رئيس الوزراء يعقد لقاءً مُوسعًا مع المستثمرين وأصحاب الشركات الناشئة    أسعار سيارات شانجان 2024 في مصر.. الأسعار والمواصفات والمزايا (التفاصيل كاملة)    برلماني: موقف مصر من القضية الفلسطينية تاريخي وراسخ    الشناوي على الدكة| تعرف على بدلاء الأهلي لمواجهة الترجي بنهائي دوري الأبطال    لفتة طيبة في مدرجات الأهلي قبل مباراة الترجي التونسي بدوري أبطال إفريقيا    صدمة جديدة ل تشواميني بسبب إصابته مع ريال مدريد    السجن المشدد 15 عاماً لمتهمة بالانضمام لخلية المنيا الإرهابية    فى حب « الزعيم»    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتفقد مشروعات العلمين الجديدة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    «إسرائيل.. وقرارات القمة» (1)    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلاً.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده    دخول قانون التجنيد "المثير للجدل" حيز التنفيذ في أوكرانيا    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    خطة اغتيال عادل إمام.. المُكلف بالتنفيذ يروي الكواليس    تفاصيل اجتماع وزير التعليم ومحافظ بورسعيد مع مديرى الإدارات التعليمية    الزمالك يختتم تدريباته استعداداً لمواجهة نهضة بركان في إياب نهائي الكونفدرالية    رسميا.. نافاس يبقى في إشبيلية "مدى الحياة"    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    حادثه خطيرة.. تامر حسني يطالب جمهوره بالدعاء ل جلال الزكي    من بينهم أجنبى.. التحقيقات مع تشكيل عصابى بحلوان: أوهموا ضحايهم بتغير العملة بثمن أقل    السكك الحديد تعلن تشغيل قطارات إضافية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    خطوات مطلوبة لدعم المستثمرين والقطاع الخاص    6 عروض مجانية بإقليم القناة وسيناء الثقافي    فصائل فلسطينية تعلن استدراج قوة للاحتلال.. وقتل 5 جنود وإصابة آخرين    يوم عرفة.. ماهو دعاء النبي في هذا اليوم؟    أعراض الذبحة الصدرية عند الرجال والنساء، وما هي طرق علاجها؟    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    عاجل.. تقارير سعودية تكشف كواليس انتقال أحمد حجازي إلى الأهلي    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    «لابيد» يأمل أن يغادر «جانتس» الحكومة الإسرائيلية.. والأخير يلقي كلمة مساء اليوم    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    جامعة مصر للمعلوماتية.. ريادة في تطوير التعليم الفني    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين «السدّ العالي» و «سبوتنك»
نشر في أخبار مصر يوم 02 - 10 - 2007

في الرابع من تشرين الأول (اكتوبر) 1957، استهلت كرة معدنية تتدلى منها لواقط كأنها قرون استشعار؛ تاريخاً جديداً للبشرية. كيف نقرأ، بعد نصف قرن، تلك الصفحات المديدة التي سُطرت في الفضاء الخارجي والتي شَكّل القمر الاصطناعي «سبوتنك1» مطلعها؟ ربما يسهل رصد تلك البداية، إذ أطلق القمر الاصطناعي السوفياتي إشارات عبر موجات الراديو أثناء دورانه حول الأرض، فأسمع البشرية صوتاً آتياً من مكان لم تعتده سابقاً.
كيف يبدو ذلك الحدث الفضائي عند مستهل القرن 21، بعد أن لامست أرجل البشر أرضاً خارج كوكبهم الأزرق (القمر)، ومشت الأرجل المعدنية للروبوت («سوجورنر») على كوكب سيّار غير الكرة الأرضية (المريخ)، وخرجت مركبة فضائية («فوياجر») من أسر جاذبية الشمس وقوتها التي تُمسك بنظام الكواكب السيّارة الذي تنتمي إليه أرض البشر، وتطلع تلسكوب فضاء («هابل») إلى أطراف نائية في الكون ليراقب ولادة نجوم وشموس، ووُضِعت أفضل نظريات الإنسان المُعاصر عن الكون (النظرية النسبية لألبرت آينشتاين) قيد تجربة كبرى ففاجأتها «المادة السوداء» Black Matter وطاقتها وقواها بما يدفعها إلى تجديد التفكير في ما تعرفه عن الكون ومادته وتراكيبه وقواه وغيرها من الإنجازات العلمية المرتبطة بالفضاء وعلومه! يمكن المضي بالتعداد طويلاً، ما يشير إلى أن مغامرة اكتشاف الكون، التي استهلها «سبوتنك» مملوءة بما يحث الفكر على تفحصها وقراءتها مراراً. (أُنظر المربع «كرونولوجيا وجيزة لنصف قرن من اكتشاف الكون»).
وبالنظر إلى التحوّل الكبير الذي استهله «سبوتنك 1»، تؤشر إلى يوبيله الذهبي مجموعة كبيرة من الأنشطة العلمية والفنية والفكرية. ولعل الحدث الأبرز تمثّل في إدراج «وكالة الفضاء الأوروبية» تلك الذكرى ضمن سلسلة احتفالاتها ب «خمسين سنة على أوروبا» بمناسبة مرور نصف قرن على توقيع «اتفاقية روما» (1957)، ومعاملتها باعتبارها حدثاً أوروبياً. ففي 14 أيلول (سبتمبر)، انطلقت المركبة الروسية «فوتون 3»، التي تعمل بوقود غير تقليدي، لتحمل مختبراً أوروبياً - عالمياً وزنه 400 كيلوغرام يحتوي معدات جُهزت لإجراء 43 تجربة علمية، تتركز على حياة الخلية الحيّة في الفضاء الخارجي وكيفية تأقلمها مع التغيير في قوى الجاذبية. واستمرت المركبة ومختبرها في التحليق على ارتفاع 300 كيلومتر فوق الأرض، لمدة 12 يوماً، قبل أن تعاود الهبوط بسلام في مدرجها في قاعدة «بايكونور» في كازاخستان، التي تُشرف عليها «وكالة الفضاء الروسية». وبذا، سجّلت أوروبا حدثاً فضائياً علمياً استثنائياً لأنها المرة الأولى التي تتشارك مجموعة كبيرة من الدول، شملت روسيا وألمانيا وكندا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا، في تجارب فضائية متداخلة. وبحسب المثل الروسي الشهير، فقد جرى كثير من المياه تحت الأنهار في نصف قرن. وبعد أن كان رمزاً لبداية عصر التنافس بين القوى الجبارة على الأرض في ميدان الفضاء، يستقر «سبوتنك» مُعلقاً في سقف بيت الثري الأميركي، غاي ولكر، من مدينة «ريغفيلد» من ولاية «كونكتيكت». والطريف أن ولكر موّل فيلماً سينمائياً عنوانه «سبوتنك مانيا» (وترجمتها «هوس سبوتنك»)، من المقرّر إطلاقه بالتزامن مع الذكرى الخمسين للقمر الاصطناعي الشهير. وعلى الجانب الروسي، الذي ورث الكثير من خيالات الاتحاد السوفياتي السابق، يُشارك غريغوري غريتشكو في احتفالات وكالة الفضاء الروسية بالمناسبة. والمعروف أنه صديق لرائد الفضاء الأول يوري غاغارين، ويُفاخر بأنه احتسب بدقة مسار «سبوتنك1». وتلاقي الذكرى زمناً بات الفضاء فيه محلاً لأنشطة متنوعة، بعد أن كان مجرد الوصول إليه إنجازاً علمياً بارزاً. فمثلاً، تستعد «محطة الفضاء الدولية» لاستقبال الجيل الثاني من رواد الفضاء عندما يصلها ريتشارد غاريت بصفته سائحاً كونياً دفع مبلغ 32 مليون دولار لقاء تلك الرحلة. والحق أنه ابن رائد الفضاء الأميركي أوين غاريت الذي أمضى 63 يوماً في محطة «سكاي لاب» في العام 1973. والمفارقة أنه يصلها محمولاً على المركبة الروسية «سويوز»، في ملمح آخر من انقضاء زمن الصراع في الفضاء، وتحوّله إلى نوع من المنافسة. والمعلوم أن «محطة الفضاء الدولية» وُلدت في مناخ انتهاء ذلك الصراع أيضاً. وفي سياق متصل، تسعى الهند للانضمام إلى «محطة الفضاء الدولية»، في زمن يشهد انتشاراً لمحطات إطلاق الأقمار الاصطناعية، التي صارت في متناول دول مثل الهند والصين واليابان، بعد أن كانت حكراً على الدول الكبرى. وكذلك تستعد الهند لإرسال رحلتها الفضائية المأهولة الأولى في العام 2015. وتخطط بلاد المهاتما غاندي لمشاركة روسيا في صنع محطة فضاء مخصصة للأبحاث العلمية؛ كما تتشاركان مشروعاً لصنع مركبة فضاء تستعمل الطاقة الشمسية للوصول إلى القمر. والمعلوم أيضاً أن الولايات المتحدة تُخطط لإرسال المركبة «بيغل» في رحلة مأهولة إلى ذلك التابع المنير مع حلول العام 2012 وذلك ضمن خطة الفضاء التي أعلنها الرئيس جورج بوش قبل بضعة أعوام.
منذ خريف العام 1957، لم تصعب قراءة تلك العلاقة المتشابكة بين العلم والسياسة. وعند إطلاق «سبوتنك»، كانت الأرض في قبضة الصراع الهائل الذي اندلع غداة الحرب العالمية الثانية بين قوتين جبارتين: الولايات المتحدة كقائدة للمعسكر الغربي المؤمن بالرأسمالية والديموقراطية؛ والاتحاد السوفياتي على رأس كتلة من الدول ترفع الاشتراكية شعاراً لتجربتها في السياسة والعيش، وتؤمن بتجربة الحزب الواحد ومشتقاتها.
اختتمت الحرب العالمية الثانية على صورة مريعة من الدمار الذري، الذي لم يكن ممكناً من دون العلم، وتحديداً علوم الفيزياء النووية. وقادت كوكبة من أبرز علماء الأرض، ترأسهم الايطالي - الأميركي أنريكو فيرمي وأيدهم العالم الشهير ألبرت آينشتاين عملية صنع القنبلة الذرية التي ضربت هيروشيما وناغازاكي. لقد صنعت تلك القنبلة الهائلة القوة بأيدي علماء، ونُفذت بالارتكاز الى نظرية آينشتاين عن المادة والطاقة. ومع الذرة، أعطى العلم للدولة الحديثة قوتها الأضخم. ومنذها، دخل العلم في صورة مباشرة إلى قلب صورة القوة للدولة الحديثة وسطوتها. وخيضت الحرب الباردة، التي امتدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى تسعينات القرن العشرين، على جبهة العلم بشراسة اشد مما شهدته جبهات المواجهة الأُخرى.
وفي المقابل، حمل الأمر سيطرة هائلة للدول الكبرى على مسار العلم، ما جعل النقاش عن علاقة العلوم مع الحضارة الإنسانية وفكرها أكثر تعقيداً. وفي حال «سبوتنك»، افتتح سباق هائل للسيطرة على الفضاء، ولإبراز تفوق أحد المعسكرين على الآخر. وزاد في حدة ذلك الصراع، أن الرحلات الفضائية تعتمد بصورة وطيدة على التقدم في علوم الصواريخ، التي هي سلاح عسكري أيضاً. وتعتبر صواريخ الفضاء الحدّ الأعلى علمياً للتقدم في ذلك المضمار. ومثلاً، لم يتأخر الاتحاد السوفياتي السابق في إظهار تفوقه في القدرة على إطلاق الصواريخ العابرة للقارات من منصات متحركة، مقابل الاعتماد الأميركي على المنصات الثابتة لإطلاق ذلك النوع من الصواريخ. ولا يخفى التطابق بين الصراعين السياسي والعلمي في الفضاء، عند استرجاع الأحداث التي رافقته. فقد ربط كثيرون بين إطلاق «سبوتنك» وبين المأزق السوفياتي الذي نجم عن التدخل العسكري المباشر في المجر لقمع «انتفاضة بودابست» للعام 1956.
ويلفت أن قائد تلك الانتفاضة، رئيس الوزراء ناجي ايمري، أُعدم بعد مضي أقل من سنة من إطلاق «سبوتنك1». ويرى بعض منظري اليسار أن الفكر الاشتراكي فقد قوته الاخلاقية والفلسفية مع الستالينية، وأنه بدا شبه مُفلس مع التدخلات العسكرية السوفياتية في الدول الاشتراكية في خمسينات القرن الماضي وستيناته، أي في ذروة الصراع على الفضاء وعلومه. ويميل البعض للقول إن تجربة الاتحاد السوفياتي تثبت فشل محاولة الاستعاضة عن الفكر والثقافة والتقدم الحضاري؛ عبر تنمية مظاهر القوة مثل العسكر والفضاء والقنابل النووية وحتى... الرياضة.
ولما استندت «التجربة الاشتراكية» الى القوة، بدا مسارها معلقاً على استمرار تفوقها في الهيمنة. وهكذا، فعندما فشلت المركبة السوفياتية «لونا 9» في استباق وصول المركبة الأميركية «أبوللو11» إلى القمر في العام 1969؛ بدا ذلك وكأنه نذير تفوق أميركي كاسح في ميدان السياسة أيضاً. لقد مثّل الفضاء صورة عن حال الأرض وقواها وتوازناتها، فما ان سقط التقدم السوفياتي فضائياً حتى حل الخلل في أحواله كلها. والحال أن عقد السبعينات حمل نُذراً متوالية عن مأزق التجربة الاشتراكية. ومع الثمانينات، بدا الاتحاد السوفياتي وكأنه فاقد الحَول أمام العولمة التي حملت معها تفوقاً أميركياً كاسحاً في مضمار المعلوماتية وعلوم الكومبيوتر والشبكات الرقمية والاتصالات المتطورة وعلوم الجينات البيولوجية وغيرها. ثم تمدّد التفوق الأميركي، مترافقاً مع سقوط الاتحاد السوفياتي ومستمراً بعده، في إنجازات تشمل إطلاق تلسكوب الفضاء «هابل»، وإرسال ثلاثة روبوتات الى المريخ، وتفكيك الشفرة الوراثية الكاملة للانسان (ولجمع من الكائنات الحية) عبر مشروع الجينوم، وإرسال تلسكوبات تلتقط الاشعة الكونية المتلبثة منذ بداية التشكّل الكوني قبل بلايين السنوات وغيرها.
هل يمكن القول ان تلك التجربة تثبت أن التفوق في القوة (بما فيها العلوم) لا يكفي وحده لإسناد التجارب الإنسانية الكبرى في الأزمنة الحديثة، والتي تخوضها دول عملاقة؛ كما أن التفوق الذي حمله «سبوتنك» لم يدم طويلاً ولم يكن كافياً لإدامة سطوة النموذج السياسي الذي أطلقه؟ وهل يرجع ذلك، ولو جزئياً، الى أن العلم معطى انساني متبدل باستمرار؟ فمثلاً، تصعد دولة مثل الصين في ميزان العلم باستمرار، بل انها باتت الحاضن الرئيسي لعلم النانوتكنولوجيا Nanotechnology، فهل سيصعد ذلك بها في ميزان السياسة والاقتصاد؟ وهل يكفيها ذلك الصعود لصنع تجربة إنسانية كبرى؟ الأرجح أن هذه المسائل بحاجة الى تأمل من نوع آخر.
بين «السدّ العالي» و «سبوتنك»
لا تهدف المقارنة بين «السدّ العالي»، المشيّد على النيل في مدينة أسوان المصرية، الى استعادة غير مباشرة لعهد الرئيس السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف، الذي شهد عهده كلا الانجازين ونهض بأمرهما، مع اسهام مصري كبير في حال السدّ النيلي. ثمة شيء آخر، إذ يقدم كلاهما مثالاً عن رواية العلم وطرقه في اكتشاف الكون وقواه. يحتجز السد العالي مياه النيل، ويقدم القوة الكهربائية إلى مصر. في معنى ما، يبدو ذلك النهر الهائل وكأنه خزان كبير لطاقة كامنة في مياهه وحركتها، هي الكهرباء في هذه الحال. عندما أطلق «سبوتنك»، كان العلم قد فرغ تواً من البرهنة على وجود قوى هائلة كامنة في الذرة، كما برهنته القنبلة الذرية.
ما الذي يستفيده العلم، باعتباره معطى في الفكر الإنساني، من الفضاء في هذا المعنى؟ ثمة خيط رفيع، يمكن الإمساك ببدايته عند آينشتاين. لقد شكّلت معادلته عن العلاقة بين المادة والطاقة مدخلاً لصنع القنبلة الذرية، أي لإطلاق القوة الكامنة في المادة المُشعة. وسرعان ما تبلورت رؤية عن الذرة ترى أنها تحتوي على أنواع من القوى، مثل القوة الكهرومغناطيسية الشائعة الاستعمال في الراديو والتلفزيون والرادار والكومبيوتر والخليوي وغيرها. ويتضمن الذهاب الى الفضاء، تعاملاً مع القوى التي تربط كواكبه وشموسه وكويكباته ونيازكه وإشعاعاته وغيرها. ولكنها تتضمن شيئاً آخر: البحث عن هوية الأرض وبالتالي عن هوية الكائن الانساني. لقد أدى التعامل مع القوى الكونية الى اكتشاف المادة السوداء وقواها، ما أطلق علماً من نوع جديد.
وكذلك، فإن تقدم الانسان في الفضاء يضع تصوراته عن تشكل النظام الشمسي، الذي تنتمي إليه الأرض، بل وتشكل الكون عموماً، على محك التجربة. وبمعنى آخر، فإن الفضاء يختبر رؤية العلم عن القوى الموجودة في المادة وكذلك روايته عن الطريقة التي ظهرت في المادة وتراكيبها وقواها. تعطي نظرية «البيغ - بانغ» مثالاً عن ذلك، لكنه مثال يتعرض للمزيد من النقد، خصوصاً مع التقدم في فهم المادة السوداء وقواها. ويثبت الأمر أيضاً بعداً مهماً في العلم، وهو أنه لا يحترم النظريات الثابتة وأن معطياته و «حقائقه» متغيّرة باستمرار. وتلك الأشياء تجعل مقولة مثل «سيطرة الإنسان على العالم» موضع شك كبير. وكذلك يطرح نصف قرن من اكتشاف الفضاء سؤالاً مؤرقاً عن مدى مواكبة الفكر الإنساني للاكتشافات العلمية، وعن القدرة على الاستناد إلى تلك المنجزات لصنع وعي بشري أكثر تقدماً واستنارة وإنسانية.
كرونولوجيا وجيزة لنصف قرن من اكتشاف الكون
4 تشرين الأول (اكتوبر) 1957: القمر الاصطناعي الأول «سبوتنيك» يدور حول الأرض، ويبث إشاراته بموجات الراديو الى دولها، مفتتحاً مغامرة الإنسان في اكتشاف الكون، ومظهراً تفوق الاتحاد السوفياتي السابق في هذا الميدان. في مطلع الشهر عينه، أسّست أميركا «وكالة الفضاء والطيران» التي تعرف باسم «ناسا».
3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1957: الكلبة «لايكا» تصبح أول كائن حيّ يصل الى الفضاء الخارجي.
31 كانون الثاني (يناير) 1958: إطلاق القمر الاصطناعي الأميركي الأول «اكسبلورر1» الذي ينجح في التقاط أشعة «فان ألن» المنتشرة في الفضاء.
12 نيسان (أبريل) 1961: أصبح رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين أول انسان يدور حول الأرض. وفي 5 أيار (مايو) من العام نفسه، حاول الأميركي ألان شبرد أن يُكرّر إنجاز غاغارين، من دون نجاح. وبعده بأيام، ألقى الرئيس الأميركي جون كينيدي خطاباً تحدى فيه السوفيات في الوصول الى القمر، كما أطلق برنامج مراكب الفضاء «أبوللو» وصواريخ «ساتورن» لتحقيق تلك الغاية.
20 شباط (فبراير) 1962: دار الأميركي جون غلين حول الأرض، معادلاً ما أنجزه غاغارين.
18 آذار (مارس) 1965: مشى رائد الفضاء السوفياتي ألكسي ليونوف في الفضاء الخارجي.
20 تموز (يوليو) 1969: المركبة الأميركية «أبوللو 11» حملت رواد فضاء الى القمر، وبينهم نيل أرمسترونغ الذي صار أول إنسان يلامس أرضاً خارج كوكبنا، وقد أطلق عبارة شهيرة لوصف مشيه على القمر: «إنها خطوة صغيرة لإنسان لكنها قفزة كبيرة للإنسانية».
19 نيسان 1971: أطلق الاتحاد السوفياتي محطة الفضاء الأولى «ساليوت»، وعلى متنها 3 رجال، ووضعها في مدار ثابت كونياً.
14 أيار (مايو) 1973: أطلقت الولايات المتحدة محطتها الفضائية الأولى «سكاي لاب».
15 تموز 1975: كبسولة الفضاء الأميركية «أبوبو» تلتحم مع مركبة الفضاء السوفياتية «سيوز» في مصافحة رآها الكثيرون نهاية للسباق في الفضاء.
12 نيسان 1981: افتتحت أميركا عصراً فضائياً جديداً بإطلاقها المكوك الأول «كولومبيا».
28 كانون الثاني 1986: انفجر المكوك «تشالنجر» بعد إطلاقه بسبعين ثانية مودياً بحياة 7 رواد فضاء.
15 تشرين الثاني 1988: انطلاق رحلة المكوك السوفياتي الوحيد وغير المأهول «بوران» الذي عاد الى الأرض بعد دورتين حولها.
24 نيسان 1990: دخول عهد تلسكوبات الفضاء مع وضع التلسكوب «هابل» في مداره. بعد أشهر قليلة، استطاع «هابل» إرسال صور مُذهلة عن تكوّن النجوم في عمق الكون، مُسجلاً سبقاً علمياً بارزاً. ومن المقرر أن يستمر في العمل حتى العام 2012.
20 تشرين الثاني 1998: في حدث عكس انقلاب أجواء سباق الفضاء الى تعاون بين الدول المتنافسة، أطلقت روسيا المركبة «زاريا» لتكون القطعة الأولى في مشروع «محطة الفضاء الدولية» الذي تتشارك فيه جهات كثيرة من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبرازيل. وراهناً، تسعى الهند للالتحاق بهذه الشراكة.
4 شباط 2003: انفجر المكوك «كولومبيا» لدى عودته الى الأرض، مع مصرع رواده السبعة.
15 تشرين الأول 2003: أصبحت الصين ثالث دولة ترسل إنساناً الى الفضاء.
كانون الثاني 2004: أطلق الرئيس جورج بوش خطته للمرحلة المقبلة من اكتشاف الفضاء، وتتضمن بناء قرى قمرية ورحلات مأهولة الى المريخ. وتعهد بعودة بلاده الى القمر مع حلول العام 2020.
2007: في ظل حمى بناء محطات إطلاق صواريخ الفضاء ومركباته، التي شملت اليابان والصين والهند، أعلنت الدولتان الأخيرتان تحالفهما لوضع محطات فضاء علمية في مدارات كونية مع حلول العام 2020.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.