يمكن أن يقال عن عام1957 إنه بداية عصر الفضاء, إذ انطلقت فيه سفينة الفضاء السوفييتية المسماة سبوتنك1 في4 أكتوبر من ذلك العام ثم احترقت في4 يناير1958 بعد رحلة طولها60 مليون كيلومتر أو37 مليون ميل في ثلاثة أشهر. إلا أن انطلاق تلك السفينة قد أحدث أزمة في أمريكا أطلق عليها أزمة سبوتنك, إذ بعدها اشتعل سباق الفضاء الذي أصبح جزءا جوهريا من الحرب الباردة, فقد كان من شأنه أن أطلقت أمريكا في30 يناير1958 سفينة فضاء أطلقت عليها اسم اكسبلورر. وبعد ذلك توالت الرحلات السوفييتية والأمريكية لغزو الفضاء. والسؤال إذن: ما مغزي غزو الفضاء؟ نجيب بسؤال: ما الفضاء؟ هو المنطقة الواقعة خارج جو الأرض, أو هو كل الكون وراء المجموعة الشمسية, أو هو الفضاء الكوني. والفضاء الكوني أشمل من أي فضاء آخر. غزو الفضاء إذن يتم علي مراحل, بدايتها غزو الفضاء خارج جو الأرض. وهذا ما تقوم به التكنولوجيا المعاصرة وما تستلزمه من بقاء الانسان في الفضاء أشهر أو سنوات. أما غزو الفضاء الكوني فيستلزم تعود الانسان علي الحياة في الفضاء, وهذا من شأنه أن يحدث تغييرا جذريا في الانسان ينبئ ببزوغ نوع جديد يكون في مقدوره تمثل الكون ذي الأبعاد الأربعة, أي الزمكاني الذي تنبأ به أينشتين. ومن شأن هذا التمثل أن يسمح للانسان برؤية الأحداث قبل أن تقع فتزول غربته عن الكون. وعندئذ يبدأ هذا الانسان الفضائي أو بالأدق الكوني في البحث عن بنية الكون. وهذا ما لم يحدث من قبل, إذ اكتفي العالم الفلكي البولندي كوبرنيكس(1473-1543) بنظريته القائلة بدوران الأرض حول الشمس, ثم انحاز العالم الفلكي الإيطالي جاليليو(1564-1642) إلي نظرية كوبرنيكس مع اضافة اكتشافه لقانون حركة الأجسام. فحركة الجسم, في رأيه, تستمر بنفس السرعة كلما أزلنا العوائق الخارجية. أما نيوتن فشهرته مردودة إلي اكتشافه قانون الجاذبية الذي يفسر حركة الأجسام والأفلاك. وأظن أن هؤلاء العلماء الثلاثة قد أحدثوا ازعاجا للأصوليين الذين يلتزمون حرفية النص الديني. ومن هنا صودر كتاب كوبرنيكس المعنون عن دوران الأفلاك, وحوكم جاليليو, وأحجم نيوتن عن التشكك في الزمان المطلق والمكان المطلق خشية أن يتهم بالتشكك في المطلق بوجه عام. ومع ذلك فقد أحدث غزو الفضاء تطويرا في المفاهيم اللاهوتية, إذ أصدر أسقف وولوش بانجلترا جون روبنسون كتابا في مارس1962 عنوانه لنكن أمناء لله يقع في141 صفحة. وقبل صدوره بأسبوع نشر مقالا في جريدة الأوبزرفر تحت عنوان صورتنا عن الله يجب أن تتغير. وعندما نشر الكتاب صدرت منه تسع طبعات في ذلك العام وبيع منه350000 نسخة. ثم توالت بعد ذلك مؤلفات من لاهوتيين آخرين لاستكمال مسار روبنسون. وفي مصر انعقدت ندوة في أول سبتمبر1997 قال فيها رئيس الكنيسة الانجيلية القس الدكتور صموئيل حبيب إن الله فوق الأديان. وكان تعليقي أن هذه العبارة تستلزم القول بأن الأديان نسبية. واذا كان البحث في بنية الكون يستلزم البحث في بنية علم اللاهوت فانه يستلزم بالضرورة البحث في مستقبل بنية الانسان. وبنية الانسان لن تكون علي الوضع القائم إنما ستكون علي وضع قادم يتسم بدخول الانسان في وحدة مع الكون بحيث يبزغ انسان جديد هو الانسان الكوني الذي يمتنع معه الاحساس بالاغتراب عن الكون. المزيد من مقالات مراد وهبة