(1) العمارة المجاورة لمنزلنا لها حديقة كبيرة جداً مليئة بالأشجار والحشائش، نظرت من النافذة أمس؛ ففوجئت بأن الحديقة تم اقتلاعها بالكامل، وهناك من يرصف أرض الحديقة بالأسمنت! بالصدفة رأيت إحدى جاراتنا من العمارة المذكورة، قلت لها وأنا أكاد أغلي: كيف تسكتون على هدم الحديقة بهذا الشكل؟ فوجئت بها تقول: "لا ده كده أحسن، ده الشجر كان بيجيب حشرات وبلاوي!". (2) قبل هذا بحوالي أسبوع رأيت شجرتيْ كافور ضخمتين جداً ترقدان على الرصيف؛ حزنت جداً لمنظرهما.. هاتان الشجرتان كانتا في حديقة عمارة أخرى مجاورة.. سألت جيراننا عمن صنع هذه المذبحة، وكيف تركوهم يمضون بسلام؟ فصرحوا بأنهم هم من قطعوا الشجرتين؛ لأن الفئران تصعد عليهما. (3) في إحدى شقق العمارة المجاورة لعمارة الكافورتين الذبيحتين يوجد محل كوافير حريمي.. تضع الحاجّة يسرية لافتة تعلن بها عن المحل على واجهة العمارة؛ لكن للأسف هناك شجرة على الرصيف تحجب رؤية جزء من اللافتة. في أحد أيام الجمعة -عندما تكون السلطات نائمة- قام صبيان الحاجّة يسرية بقطع الشجرة والتخلص من جثتها في دقائق معدودة، وكأنها لم تكن، وقد صارت لافتة محل الكوافير واضحة الآن لمن يأتي من بعيد. (4) هناك قهوة صغيرة على طريق السفر الزراعي إلى بلدنا في الصعيد.. أمام القهوة توجد ساحة صغيرة لركن السيارات بها شجرة هائلة تظلل المكان بأكمله.. في آخر مرة سافرت فيها وجدت المكان أجدب كالصحراء.. لم تكن الشجرة هناك.. سألت عامل القهوة فأخبرني -سعيداً بإنجازه- بأنهم قطعوها لأن عصافير كثيرة جداً تبيت فيها، وأن هذه العصافير بتعمل "دوشة". (5) لي زميل افتتح صيدلية في منطقة المهندسين، وأمام هذه الصيدلية توجد حديقة صغيرة مربّعة الشكل وكثيفة الأشجار بين البيوت.. صديقي متضايق جداً من الحديقة؛ لأن العشاق يجلسون تحت أشجارها ليلاً، ولأن كثافة الأشجار في الحديقة يمكن أن تجعلها مأوى للخارجين عن القانون، ولأنه يعتقد أنني ماهر في الكتابة لأنني أكتب في الجرائد؛ فقد طلب مني أن أدبّج له شكوى لرئيس الحي مطالباً بإزالة أشجار الحديقة حتى لا تصبح مأوى للعشاق والمجرمين. قلت له إننا في عَرض عود أخضر واحد في الوقت الذي يسعى هو فيه لإزالة حديقة، وأن أحداً لن يتعاطف معه في أفكاره هذه.. رفضت أن أكتب له شيئاً؛ لكني فوجئت بعد ذلك أنه قام بجمع توقيعات عديدة من معظم سكان المنطقة، وقدموا بالفعل شكوى جماعية إلى رئيس الحي لإزالة الحديقة. (6) كل الوقائع التي كتبتها هنا هي وقائع حقيقية بنسبة مائة بالمائة ليس فيها من خيال.. كنت أريد أن أعلّق عليها، وأن أكتب أي شيء يعطي للأمر معنى؛ لكني اكتشفت أنني بالفعل لا أستطيع أن أفهم كيف يفكر الناس.. كل هؤلاء الناس الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة ومستويات اقتصادية مختلفة اتفقوا على رأي واحد أعجز تماماً عن أن أفهمه. هل كل هؤلاء الناس الذين يكرهون الأشجار والحدائق عقلاء حقاً؟ أم لعلي أنا المجنون الوحيد؟