تجرى حاليا اللمسات الأخيرة فى أعمال ترميم مسجد الظاهر بيبرس فى وسط القاهرة بموجب اتفاقية التعاون الموقعة بين مصر وكازاخستان، حيث تبرعت كازاخستان بمبلغ 4,5 مليون جنيه للمساهمة فى مشروع ترميم مسجد السلطان المملوكى الظاهر بيبرس، الذى تعود أصوله إليها. وتأتى المبادرة حسب تصريحات أرمان إيساغلييف، سفير كازاخستان بالقاهرة، انطلاقا من العلاقات التاريخية والثقافية المتميزة بين البلدين. والظاهر بيبرس كان قائدا عسكريا تحولت حياته إلى سيرة شعبية كان يرويها الرواة فى المجالس والمقاهى فى كازاخستان آنذاك. وكان قد تم أسره وهو طفل فى الرابعة، وبيع فى سوق الرقيق حيث اشتراه الأمير علاء الدين الصالحى البندقداري. ثم انتقل بعد ذلك لخدمة الملك الأيوبى الصالح نجم الدين، الذى اعتقه وعينه قائدا لفرقة المماليك. وتميز الظاهر بيبرس بدوره العسكرى بمشاركته المماليك فى معركة المنصورة ضد الصليبيين عام 1249م، التى أسر فيها الملك الفرنسى لويس التاسع فى دار ابن لقمان، كما شارك السلطان سيف الدين قطز فى هزيمة المغول وكسر شوكتهم وإبعادهم عن فكرة احتلال العالم الإسلامى والعربى فى معركة عين جالوت عام 1260، وأصبح بيبرس بعد ذلك من أبرز سلاطين المماليك وأكثرهم تميزا، وشهد عصره، إلى جانب الانتصارات العسكرية، نهضة معمارية وتعليمية كبيرة. وبدأ الظاهر بيبرس فى بناء مسجده فى 13 مارس 1267، و افتتح فى يونيو 1269. وبنى المسجد على مساحة كبيرة، إذ يبلغ طوله نحو 268 مترا و عرضه 105 أمتار، وتم تخطيطه وفق طراز المساجد التقليدية على غرار المسجد النبوى الشريف. ويتكون الجامع من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة، وواجهات الجامع مبنية بالحجر المشهر، وهى التى تستخدم فيها الأحجار ذات اللونين الأحمر والأصفر أو الأبيض، ويقال إن معظمها من زخارف وجهات الجامع الأقمر وجامع الصالح طلائع ومدخل المدرسة الصالحية بالقاهرة الإسلامية. ويبلغ ارتفاع الواجهات نحو 11 مترا، تتخللها دعائم بارزة لتدعيم الجدران، ويشتمل الجامع على ثلاثة مداخل تذكارية بارزة، أحدها الرئيسى بالواجهة الشمالية الغربية يوجد فوقه بقايا بناء المئذنة، التى كانت قائمة حتى مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر، والآخران جانبيان بالواجهة الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية. ويتوسط الجامع من الداخل صحن مكشوف سماوى مربع المساحة تحيط به أروقة الجامع، أكبرها رواق القبلة، الذى يتكون من ست بلاطات لها عقود محمولة على أعمدة رخامية إلى جانب دعامات، ويتوسط جدار القبلة المحراب، يتقدمه مقصورة مربعة كان يتوجها قبة، وفكرة المقصورة أقامها الخلفاء والسلاطين منذ العصر الأموي، خوفا من تعرضهم للاغتيال فى أثناء الصلاة، أما منارة الجامع، فتقع فى وسط الوجهة الغربية أعلى المدخل الغربي. وكان مسجد الظاهر بيبرس الوحيد الذى بنى فى الفترة المملوكية خارج حدود القاهرة الفاطمية عام 1267، وقد تعرض للعديد من التعديات، بدأتها الحملة الفرنسية على مصر قبل أكثر من مائتى عام عندما استخدمته مركزا للقيادة. وقام بانى مصر الحديثة محمد على باستخدام المسجد كمصنع للصابون، أما قوات الجيش البريطانى التى احتلت مصر عام 1882 فاستخدمته كمذبح للحيوانات، وحوله المصريون خلال العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 إلى ملجأ من الغارات التى استهدفت المدن المصرية فى تلك الفترة.