لعلي أبدأ هذا الحديث الشائك بإيضاح ضروري, هو أنني لست من أولئك الذين يحبسون عقولهم وأفكارهم داخل أسوار أوهام كاذبة بأن هناك مجتمعات تخلو تماما من الفساد والرشوة والانحراف. ولكنني- في الوقت ذاته- من الذين يؤمنون بأن مصر- رغم كل ما يكتب عنها- بها من الطهارة ما هو أكثر من الفساد, و بها من النزاهة أضعاف أضعاف ما ابتليت به من صغائر ضعاف النفوس وأصحاب الذمم الخربة الذين يؤكدون حاجتنا إلي المزيد من القوة والقدرة علي ملاحقة ما خفي من مظاهر الفساد لأنه ليس بإمكاني ولا بإمكان أحد غيري أن يقول بأن كل وقائع الفساد قد تم كشفها ومحاسبة المتورطين فيها! وهنا ينبغي تجديد التأكيد علي حق الصحافة في أي وطن حر مستقل أن تطارد الفساد وأن تلح علي تأكيد احترام القانون ضمانا لعدم إفلات أحد من دائرة الحساب ومن قبضة العقاب- إذا كان قد أخطأ أو انحرف- ولكن ليس من واجب الصحافة أن تتحول بعض وقائع الفساد إلي عنوان عام يوحي بأن المجتمع كله قد أصبح مجتمعا فاسدا! إن من حق الصحافة تحت مظلة حرية الرأي والتعبير أن تطالب بالضرب بشدة علي أيدي من يعبثون بالمصالح العليا للوطن والمواطن ولكن دون الانزلاق إلي اعتلاء منصة العدالة وإصدار الأحكام المسبقة دون تحقيق لكي لا يؤخذ الناس بالشبهات, وبالتالي تحدث ردة تلقائية يمكن أن تعود بالبلاد إلي أجواء الإعتام التي تسمح بالحكم علي الناس من واقع التقارير والوشايات فقط! أريد أن أقول بوضوح: إن من واجب الصحافة أن تغذي قيم النزاهة والشرف والطهارة, وأن تؤكد انتصارها لمطاردة الفساد وتعقبه في كل مكان ولكن دون إغفال أن الفساد فضلا عن أنه ليس ظاهرة عامة فإننا لسنا وحدنا المصابين بفيروساته! وسيظل حلم البشرية في مجتمع المدينة الفاضلة الذي يضم الملائكة ولا يعرف الشياطين مجرد حلم في سطور القصص والروايات فقط فتلك هي معادلة الحياة التي تقوم علي صراع دائم بين الخير والشر. وغدا لنا حديث عن أزمة الصحافة القومية! خير الكلام: إذا مات الثعبان مات سمه! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله