يبدو أن البشرية قد أحست بدنو الأجل وقرب النهاية لذا قررت أن تسجل تراثها الإنساني في كافة المجالات وترسله إلى الفضاء الخارجي ربما يصادف كائنات عاقلة تستفيد من هذا التراث بدلا من فنائه مع فناء البشرية الذي بدا قريبا بسبب ممارسات بني البشر الخاطئة. منظمة اليونسكو قررت التصدي لهذه المهمة أطلقت على مشروعها أسم "كيو" ليكون مشروع القرن الواحد والعشرين والمشروع عبارة عن قمر صناعي سيطلق في نهاية عام 2007 في الفضاء الخارجي حاملا معه على متنه رسائل من الإنسانية وتستغرق رحلته حوالي 500 قرن يدور خلالها حول كوكب الأرض ووفقا لتصميمه العالي التقنية سيدور هذا القمر سالما إلى الأرض بعد 500 قرن ليقدم لعالم الغد صورة عن عالم اليوم والرسائل الإنسانية التي سيحملها القمر ستكون ضمن مشروع جماعي يتوجه إلى كل إنسان يعيش في هذه العالم ويدعوه إلى الكتابة عن حياته معبرا عن فكره وقيمه وآماله ومخاوفه وتوقعاته في مساحة 4 صفحات باللغة التي يريدها وستسافر هذه الرسائل على متن هذا القمر إلى الفضاء الخارجي. وقررت منظمة اليونسكو تخصيص قسم خاص في القمر "كيو" يسمى مكتبة الإسكندريةالجديدة يضم ملخص لما توصلت إليه البشرية من علوم ومعارف وتراث وثقافات وعادات وقوانين وسيتم إسناد مهمة اختيار المواد العلمية التي سيتم إدراجها في هذه المكتبة إلى لجنة تضم نخبة من العلماء والأساتذة المتخصصين على مستوى العالم في كافة فروع العلم والمعرفة بالإضافة إلى ممثلين للأديان والثقافات واللغات المختلفة. وسيتم انتقاء العناصر التي تعكي الصورة الحقيقية للإنسان في القرن الواحد والعشرين على جميع الأصعدة وستكون مساحة المواد التي سيتم اختيارها مناسبة للمساحة الموجودة على الأقراص المدمجة التي سيتم تخزين هذا التراث الإنساني عليها. وتقول منظمة اليونسكو أن هذا التراث الإنساني سيساعد على إثراء الحوار بين الثقافات الموجودة على الأرض وبين العالم الخارجي في محاولة للرد على أسئلة مثل "من نحن؟" وكيف نصنع معا عالم يكون أكثر تناغما؟ وتقول اليونسكو أن مشروع "كيو" عملا هادفا يجسد ويمد جسور الحوار بين الثقافات المختلفة لحماية كوكب الأرض وحتى تستمر الحياة على سطحه. ومشروع "كيو" يعتمد فقط على المساهمات المهنية والتطوعية حيث المشاركة تكون مجانا بداية من تصميم وتصنيع القمر ثم إطلاقه وانتهاءا بالتنسيق الآلي للرسائل المرسلة. وفور الانطلاق للفضاء الخارجي تدب الحياة في جناحي القمر وكأنه طائرا مهاجرا ومن خلال الجناحين سيستمد القمر طاقته من أشعة الشمس وفي الليل سيطويها عندما يحلق فوق النصف المظلم من الكرة الأرضية. وبعد 500 قرن من إطلاقه سيعود "كيو إلى مسقط رأسه الأرض وقبيل هبوطه سيشع القمر "كيو" نورا في السماء معلنا عن عودته للأرض. ساعتها سيرى أحفادنا شفق ذهبي اللون مبشرا بعودة تراث الأجداد الإنساني وبمجرد دخوله الغلاف الجوي سيتحرر القمر من دروعه الواقية لتظهر خريطة العالم لعام 2005 محفورة على غلافه الخارجي المصنوع من سبيكة التاتنيوم وسيكون القمر العائد على شكل الكرة الأرضية الأمر الذي سيدفع بفضول الأحفاد لفتح هذه الكرة القادمة من السماء فيكتشفون حينذاك مجموعة من الهدايا الأثرية. ومن هذه الهدايا مجموعة الأقراص الزجاجية المعالجة المحفور عليها بالليزر كل الرسائل التي دعى البرنامج كل سكان العالم إلى كتابتها لإرسالها مع "كيو" ولأن أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا اليوم في قراءة وتشغيل أسطوانات الليزر ستكون تكنولوجيا مندثرة عند عودة "كيو" إلى الأرض لذا تم إعداد خرائط توضيحية ترشد برموز بسيطة وتفصيلية إلى طريقة تصنيع جهاز يقدم بتشغيل وقراءة هذه الاسطوانات "CD" وبالتالي يسهل الإطلاع عليها من أحفادنا كما كان الحالي مع حجر رشيد لفك رموز الحضارة المصرية القديمة ومن خلال الأقراص المدمجة العائد على متن "كيو" سيجد الأحفاد معلومات عن الأوضاع السياسية والجغرافية والثقافية لكوكبنا في الوقت الحالي كما ستشمل على موسوعة مصغرة للكائنات الحية التي تعيش على الأرض واللغات التي يتحدث بها سكانها اليوم وملخص لما توصلت إليه البشرية من علوم ومعارف. هذه هي تفاصيل مشروع القرن للحفاظ على التراث الإنساني ننفرد بنشره وبقى أن نذكر بأن مبتكر فكرة "كيو" هو جان مارك فيليب وهو فنان تشكيلي وعالم فرنسي أصبح رساما وعرضت لوحاته في أكثر من 40 معرضا داخل وخارج فرنسا مثل مركز جورج بومبيدو ومتحف الفن الحديث في باريس.