الخوف من تكرار سيناريو الأفغان العرب، فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حاضرا فى الاذهان، خاصة بعد خسارة تنظيم «داعش» أراضيه فى معاقله، ورغبة عدد من مقاتليه فى العودة الى أوطانهم. وحسب تقرير صادر عن الأممالمتحدة فى أواخر عام 2016، فإن نحو 30% من المسلحين الأجانب فى سوريا والعراق قد عادوا إلى بلادهم وصاروا يمثِّلون تهديدا لأمنها القومي، كما أن «بعضهم مستعد لتنفيذ أعمال إرهابية، وهجمات باريس وبروكسل تدل على ذلك» وهذا ما دفع بعض الدول فى الغرب والشرق الى تحضير نفسها للخطر المقبل. على المستوى العربي، وحتى تاريخ إعلان داعش خلافته المزعومة، فى يونيو 2014، لم تكن أغلب قوانين الدول العربية تجرّم الالتحاق بصفوف التنظيمات المسلحة للقتال فى الخارج، الا أنه تم تدارك هذه الثغرة، حيث أقدمت أكثر من دولة عربية على إدخال تعديلات على قانون الإرهاب، بهدف سد أى فراغ قانونى قد يمكّن الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية من الإفلات من العقاب فى حال العودة. فى المغرب، نص تعديل قانون الإرهاب، فى يناير 2015، على أن «تلقى تدريب أو تكوين، كيفما كان شكله أو نوعه أو مدته داخل أو خارج المملكة المغربية أو محاولة ذلك، بقصد ارتكاب أحد الأفعال الإرهابية داخل المملكة أو خارجها، سواء وقع الفعل المذكور أو لم يقع، يعاقب على الأفعال المذكورة، بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، وبغرامة تتراوح بين 5000 و10000 درهم (ما يقارب 500 دولار و1000 دولار امريكى)». وفى أغسطس من السنة نفسها، اتخذت تونس خطوة مماثلة، بمعاقبة من انضم عمدا، بأى عنوان كان، داخل تراب الجمهورية أو خارجه، إلى تنظيم أو وفاق إرهابى وتصل العقوبة فى أقصاها إلى 12 سنة. أما قانون مكافحة الإرهاب المصرى (أغسطس 2015)، فنص على المعاقبة، بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنوات كل مصرى تعاون أو التحق... بأى من الجماعات المسلحة.. التى يقع مقرها خارج مصر، وتتخذ من الإرهاب.. وسائل لتحقيق أغراضها فى ارتكاب جرائم إرهابية.. ولو كانت.. غير موجهة إلى مصر. كما صادقت الجزائر على تجريم الالتحاق بالجماعات الإرهابية. وعلى المستوى الغربي، قامت دول اوروبية، أيضا، بتغيير قوانينها لتتناسب مع الخطر المقبل. وقد اختارت فرنسا تجريم مواطنيها الذين رحلوا الى داعش بتهمة الانضمام إلى الجماعات المتطرفة بهدف القيام بأعمال إرهابية، ثم وضعهم فى السجن الاحترازي. فالانضمام إلى صفوف داعش بات يستوجب حكما بالسجن يتراوح بين 20 و30 عاما، وهناك أكثر من 300 سجين متطرف محتجزين فى ظروف أشبه بالسجن الانفرادي. وعلى الرغم من اعتماد ترسانة قانونية صارمة، يبقى من الصعب جدا إثبات ضلوع أى من المقاتلين العائدين فى ارتكاب جريمة إرهابية، باستثناء جريمة الانتماء لمنظمة إرهابية، من هنا يعود السؤال حول نجاعة برامج التأهيل وإعادة الإدماج التى يمكن ان تعتمدها الدول مع مواطنيها المتورطين فى أعمال إرهابية، أو الذين انضموا إلى تنظيمات مسلحة فى الخارج، كمحاولة لإخراجهم من دائرة التطرف وإعادة إدماجهم فى المجتمع. إن السجن وحده لا يقضى على الإرهاب ولا يقضى على الفكر المتطرف، على العكس، السجن فى أغلب الحالات يصبح مكانا للاستقطاب، وحاضنة لترويج الفكر الإرهابى ونشر أيديولوجيات العنف والكراهية. والمقاربة الأمنية فى التعامل مع العائدين تبقي، أيضا، غير كافية لتجنب خطرهم. من هنا، يكون من واجب السلطات مواكبة العقوبات الزجرية بالرعاية النفسية والاجتماعية وإعطاء فرصة لمراجعة الافكار المتشددة وتصحيح ما يشوبها من مفاهيم مغلوطة، من خلال استراتيجية واضحة لإعادة الإدماج. وأكد منسق الاتحاد الأوروبى لمكافحة الإرهاب، جيل دى كيرشوف، فى تصريحات سابقة، ضرورة معالجة عنصرين رئيسيين: لمّ الشمل بين العائدين المعزولين وعائلاتهم وأصدقائهم ومجتمعهم، وإبطال الأفكار العقائدية المتطرفة التى غرست فى عقولهم، موضحا أن أوروبا تحتاج إلى سياسة مشتركة بشأن العائدين، حيث إن السياسات الحالية تتفاوت بين ما تنتهجه مثلا الدنمارك بالتركيز على إعادة الاندماج، وما تفعله بريطانيا بمنع عودة المقاتلين. ليس هناك إجماع عالمى حول جدوى إعادة إدماج المقاتلين العائدين وآلياته، ورغم أن خيار الاعتماد على إعادة دمج المتورطين فى قضايا إرهاب فى الحياة العامة مغامرة محفوفة بالمخاطر، فإن هناك تجربة عربية رائدة فى هذا المجال، ويمكن ان تكون نموذجا يحتذى به، خاصة أنها تعمل على إعادة إدماج الجهاديين داخل المجتمع من خلال تقديم مراجعات فكرية (شرعية) ومعالجة نفسية وضمان الرعاية الاسرية، وهى تجربة مركز الامير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، الذى يبقى واحدا من المراكز القليلة فى العالم التى تقوم بجهود كبيرة لإعادة التأهيل وبناء الثقة بين متطرفين سابقين والمجتمع. لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى