بعد شهور طويلة من الانتظار والمناشدات، وصلت التشريعات المنظمة للصحافة والإعلام إلى اللجنة المختصة فى مجلس النواب وهى خطوة،لو يعلم القارئ، جاءت بعد طول معاناة ومناورات مضنية. البعض أراد ترحيل الأمر برمته حتى أشعار آخر.. وأراد البعض الآخر أن يفصل ما يريد على مقاس مجموعة أو مجموعات تتيح لبعضهم البقاء فى لعب الدور الأكبر فى كتابة القوانين الجديدة وإقرارها. يغيب عن النقاش العام فى مصر عدد من الحقائق بشأن الإعلام ودوره فى المجتمع وقدر من الالتباس يعود إلى ما تداولته الألسنة وما جادت به قريحة بعض السياسيين الجدد والنشطاء السياسيين فى الأعوام التى تلت ثورة 25 يناير من رغبة محمومة لإنهاء دور الدولة فى الإعلام بدعوى أن الدولة وأجهزتها الإعلامية كانت مسئولة عما وصلت إليه البلاد قبل الثورة ولم يفرق هؤلاء المغمورون فى عالم السياسة ما بين دور الإعلام العام فى تشكيل الوعى وأهمية تصحيح مساره باعتباره ملكا للناس وبين الثورة كحدث «طارئ» يأتى ليصحح أوضاعا خاطئة ويعيد للشعب السلطة التى تنازع عليها فئة أرادت استباحة المصلحة العامة دون حساب. لم تبخل ثورات العصر الحديث، وبخاصة تلك التى اندلعت فى دول أوروبا الشرقية وحطمت الجدار والسور الحديدى فى شهور قليلة متتالية، على الإعلام العام بمبادرات الإصلاح وتصحيح المسار ولم يقل أحد هناك إن الحل الأمثل هو الخلاص من مؤسسات الإعلام المملوكة للدولة لأنهم يدركون قيمة أن يكون فى حوزة الدولة وسائل إعلامية تمثل المصلحة العامة كيفما يجب وتكون صوتا للناس بعيدا عن أصحاب المصالح الخاصة أو المصالح الضيقة ولم نسمع من كل تجارب التحول من يقول إن غلق تليفزيون الدولة هو الوسيلة المثلى للارتقاء بالرسالة الإعلامية ولو عدنا إلى التجارب سنجد مصارحة ومكاشفة قادت إلى بناء إعلام أكثر وعيا أسهم اليوم فى خروج تلك الدول من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية وفى تحقيق التجانس الاجتماعى بعد أن تصدعت الأحوال بعد الثورات الشعبية. تلك المقدمة كانت ضرورية حتي نعلم أن الإعلام العام صحافة وتليفزيونا وراديو لم يحصل علي ما يستحق من الرعاية والاهتمام في فترة تحول مهمة في تاريخ مصر. إن تنظيم الإعلام ضرورة ومسألة مفروغ منها في كل دول العالم. والإعلام خدمة وليس عيبا أن تمتلك الدولة إعلاماً عاماً أو أن تكون لها وسائل إعلامها. والخدمة هنا لجميع فئات الشعب ولا يجب أن تتحول إلي سلعة بحسابات المكسب والخسارة. لقد تأخر مشروع قانون الهيئات الصحفية والإعلامية: الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الأعلي للصحافة والإعلام التي نص عليها الدستور وقانون تنظيم الإعلام مدة ثلاث سنوات، لأسباب خاصة ومصالح خاصة في المقام الأول حيث الخلاف حول القانون ليس بسبب أزمة مصطنعة، ولكن الخلاف مظهر من مظاهر الأزمة، وهي ببساطة أن هناك مجموعة (شلة) أيديولوجية تمثل جزءا من فصيل سياسي ليس لها وجود في الشارع تزعم وتروج وتحاول إقناع النظام السياسي بأنها هي سنده وداعمته، وأنه يحتاجها وليس هناك بديل لها، بدعوي أنها القادرة علي مواجهة تيارات الإسلام السياسي، تلك الفئة تتحدث (زورا) عن تعبيرها عن طبقات الشعب لتبرر بقاءها واستمرارها في مواقع بالسلطة أو علي رأس مجالس إعلامية، بينما التجارب توضح أن رموزا من هذا الفصيل كانت حليفة في مراحل تاريخية لجماعة الإخوان وفي التاريخ القريب جداً كانوا علي قوائم الإخوان في انتخابات برلمان 2012. واعتذر ناصريون للإخوان عن تعامل عبدالناصر معهم ووقفوا معهم علي منصة واحدة في قصة مبايعة شهيرة وتسليم للإخوان بأنهم الأقدر علي حكم مصر والمعروفة ب «فضيحة فيرمونت». وفي ثورة 30 يونيو، دعا بيان الثالث من يوليو ضمن بنوده إلي ميثاق شرف إعلامي، وجاء في البيان (خريطة الطريق) الاستحقاقات الواجبة ومنها إنجاز الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية..التي تحققت ماعدا هذا البند! هناك من لايزال يسعي بكل ما يملك حتي يصبح تنظيم الإعلام في خبر كان! هل يريد هؤلاء أن يكون مصير هذا البند هو مصير أحد أهداف ثورة 23 يوليو الستة نفسه وهو البند الخاص بإقامة حياة ديمقراطية سليمة الذي تحقق بعد 24 عاماً عندما أعلن الرئيس أنور السادات عن قيام الأحزاب السياسية في عام 1976؟! إن عملية تعطيل القوانين وإثارة اللغط حول تنظيم الصحافة والإعلام ودمغ التشريعات المقترحة (زورا من أجل التحريض والإثارة والضغط علي السلطة) بأنها سالبة للحريات يؤكد أن هناك من يريد أن يبقي الوضع علي ما هو عليه. وزاد علي ذلك أسلوب إدارتهم لأوضاع المهنة المرفوض من الأغلبية العظمي من الجماعة الصحفية التي عبرت عن موقفها في البرلمان أمس الأول. لقد كان مطلب الصحفيين أن يديروا شئون مهنتهم بأنفسهم ومنحتهم الدولة الفرصة بعد ثورة 30 يونيو.. فجاءت التجربة علي هذا النحو المتردي غير المسبوق!!! كلنا نتذكر شكوي الرئيس من الأداء الإعلامي مرات عدة وما قاله يوما من أنه سيحاجي الإعلاميين أمام الله يوم القيامة، ومن ثم نقول إنه لو خضعت الحكومة والبرلمان للابتزاز ولم تقر القانون، فعلي الرئيس أن يحاجي الحكومة والبرلمان وليس الصحفيين أمام الله يوم القيامة. فالصحفيون، الأغلبية العظمي منهم، يريدون القانون الجديد وتنظيم الحياة الصحفية ووقف مسلسل الفوضي الذي تريد بعض التيارات السياسية استئنافه. الفوضي تخدم اصحاب المصالح وتخدم أيضا تيارا مجرما يحارب بكل الأسلحة الممكنة وأولها سلاح الفوضي الإعلامية وعمادها الكذب. ومن ثم لو حدث وغرقنا في تسويفات ومماطلات وخضع البرلمان للابتزاز فقل علي دعوة الرئيس لتنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي السلام. مشروع القانون، حتي لو كانت هناك ملاحظات عليه، فإن إقراره يعد خطوة مفصلية يمكن البناء عليها. وأي ملاحظات يتعين أن تطرح من خلال حوار حضاري وليس عن طريق الخروج عن الآداب العامة أو بتجاهل القنوات المشروعة المعنية بتعديل بعض المواد. كتبت في هذا المكان في عام 2012- عندما وصل محمد مرسي مرشح الإخوان مدعوما من بعض فصائل اليسار للسلطة، وشكل الإخوان مجلسا أعلي للصحافة من تيار سياسي محدد وبعض المنافقين - مقالاً بعنوان «أخونة الدولة.. الصحافة أمام مصير مجهول». حذرت فيه من أخونة الصحافة ومن سيطرة الجماعة الإرهابية عليها. الآن التاريخ يعيد نفسه لكن من جانب تيار سياسي آخر والمفارقة المضحكة- المبكية هي أن من فعل ذلك في 2012 كانت السلطة ممثلة في الجماعة الإرهابية، أما الآن فللأسف ما تتعرض له الصحافة من ضغوط وابتزاز تتعرض له من فصيل سياسي محدد «خارج السلطة»!! وليس له وجود في الشارع. السلطة الآن تترك لأهل المهنة صياغة قوانينهم لكن فريقا من غير ممارسي المهنة يحاولون فرض أنفسهم فوق السلطة. والمفارقة الأخري المذهلة أن الفريق السياسي، المشتغل بالصحافة، وضعونا في موقف غريب فبدلا من الحوار حول القانون وبنوده لتحسينه أو تعديله أصبحنا في موقف مدهش.. أصبحنا نناقش هل القانون من الأساس ضرورة أم لا؟! كلمة في الختام: هؤلاء يطرحون علينا منطق مبارك نفسه نحن أو الفوضي(!) يقيني أن القانون سيصدر لأنه لا الرئيس ولا رئيس مجلس النواب ولا رئيس الحكومة سيخضع للابتزاز ولأن القانون مطلب الجماعة الصحفية لأنه يعبر عن إرادة الأغلبية من أهل المهنة وعن الأغلبية الشعبية التي تريد الدولة والقانون ولا تريد الفوضي. لمزيد من مقالات محمد عبدالهادى علام