الأرز السلعة الاستراتيجية التى لا يستغنى عنها أى بيت، مازالت تمثل معضلة أمام الحكومة ، أو لغزا يصعب حله، حينما نتحدث مع مسئول بوزارة الزراعة يقول إن الانتاج وفير والمعروض أعلى من الطلب، والحكومة تقول : «لا توجد أزمة» وحددت سعرا للتوريد أقل من السعر الذى يعرضه التاجر ، والفلاح بالتأكيد سيبحث عن مصلحته ويبيعه للتاجر الأعلى سعرا. ولم تجد الحكومة أمامها سوى استيراد الأرز الهندي، وهو اقل جودة من المصرى ولا يستسيغه المواطن ، قصة الأرز تشبه قصة القطن سواء فى التصدير او الاستيراد او التوريد ، تارة حظر تصدير ، وتارة أخرى فتح باب التصدير والقرار يتخذ بفعل ضغوط أصحاب المصالح والمستفيدين . عموما سعر كيلو الأرز للمستهلك فى الأسواق الآن بين 6 و7 جنيهات، ومازال توريد المحصول الجديد مستمرا لكن الأزمة تتكرر كل عام، طالما انه لا تطرح أى حلول واقعية وجذرية. «تحقيقات الأهرام» طرحت الموضوع على أطراف المشكلة فماذا يرون ؟ يقول الدكتور محمود العميرى (الأستاذ المتفرغ بمركز البحوث الزراعية والمدير الاسبق لمعهد بحوث المحاصيل) : نحن الآن بصدد إعداد دراسة عن مستقبل الأمن الغذائى والمحاصيل الزراعية، ومنها الأرز فى ظل مشكلة سد النهضة وندرة المياه ، والأرز هو من أكثر المحاصيل التى ستتأثر بسبب احتياجه الشديد للمياه ، غير باقى المحاصيل ، وهذا ما دفع الباحثين بمركز البحوث الزراعية لاستنباط سلالات جديدة قليلة الاستهلاك للمياه تستهلك 6000 متر مكعب للفدان وهذا انجاز ، ومقاومة للامراض والآفات والملوحة وتعطى انتاجية اعلى للفدان ، وأيضا أرز هجين يعطى 6 أطنان للفدان، وهذه السلالات تخضع للتجربة حاليا قبل تزويد المزارعين بالتقاوى الخاصة بها . ويصف مشكلة الأرز بأنها مشكلة سياسات بالدرجة الأولى ، لكن الحقيقة انه المحصول الوحيد الذى يمكن القول ان المعروض منه أعلى من الطلب بحوالى 5% ، فالمساحة التى حددت للزراعة مليون و 350 ألف فدان لكن المساحة الحقيقية التى تمت زراعتها مليون و850 ألف فدان ، هذا الفارق حوالى نصف مليون فدان تمت زراعتها بالمخالفة ، برغم الغرامات التى تفرض والقانون ، لكن لا يوجد رادع حقيقى او تفعيل للعقوبات ، وحتى فى ظل عدم وجود مياه للرى يقوم المخالفون بحفر بئر لاستخدام مياهه فى الري، رغم خطورة ذلك على الأرض ، فبعد سنوات قليلة تزداد ملوحتها وتصبح غير صالحة للزراعة وتتعرض للبوار ، ويستغل اصحابها ذلك فى تحويلها لأرض مبان ! لماذا يصر الفلاح على المخالفة ويزرع الأرز ؟ يجيب الدكتور محمود : الأرز المصرى به مميزات عديدة ، ولا يزرع سوى فى عدد محدود من الدول مثل ايطاليا، وهو أعلى جودة من الارز الهندى والباكستانى ، كما أن نسبة البروتين به أعلى ونسبة الكسر أقل، ومصر تحتل المرتبة الأولى فى العالم لانتاج الأرز، الفدان يعطى 4.1 طن ، لكن الميزة بالنسبة للفلاح فى أن هذا المحصول بالذات يحتاج أسمدة اقل من أى محصول آخر، وخدمة أقل فى زراعته، وعماله اقل ، حتى التقاوى يقوم الفلاح بحفظ بعض السنابل ويستخدمها كتقاو فى الزراعة ، ناهيك عن انه سلعة يمكن تخزينها لفترة دون ان يصيبها تلف ، وبذلك تحقق للمنتج اعلى ايراد أو عائد ولهذه المزايا يقبل الفلاح على زراعتها ، وعيبها الوحيد كمية المياه التى يحتاجها فى الرى . أما قصة التسعير فتحددها الحكومة وفقا للتسعير العالمى ، وهى تاره تغلق باب التصدير لكى يتوافر المحصول محليا ، فيقوم المصدرون من خلال التجار بجمع المحصول فى فترة وجيزة بسعر أعلى من سعر الحكومة لتعطيش السوق ولى ذراع الحكومة لكى ترضخ لابتزازهم وتفتح باب التصدير فتفعل ذلك بعد ضغوطهم وتستورد البديل من الهند . وفى رأيى يجب وقف استيراد الأرز و حظر التصدير مهما كانت الضغوط ، وبذلك يضطر المصدرين لطرح مالديهم من مخزون ، وتقليل المساحة المزروعة فى تصورى ايضا ان تتوقف الحكومة عن تسعير المحاصيل وتسويقها لأنها من البداية كفت يدها وحررت اسعار مستلزمات الانتاج ، ولم تدعم الفلاح ، فتتركه يقوم بتسويق محصوله بنفسه ، ولا تجبره على التوريد . الحبس وليس الغرامة يرى محمد عبدالمجيد سالم ( رئيس مجلس ادارة جمعية السلام التعاونية بمركز بدر محافظة البحيرة ) اذا اردنا حل مشكلة الارز نهائيا هناك خطوات عدة على الحكومة اتخاذها وهى تسرى على كل المحاصيل وليس الأرز فقط ، أولا : أن تحدد الحكومة المساحة المزروعة بالأرز ، والمحافظات التى ستزرع والأخرى الممنوعة من زراعته ، وأن تطبق القانون على المخالف وتجعل العقوبة الحبس وليس الغرامة فقط كعنصر ردع لأننا بصدد أزمة مياه . ثانيا : قبل موعد جمع المحصول تحدد الحكومة سعر التوريد، وان يحقق هذا السعر ربحية للمزارع ، وتحدد الجهة المنوطة بذلك وأيضا الجهة المسئولة عن الصرف ، والحقيقة أن السعر الذى كانت قد حددته الحكومة لتوريد الأرز وهو 2400 جنيه للطن كان أقل من التكلفة الحقيقية 2500 جنيه وتم رفع السعر مؤخرا وسواء فتحت الحكومة باب التصدير أو اغلقته يجب أن تكون جادة وقبل ان تتخذ القرار تراعى مصلحة الفلاح والمواطن قبل مصلحة التجار والمصدرين ، ويا حبذا لو سعت الدولة لاصدار وثيقة تأمين على الفلاح الذى يمثل الحلقة الضعيفة من مخاطر الزراعة ، ونحن نرى ما تفعل به السيول سنويا من تجريف للأرض الزراعية ونفوق المواشى والثروة الحيوانية والميكنة الزراعية ، وقتها ستتكفل شركات التأمين بدفع التعويضات بدلا من الدولة ، على أن يتم دعم الوثيقة بحيث يتحمل الفلاح نصف الأقساط والدولة النصف الآخر . الزراعة أولا يطرح الدكتور يسرى الهوارى (عضو شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات وصاحب مضرب أرز): حلولا للمشكلة لكنه فى البداية يؤكد حقيقة ألا وهى ان المزروع من الارز أكثر من المطلوب للاستهلاك طالما هناك حظر تصدير ، ثانيا : الفلاح مظلوم لأن الحكومة لا تدعمه بمستلزمات انتاج وأسمدة ، فعلى أى أساس تحدد التسعير؟ نأتى للتاجر أو ما يقال انه الحلقة الوسيطة فى السلسلة ونصفه بأنه المحتكر وهذا يقال لمن يستحوذ على 40% من الانتاج ، فهل يوجد تاجر لديه هذه النسبة ؟ ولو فرضنا انه موجود يمكن للحكومة أن تستورد لتقطع عليه الطريق فيضطر لتخفيض السعر خاصة إذا لم يسمح بتاتا بالتصدير . فالتاجر يعرض على الفلاح 300 جنيه زيادة فى الطن عن الحكومة فلماذا لا ترفع الدولة السعر وتقطع الطريق على التاجر؟ كيف تحل الحكومة مشكلات الزراعة؟ اذا أردنا حل مشاكل المحاصيل قمح وقطن وارز وذره فلابد ان تهتم الدولة بملف الزراعة وان تصحح الحكومة علاقتها بالفلاح , وأقصد دعم مدخلات الانتاج التى يستخدمها الفلاح فى الزراعة مثل الأسمدة والتقاوى والمياه ، وتحديد سعر عادل للمحصول يضمن له عائدا مربحا ، لكن بصراحة السياسة الحالية لا تشجع الفلاح ، ولذلك هو يبحث عن مصالحه حتى لو كانت مع التاجر ، أما ما تقوم به الحكومة من دور فى التسعير والتداول ، فهى مجرد مسكنات وليست حلولا . يقول فاروق هاشم ( مزارع من محافظة المنوفية ) : الفلاح يعانى فى الحصول على الأسمدة والتقاوى والمياه ، والأسعار مرتفعة ، وحتى العمالة أصبحت مشكلة لأن أغلب الأولاد فى المدارس ، والمتوافر منهم أجورهم أصبحت مرتفعة ونضطر لهم عند جمع المحصول . والفلاح يزرع ويحصد ويعانى فى تسويق المحصول وبيعه لأن الحكومة تعرض سعرا غير مغر، ويواجه مشاكل حتى يتم تسلم محصوله والحصول على فلوسه ، فى نفس الوقت الذى يعرض فيه التاجر سعرا أعلى ودفعا فوريا ومن غير مشاكل ، ومن الطبيعى توفيرا للتعب قبول من يعطى السعر الأعلى الذى يعوضنا عن تكلفة الزراعة . يوافقه فى الرأى عبد الستار محمود ( مزارع ) قائلا : منذ سنوات تم إهمال شئون الزراعة والمزارعين ، وتخلت الحكومة حتى عن سماع شكاوانا بدلا من ان تدعمنا ، وتوفر حماية اجتماعية لنا كشريحة كبيرة فى المجتمع . ويطالب خيرى أبو الحسن ( مزارع) : الدولة بالاهتمام بالفلاح لأنه عصب هذه الأمة، والاهتمام يكون بتوفير ضمان اجتماعى له بتقديم القروض بشروط ميسرة ، ورعاية وتأمين صحى له ولأسرته .