تأملت المنظر صامتة..الحديقة الواقعة فى المعادى الجديدة، رئة شبه وحيدةً، والتى على مدى ما يقرب من خمسين عاما، تكاتف السكان المحيطون كى يحولوها إلى واحة صغيرة، وتولوها بالإنفاق والرعاية، حتى امتلأت بأشجار ونخيل ودافعوا عن وجودها لعشرات السنين، هاهى تلقى مصيرها المحتومً.. ..استيقظ الناس على المشهد الكلاسيكى والذى حاول الناس منعه بكل الطرق، ثم استسلموا كمن يستقبل قضاء لا مناص منه !قضاء عقلية المقاولين التى تنتصر.... رفع الناس الراية البيضاء. للمرة التى لا استطيع إحصاءها، توالى الست فضة المعداوى غزواتها وتكللها بالانتصار وبعد أن كاد حى المعادى يكون قد قضى قضاء مبرما على قصور وفيلل المعادي، بكل جمالياتها التى لن تعوض، ، اكتشف أن هناك مساحة من الخضرة الآدمية، لاتتسق ودوره فى الهدم والاقتلاع، فأنزل معاوله وفئوسه والبولدوزرات، وقرر ان يمارس دوره التاريخي، ويسلمها لمقاول يطّلع بيها «مول»!.. وهى الحياة إيه إلا شوية مولات على كمبوندات! حتى هذه المساحة الدائرية الصغيرة التى صمدت بجهود وفلوس الناس، استكثروها.. تمنيت تسجيل دقائق المشهد، بدأ من حماس أفراد الحى وجماعة أنصار فضه المعداوي، وحتى المنتظرين على أحر من الجمر عشان يطلعوا بالمبني.. لذة الهدم ولذة المكسب، فلا تحدثنى عن حق الناس فى متنفس ولا الآدمية، والترف والكلام عن الجمال الذى لا يساوي.. وقفت على رصيف مقابل، اجتر تتالى مشاهد الهدم والاقتلاع فى حى..المعادي..كيف ينهار وكأن ثأرا مبيتا له.. وكأننا نكره أنفسنا.. التحايل والتواطؤ لخرق القوانين لا يريد التوقف..يكفى سواد الليل، ليتحول القصر او الفيلا الى أنقاض، وتطلع العمارة، واكتب كما تشاء، واصرخ، لن يتغير شيء.. المقاول سيد الموقف..يملك العصا السحرية، المعادى التى تآكلت حدائقها، واجتثت أشجارها، وحلت محل روائحً أشجارها، رائحة أكوام الزبالة، احتل شارعها الرئيسى ( شارع9)، باعه السمك والمش واللحمة، والخضر والحلل..لا أرصفة ولا حتى طريق..علق الحى لافتات منع التوك توك والغرامات التى توقع عليه، حال دخوله شوارع المعادى وانا اسأل كم حصل الحى من غرامات؟ ظلت حديقة المعادى الجديدة، رمزا لبقايا آدمية، يتشبث بها الناس..تمنحهم ولو ظاهريا، الفرصة ليحسوا سكينة البيت المطل على خضرة.. لعب صغارهم فيها وكبروا، وبعضهم أتى بأحفاد، لكن الجميع أخيرا، رفع الراية البيضاء.. الف مبروك لحى المعادي، ومباركات وتبريكات، للمقاول صاحب النصيب، بعدد الملايين التى سوف تدخل جيبه..جنينة إيه فى مساحة قد الصينية؟!لا طبعا الطوب يكسب. ثم ايه الترف ده: عاوز تصحى تبص على خضرة!؟ احنا آسفين للست فضة المعداوى وبنترحم على استاذنا اسامة أنور عكاشة، وبنقوله ضيعت وقتك ووقتنا..لم يكن هناك داعٍ لفكرة مقاومة الست فضة المعداوى تاجرة السمك التى ربطت بينها وبين القبح والفجاجة، وعدم إدراك القيمة، يبدو يا استاذنا ان الست فضة المعداوي: قضانا الذى لم نعد نملك منه فكاكا..الست فضة مكتسحة، بعد ما خلصت على اسكندريه وتاريخها، بتهد وتبني، بمنتهى الانتظام والجدية. صحيح وصلت الهرم من عقود، لكن الشهادة لله، لم تمس الهرم نفسه، وقربت تخلص على القاهرة الاسلامية وبنت جنب ابن طولونً وقدام القلعة، وقربت من قلاوون، وهددت معظم المعادى القديمة وطلعت بمولات وعمارات وقفت، دون حراك، اسلمت نظرى لدوامات الغبار المتخلفة عن هدم الحديقة الاخيرة، بالمعادى الجديده.. كانت البولدوزرات فى مرحلة اقتلاع النخيل.. يتراجع السائق ثم يندفع بوحشه الآلي.. مرة واتنين، والنخلة العفية تقاوم، وأخيرة سقطت ..تسمرت فى موضعي. لا أسعفتنى حركتي، ولا شجعتنى تجارب سابقة فى التصدي، للمعاول والبولدوزرات، السعادة الغريبة التى غرقت فيها وجوه موظفى الحى وسائقى البولدوزرات، وممسكى المعاول، بعد سقوط النخلة، أمر لايمكن ان تعبره دون تأمل.. لحظة نصر حقيقي، عبرت عنها صيحات أشبه بالتهاني! سيبك من كل ده..إنسانية إيه وآدمية ايه..! وايه يعنى شوية نخل وشجر عمرهما خمسون سنه فى حتة ارض ملك الدولة، والدولة ممثلة فى الحي، حرة فى أملاكها المفروض نتعلم ونسلم ونقر بحكمة عصر المقاولين هى الدنيا ايه غير شوية عمارات ومول. لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى