انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    تطوير محمية ودعم ب15 مليون جنيه.. بروتوكول تعاون بين وزيرة البيئة ومحافظ جنوب سيناء    الري: الموافقة على 38 طلب بمحافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء لتراخيص الشواطئ    نتنياهو «ورطة».. الكاتب الصحفي عادل حمودة يكشف الأسباب    أبرزها سقوط قنبلة بالخطأ.. 4 حوادث غريبة داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي    وسط جدل الرحيل.. تشافي ثالث أنجح مدرب لبرشلونة في الليجا    "بعد فوزه بالكأس".. يوفنتوس يُعلن إقالة مدربه أليجري "بسبب سلوكيات تتعارض مع القيم"    "مات بعد شهور من وفاة والدته".. نجوم الرياضة ينعون أحمد نوير    حريق هائل يلتهم أكشاكًا في بني سويف    رسميًا.. إيقاف تشغيل عدد من القطارات في هذه الأيام بسبب ضعف الإقبال    إلهام شاهين: عادل إمام «حالة خاصة».. هو الفضل في وجودي    قبلة محمد سامي لشقيقته ريم من حفل زفافها- صور    مصطفى الفقي: غير مقتنع بالفريق القائم على "تكوين" وكلامهم مردود عليه    هل يمكن لفتاة مصابة ب"الذبذبة الأذينية" أن تتزوج؟.. حسام موافي يُجيب    تأثير الامتحانات على الطلاب ونصائح للتغذية السليمة    كوريا الجنوبية تتهم بيونج يانج بزرع الألغام في المنطقة المنزوعة السلاح بين البلدين    إعلام أمريكي: موقف أوكرانيا أصبح أكثر خطورة    فيديو.. أحمد السقا: اللي ييجي على رملة من تراب مصر آكل مصارينه    البيت الأبيض: يجب فتح الجانب الفلسطيني من معبر رفح فورًا    وظائف وزارة الزراعة 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    حكومة غزة: الرصيف الأمريكي لن يلبي حاجتنا وسيعطي فرصة لتمديد الحرب    تفاصيل أعلى عائد على شهادات الادخار 2024 في مصر    يسرا تهنئ الزعيم بعيد ميلاده : "أجمل أفلامى معاك"    في ذكرى ميلاده.. لماذا رفض عادل إمام الحصول على أجره بمسلسل أنتجه العندليب؟    هشام ماجد يكشف عن كواليس جديدة لفيلمه «فاصل من اللحظات اللذيذة»    التصريح بدفن جثة تلميذ غرق بمياه النيل في سوهاج    تراجع الأسهم الأوروبية بفعل قطاع التكنولوجيا وغموض أسعار الفائدة    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    حريق هائل يلتهم محتويات شقة سكنية في إسنا ب الأقصر    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني: نبحث تعليق مشاركة إسرائيل في المباريات الدولية    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    مساندة الخطيب تمنح الثقة    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر التونسى يوسف الصديق ل «الأهرام»:
لا أخاف تهديدات التكفيريين .. و «عمامة أبى» مقدسة
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 03 - 2018

الشيخ الباقورى أول مصرى قابلته وأنا طفل .. والتونسيون أطلقوا على أبى لقب «الحفناوى»

نشر المفكر التونسى المثير للجدل يوسف الصديق معظم كتبه باللغة الفرنسية فى باريس (15 كتابا)، لكن يظل حريصا على مخاطبة قارئ اللغة العربية .وعلى الأقل فقد صدر من أعماله كتابان فى الخمس سنوات الأخيرة هما :«هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها» و«الآخر والآخرون فى القرآن». وخلال فبراير الماضى أثار من جديد جدلا فى بلاده تونس حين خرج فى مناظرة بتلفزيون محلى ليميز بين القرآن والمصحف ، ما أثار عواصف غضب وتهديدات دفعته للتلويح بالهجرة تماما وهو فى عمره هذا ( تجاوز السبعين ) . وبعدها بأيام استقبله الرئيس الباجى قايد السبسى. وقال بيان للرئاسة التونسية عن هذا الاستقبال: «رئيس الدولة جدد تمسكه بضمان الحريات المكفولة فى الدستور كحرية الضمير والمعتقد واستنكاره لدعوات التكفير والتحريض التى استهدفت مؤخرا الصديق». ،وشدد البيان على حق الاختلاف فى الرأى وحرية التفكير والاجتهاد مع العمل على تعزيز وحدة التونسيين والالتزام بالمصلحة العليا للوطن. وأظهر شريط مصور للمقابلة على صفحة الفيس بوك الرسمية للرئاسة السبسى وهو يقوم بإجلاس المفكر أولا وهما يتجاذبان الحديث والرئيس يقف أمامه قبل أن يجلس بدوره. وقال السبسى فى الشريط المصور : «لن أسمح لتونسى فى وزنك وبما قدمته للبلد أن يدفعوه الى الهجرة للخارج .. يجب أن تبقى فى بلدك». بعدها بأيام معدودة توجه مراسل «الأهرام» لحوار يوسف الصديق فى شقته بإحدى ضواحى العاصمة تونس .وكان لافتا أن المنزل والشقة بلا حراسة فيما يعيش لساعات بمفرده مع ضعف البصر وتقدم العمر. ويكشف هذا الحوار مع المفكر المثير للجدل أيضا عن جوانب غير معروفة عن عمله صحفيا وصفحات مثيرة عن علاقته بمصر على نحو خاص .
ما الذى تعنيه مدينة توزر حيث ولدت ثم تونس المدينة العتيقة بالنسبة لك ولمسارك الفكرى؟.. وأى ذكريات و مكونات ثقافية عن مصر عند يوسف الصديق عندما كان صبيا وشابا؟
عشت طفولتى المبكرة بمدينة توزر جنوب تونس. وأبى توفى والده وعمره 9 سنوات فعمل مبكرا كى يعيش أخوته الصغار. عصامى درس بمفرده وأصبح أيضا عالما يفسر القرآن وأديبا وشاعرا. وفى عام 1944 وأنا عمرى عام ونصف فقط أدخل ابنه الكبير ( محمد) الزيتونة، فانتقل الى العاصمة تونس وجمع ما ادخره من أموال ليفتح مكتبة بجوار جامعها فى «سوق الكتبية». كانت بنهج «المدرسة» وهو كالفجالة عندكم فى القاهرة، وأطلق عليها «المكتبة العصرية». وهكذا أنا لم أعرف توزر إلا عندما عدت إليها وأنا أكبر سنا. والطريف أننا كأسرة فى الدار كنا لا نستطيع إلا أن نتكلم بلهجة أهل توزر، وهى أقرب الى العربية الفصحى، وخارجه نتحدث بلهجة العاصمة تونس (الدارجة). و فى ذاكرتى أن المكتبة كانت بمثابة السكن بالنسبة لى فى طفولتى. تبعد نحو خمسين مترا من الدار. فأذهب اليها صباحا وأعود منها مع المساء. وثمة حدثان كبيران سنويا فى عالمى كطفل وصبى. وهذا عندما تأتينا «كريتة» (عربة بحصان بالتونسية) تحمل كتبا من مصر جاءت عن طريق البحر . أتذكر أن الشارع ضيق فيتعطل السير حتى تفرغ «الكريتة» حمولتها من كتب طه حسين و أحمد أمين و تيمور والجارم وغيرهم. الكتب كانت بكميات وافرة، ومنها سلاسل تلخيص أعلام العالم مترجمة إلى العربية. فتعرفت عبرها على أعمال شكسبير و سرفانتس وفيكتور هوجو إلى جانب روايات كامل الكيلانى ومحمد سعيد العريان. هكذا كان تكوينى الأول. كنت أقرأ الكتاب أحيانا مرتين. لكن أبى أفلس لأنه كان يعطى الكتب الى طلبة الزيتونة ( ببلاش ) مجانا . وكنت أغضب أنا وأمى لأن هذه الكتب تظل فى نظرنا «أكل عيشنا». وهذه المكتبة كانت أشبه بنادى ثقافى وأيضا سياسى. و يتردد عليها سبعة أو ثمانية من كبار علماء تونس كالطاهر عاشور صاحب تفسير «التحرير والتنوير». كانوا يمتحنونى وأنا صبى فى حفظ آيات القرآن. ولعل هذا الحفظ كان بمثابة الجنة المعرفية فى طفولتى هذه .كما كنت مغرما بحفظ القصائد ومن السماع الأول.. وأنا حائر حتى الآن فى فهم هذه القدرة على الحفظ وعلى بقائها كما هى فى ذاكرتى .
انتقلت من التعليم الدينى إلى المدنى بتونس ثم إلى باريس كيف كانت أيام الدراسة هناك؟ وما الذى دفعك هناك لكى تتحول لدراسة تراث الفكر الإسلامى ؟
ذهبت الى السربون 1966 لدراسة الفلسفة حيث تعرفت هناك على المفكر المصرى عبد الرحمن بدوى، وقام بالتدريس لنا «جاك لاكان» (اشتهر بدراساته عن التحليل النفسى الفريدى ) وآخرون. وقدمت ما يسمى بدبلوم الدراسات العليا قبل التبريز والدكتوراه .وأنجزت أطروحتى عن عن المقارنة بين إسبينوزا و ابن سينا فى الفرق بين الرغبة و العشق .كانت دراسة صغيرة حوالى 120 صفحة بالفرنسية . ونجحت فى الكتابى ( التحريري)، و لكن فى الشفاهى كانت الأسئلة تتعلق بعلوم المنطق الذى يدرسه الأستاذ «جان بواريه» .وهنا حدث تحول كبير فى حياتى . عندما ذهبت للامتحان أمامه كنت أرتدى قميصا كاكيا ( شبه عسكرى ) قديما. والامتحان فى يوم 6 يونيو 1967 ومع الصباح عرفنا بالنكسة . جلست أمامه للامتحان، فقال وهو يضحك ساخرا ومتهكما :» تأتى يوم الهزيمة ببدلة عسكرية «. سكت . خفت منه . وتجاوزتها وأعطانى 12 من 20. واعتقد إلى الآن أنه تقصدنى بعنصرية لأننى عربى . وخرجت الى ساحة السربون .وفكرت نحو ساعتين متأثرا بما حدث فى اليوم كله . قلت لنفسى :» نحن أنداد لهم.. لماذا يسخرون منا ؟ «. وحقا كنا كطلبة عرب نتجاوز أندادنا الفرنسيين. وسألت نفسى :» ومالى و الفلاسفة الأوربيون .. أليس عندنا شىء من الفلسفة نشتغل عليه؟ «. وفكرت فى الفارابى وابن سينا وابن رشد .لكن الغربيين كانوا قد اشتغلوا عليهم أكثر منا، ولم يبق شىء .وكان هناك أحد المدرسين فى السربون اسمه «إيمانويل ليفناس « ،وهو من أكبر الفلاسفة و رفع التوراة الى مصاف التفكير الفلسفى . وحقا التوراة نص بدائى مقارنة بالقرآن . وفكرت فى 6 يونيو هذا أن أعمل على القرآن . وهكذا بدأت رحلتى مع دراسة القرآن . كنت حافظه وأنا صغير .ظللت أذهب الى الكتاب وعمرى بين 4 و 16 سنة. وحفظت القرآن كاملا وأنا عمرى 11 سنة . كما حفظت الأجرمية و الألفية و نحو 1500 حديث نبوي والكثير من الشعر الجاهلى .و هذا كله قبل ان اتجاوز ست عشرة سنة من عمرى.وكل هذا بتحريض من أبى رحمه الله .
ماهى العلاقة بين الصحفى والمفكر الفيلسوف ..كيف قطعت هذه الرحلة ؟وما الذى تبقى من خبرة العمل فى الصحافة ؟
عندما عدت من الدراسة بباريس الى تونس صيف 1968 ، كان معى فى كراس (دفتر) ثلاثة مقالات . كتبتها بقلم حبر باللغة الفرنسية وكأننى تلميذ فى ابتدائى .كانت هذه المقالات نظرة على ما جرى من أحداث الشباب والطلبة بباريس مايو 1968 . وذهبت بها الى صحيفة «لابرس» هنا بتونس ( تصدر باللغة الفرنسية الى حينه ) ..وبعد ثلاثة أيام وجدت المقال الأول منشورا بالصفحة الأولى بالصحيفة . وتم نشر المقالات تباعا وباسم مستعار استخدمته حينها وهو «أبو أمية» .اسم ابنى الأول وكان عمره حينها سنة واحدة . وربما لجأت الى الاسم المستعار لأننى كنت وقتها قريبا من اليسار التونسى، وعندى أصدقاء من مجموعة آفاق اليسارية « برسبكتيف» الملاحقة أمنيا. ومنذ نشر هذه المقالات فى يونيو 1968 اعتقد ومازلت أننى صحفى ، وبأن الحس الصحفى لا ينتهى عند الإنسان .هو حس يظل ملتصقا بك حتى الموت . وبعد أن عدت إلى تونس عام 1972 لأعمل بتدريس الفلسفة بالمدارس الثانوية للدولة وجرى نقلى فى التدريس من المنصورة بالقيروان الى العاصمة تجددت صلتى بالصحافة. عملت مع «لابرس» اليومية ومجلة أسبوعية اسمها «كونتاكت» ويديرها حمادى الصيد سفير تونس فى اليونسكو لاحقا . وأفادتنى الفلسفة فى عملى الصحفى بتعميق النظر إلى الواقع والأحداث. وهذا بأن تسأل لماذا وكيف؟. وهذه الأسئلة أدخلتها الى الوصف والتعليق فى كتاباتى الصحفية. وهو ما أعتز به. كما أصبحت أعرف العالم العربى كله من خلال الصحافة .فزرت مختلف دوله وأيضا تركيا وإيران والباكستان. صحيح أننى عملت على السياسة فى كتاباتى الصحفية فأنجزت فى «كونتاكت» عددا خاصا عن عبد الناصر فور وفاته خريف 1970 حمل غلافه بالكامل صورته. لكنى كمفكر قمت بنوع من «التلاقح» بين الصحافة والفلسفة . وهذا تآخ خصب جدا.
وعملت أيضا مراسلا حربيا فى مصر ؟
خلال دردشة كلام مع رئيس التحرير حمادى الصيد يوم العبور 6 أكتوبر 1973 سألنى: «تذهب لمصر؟». وافقت فورا . وبعد وصولى إلى القاهرة عن طرق ليبيا برا وبيوم واحد ذهبت الى قناة السويس وعبرت الى سيناء. عاصرت المشكلة التى جرت فى الدفرسوار (يقصد الثغرة). وإجمالا ساعدنى العسكريون المصريون وحتى الصغار منهم على البقاء فى الجبهة مع أنهم كانوا يندهشون أن تونسيا بينهم هنا (علما بأن كتيبة تونسية جاءت الى الضفة الغربية للقناة خلال أيام الحرب). و أذكر أننا اصدرنا عددا من المجلة وعلى غلافه صور طائرات الجيش المصرى كجدارية فرعونية. وأجريت أيضا عديد الحوارات فى القاهرة، كان من بينها حوار مع زكريا محيى الدين عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الداخلية الأسبق. هذا الحوار كان مطولا وشغل سبع صفحات فى المجلة . لكن ما أظن أنه أفشل و«أخيب» حوار صحفى كان هو الذى أجريته مع الرئيس السادات. هو بحق أفشل عمل صحفى قام به إنسان. وسأظل أخجل منه. كان عمرى وقتها 31 سنة. لكن العسكريين المصريين وجدوا عندى تهورا أثار عطفهم . وقبلها بتونس كنت تعرفت على لطفى الخولى عندما جاء فيلمه «العصفور» الى مهرجان قرطاج السينمائى. وعدت وقابلته فى القاهرة خريف 1973 هذا. وقال لى ان أشرف غربال (المستشار الإعلامى حينها للرئيس السادات) أصوله من تونس وعائلته من جزيرة «جربة» بالجنوب. واقترحت على غربال عمل حوار صحفى مع الرئيس السادات. قال لى: «انت مجنون.. هناك الآلاف من الصحفيين ومن أكبر دور الصحافة العالمية طلبوا حوارات معه.. هذا غير ممكن». وفى يوم من الأيام عندما كان الرئيس السادات فى الجبهة وأنا فى الاسماعيلية قال غربال: «تعال.. ستعمل الحوار». واصطحبنى الى استراحة السادات بالمدينة . وجاء الرئيس السادات للاستراحة التى انتظرت عودته اليها. أخذ الكاب (غطاء الرأس العسكرى) .كان يلبس بدلة بيضاء. ونفض غليونه فى المنفضة. و وضع يده على كتفى وقال لى: «أيوه ؟». ووجهت اليه سؤالا طويلا يتضمن تحليلا للمجتمع والمؤسسة العسكرية وتساؤلا عن كيف سيكون المستقبل بعد الحرب؟. هكذا وكأننى أملى عليه جوابا وافيا. نظر الرئيس السادات الى عينى ،ووضع يده مرة أخرى على كتفى وقام، وأعاد الكاب مرة أخرى على رأسه وقال: «مش وقته يا ابنى»، وغادر. وبعدها وعلى الفور أخذ غربال يسبنى وأعطانى درسا فى الأسئلة الصحفية القصيرة. قال: «هو أعطاك عشر دقائق كان يمكن تعمل منها صفحة كاملة». وهذا كان درسا صحفيا كبيرا تعلمته .
ربما تعرف عليك قارئ العربية فى المشرق بخاصة مع كتاب «هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟» الصادر عام 2013 ثم مع كتاب «الآخر والآخرون فى القرآن» عام 2015.. لماذا حدث هذا التعرف متأخرا على هذا النحو؟
تكتيك محسوب بالنسبة لى. أعتقد أن قراء العربية ينقسمون الى قسمين: هناك من يعتقد حتى من بين المثقفين بأن تناول الدين أمر لا يهم مع أنه من أكبر مشاغل المثقف عندى. والقسم الثانى معزول ولو عمل شيئا جريئا فى هذا المجال «سيذهب فى داهية». انظر ما الذى جرى للمرحوم نصر حامد أبو زيد وجرى دفعه للمنفى بسبب كتاب. كان عاشقا الى ما يقرب الهستريا لبلده ورأيته يبكى متمنيا أن يموت فى مصر. حقا أمثالنا أناس معزولون. نمر من جدار الى جدار. تحت الحيط ( الحائط). حتى الناس الذين لا يعرفونك يتطوعون بلعنك فى الشارع ككافر. حقا تأخر نشر أعمالى بالعربية لأننى خشيت من ردة فعل الشارع العام ومن الإثارة. لم أكن لأخاف هذا الخطر لو عندنا أنصار من حكومة ومجتمع مدنى أو ثقافى . لكن أنظر إلى مصر أو لبنان أو المغرب. كلما يخرج كتاب به شىء من الجرأة إلا وينفض الناس من حولنا. ويتركوننا طعاما لغول الجهل فى الشارع.
كم عدد الكتب التى أصدرتها عن الإسلام ؟
حوالى 15 كتابا باللغة الفرنسية ومنها ترجمة معانى القرآن فى عام 2000، وترجمة أحاديث مختارة للرسول وهذا بدون صيغة «حدثنى». وهذا نفع كبير للجامعة الفرنسية وللإنسانية. وأيضا ترجمات لنهج البلاغة للإمام على وكتاب تفسير الأحلام الكبير لابن سيرين فى ألف صفحة، ورسائل ابن سينا. أى أن أغلب الأعمال بالفرنسية ترجمات لنصوص تراثية عربية. وأردت بهذا أن أقول بإن للثقافة العربية الإسلامية أبعادا كونية .
لكن ظهورك فى الميديا الموجهة إلى المتحدثين بالعربية وهنا بتونس بدا مثيرا ؟
عندى يجب أن تمر فجوة كى تمر الأفكار التى لم يعتدها الناس فى بلادنا ومجتمعاتنا . الإثارة ليست هى الهدف. بل هو أن يتقدم الذهنى العاقل لمجتمعاتنا بما فى ذلك عقول أولئك الذين لم يذهبوا الى مدرسة ومن لديهم هذا المنطق العفوى.وهذا هو جهادنا ،وحتى لا نذهب ضحايا كمحمد محمود طه الذى شنقه الترابى والنميرى وبرأته المحكمة بعد ثلاث سنوات. حقا.. كل واحد منا مرشح للموت بغصة. أنا يستحيل أن أقلل من شأن ديانة الإسلام .هذا كله تراثنا . هى ديانة أمى وأبى. مثلما تقول «هل يستطيع واحد كسر الأهرامات؟». الإساءة للإسلام اتهام عبيط ، فعمامة أبى مقدسة عندى.
مرة أخرى من الكتابة بالفرنسية إلى الخروج إلى التلفزيونات بالعربية.. كيف تفسر هذا التحول ؟
حمدت الله أن مخاطبى (يقصد مناظره وهو محام تونسى) مثقف جدا فى الإسلاميات. وأثارنى عندما طرحت عليه السؤال البسيط وهو ما أحب أن أطرحه أيضا على بسطاء المصريين . فأنا أحب أن أخاطب بواب العمارة وليس القمنى أو فؤاد زكريا. أسعى لأخاطب البسطاء. طرحت على الغضبان مسألة بسيطة. وهى أن القرآن أمرك أن تضربهن وهذا مخالف للدستور التونسى. هنا موقفان متناقضان. الدستور يقول بإن ضرب النساء جريمة بينما الآيات 43 و44 من سورة النساء تسمح بضربهن. فقال الغضبان على نحو صبيانى انه يضع المصحف فوق الدستور. وهنا قلت له ان الكتاب الذى اشتراه من المكتبة مصحف وليس القرآن. هو مصحف عمله عثمان. وجميع الصحابة الآخرون كانوا ضد هذا العمل. إذن هو عمل إنسانى تاريخى. وقلت له أيضا فى التليفزيون إن آيات الرق و العبيد وما ملكت أيمانكم ليست صالحة لكل زمان ومكان، وأن آيات غيرها تصلح. وهى آيات كونية مثل : «كل نفس ذائقة الموت» وآيات الأخلاق والعفة. هنا حدثت الفجوة عند الشعب البسيط. وأصبح الناس يقولون : «يوسف الصديق عنده الحق فى هذه المحادثة».
لكنك فيما بعد تحدثت خائفا ولوحت بأنك تفكر فى الهجرة إلى خارج تونس ؟
أنا لا أخاف، لأن هناك آية صالحة لكل زمان ومكان: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». أنا أؤمن بأن القدر موجود .هذا ما اعتقد به. وهذا ما تعلمته من الفلسفة التى قيل عنها فى القرآن : «يؤت الحكمة من يشاء ومن أوتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا».
أنا لم ألحظ عندما ترددت عليك فى شقتك هذه أى حراسة بعد كل ما قيل مؤخرا عن تهديدات استهدفتك و استوجبت أن يستقبلك فى قصر قرطاج الرئيس السبسى ؟
عرضوا الحراسة قبل أيام ورفضت . قلت لماذا تعرضون حياة اثنين او ثلاثة من الحراس للخطر. لو قتلنى التكفيريون لماذا يذهب معى شخص أو اثنان . وفى النهاية فإن «الحارس هو الله» و«لكل أجل كتاب». هذا ما أعتقد به. كيف يعتقدون بأننى كافر؟. أنا أربى تلاميذى تربية إسلامية صحيحة وأحصنهم بالأخلاق. أنا لم أتجن على الدين . وهذه هى سيرتى فى قسم الفلسفة بالمعاهد الثانوية عندما درست هذا العلم ست سنوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.