يقول عنه البعض أنه مشروع سابق لأوانه، ويقلل آخرون من أهميته ، فى حين يعتبره آخرون مجرد دعاية ودرب من دروب الوهم، لا أثر له على أرض الواقع، لكن فى الميدان وقلب مواقع العمل فى العاصمة الجديدة تتكشف الحقائق وتغزل خيوط حكاية جديدة لشعب إذا أراد فعل. 3 آلاف عامل يسابقون الزمن ويصنعون التحدي، فى حرارة جو وصلت لأعلى معدلاتها خلال هذا الشهر، ويقاومون عطشهم فى نهار رمضان، و يروضون تربة عصية ، لانجاز حلم مصرى جديد، يعد قيمة اقتصادية ونقلة حضارية للتخفيف عن كاهل قاهرة المعز. على طريق السويس وبعد المرور على مدينة الشروق وبدر، يبدأ طريق الروبيكي، عند بئر جنداري، لنتوغل بعدها يمينا فى قلب الصحراء الشاسعة، لا يرشدنا سوى بعض اللافتات، و أعلام مصر مرفوعة فوق أكشاك و كرافانات تنتشر فى بعض نقاط الطريق. لنجد أنفسنا فى قلب منطقة تبدو كبقعة حياة وسط الصحراء الشاسعة الجافة، مكان ينبض بالعمل ويشغى بالبشر. مهندسون وعمال، فنيون واداريون، ينتشرون كل فى موقع عمله بحسب الشركة التى يتبع لها كل منهم و المخصص لها جانب من المشروع، عمائر بدأت ترى أساساتها النور، و أخرى تمتد بعمقها داخل تربة عصية، تقهرها أيادى مصرة على العمل و الانجاز. سيارات نقل تسير هنا و هناك حاملة معدات ورمال وأجهزة، لودرات تشارك فى العمل الجارى على قدم وساق. 168 الف فدان مطلوب تحويلها من صحراء جرداء إلى بقعة حياة وعمل ، منها 40 الف فدان تستوعب مقرات الوزارات ، و منطقة الحكم و الرئاسة و البرلمان و أرض المعارض، لتخفف عن كاهل قاهرة المعز ما يكتم أنفاسها ويزيد من ازدحامها، خاصة مع إضافة مشروعات سكنية فى الحى السكنى الثالث ( الشيخ محمد بن زايد) والمرافق الرئيسية به. يضاف لكل ذلك مدينة أكاديمية وأخرى ذكية و قاعة مؤتمرات ومشروعات سياحية، مخطط لها جميعا أن تنتهى خلال 18 شهرا. ورغم أن بداية العمل فى العاصمة الجديدة كان فى الثلاثين من شهر ابريل الماضي، اى منذ شهرين تقريبا، فإن حجم الانجاز يبدو مبشرا و أعمدة وأساسات العمائر تبدو فى حالة منافسة حامية الوطيس بين الشركات المختلفة، و حتى بين قطاعات الشركة الواحدة. وحين لفت نظرنا علم مصر على إحدى العمائر التى بدت أطول من جاراتها، عرفنا أنها مسابقة اتفق عليها بين الشركات لتحصل أولى العمائر والأكثر انجازا على مكافأة ويرفع عليها علم مصر، وكانت من نصيب شركة المقاولون العرب. شركات تتنافس، و تسابق الزمن، حتى يبدو سباق الانجاز جليا ينشر الأمل فى المكان. عمل وحياة مشروع قومى ضخم يعمل به نحو 3 آلاف عامل، فى ورديات ممتدة على مدى اليوم قبل و بعد الافطار. يقاومون حرارة الجو الشديدة، و عطش ساعات الصيام، وقسوة و عناد تربة جبلية و صخرية كانت عصية على الترويض، لكنهم بروح الإصرار و التحدى و قناعتهم بما يصنعون بأيديهم من عمل له أهميته الكبيرة، استطاعوا النجاح، بل قفزوا خطوات كبيرة على طريق تحقيق الحلم الذى أصبح واقعا بيد جنود اقتحموا الصحراء و روضوا الصخور و هذبوا التربة العنيدة. حسن الزيني، رئيس العمال، من أبو زعبل القليوبية وعبد النبى عبد الله من المنوفية وعماد محمد السيد ، يروون كيف كانت البدايات صعبة فى ظل صحراء جرداء لا ماء فيها و لا حياة، «كنا نتوه كلما أتينا هنا». عمال من الإسكندرية إلى أسوان قدموا إلى مكان عمل مجهول، واجهوا وحشة الصحراء وفراغها، حتى مهدت الطرق، و توفر الماء فى تنكات و خزانات، وأقيمت حمامات متنقلة و كرافانات للراحة وتغيير الملابس ومولدات للكهرباء. وبدأت ساقية العمل و التحدى تدور سريعا كما يشرح المهندس محمد سليمان، المشرف على تنفيذ المشروع، من هيئة المجتمعات العمرانية. عمال وفنيون يعملون حتى أيام الراحات ، بعضهم يقوم بإرساء الخرسانة، يلحقون الليل بالنهار ليتموا مهمتهم، يقاومون لهيب الشمس فى الصحراء البعيدة، و يحرصون على استمرار الصيام رغم الجهد الكبير. وحين تلتهب جلودهم وتحرقها حرارة الشمس، يلجأون لخراطيم الماء و خزانات المياه للتخفيف عن انفسهم. تجمعهم والمهندسين والإداريين نفس الروح و الحماسة كفريق عمل، يحقق حلما و يسهم فى تنفيذ مشروع قومى سوف يكون نقلة فى حياة هذا البلد كما يؤكد حسن الزينى قائلا: يكفينى فخرا ان اذكر لأبنائى واحفادى أننى شاركت فى مشروع العاصمة الجديدة مضيفا: « اللى عايز يشتغل هيلاقى شغل..بس يكون عنده استعداد للجد و التعب بجد» هنا عمال و مهندسون وفنيون ، حدادون نجارون، رجال يعملون بجد فى مشروع يعتبره الجميع هنا قيمة اقتصادية كبيرة و فرص عمل لآلاف العمال و المصانع، كما يقول عمرو عبد السميع المنسق العام للعاصمة الإدارية. مشروع يوسع على البلد ويخفف من ازدحام و خنقة القاهرة فى المستقبل، كما يقول سامى رمضان، أحد العمال. يجب تفريغ القاهرة، فهى لم تعد تحتمل، يقول الزينى ويكمل : البلد مليانة خير، هنا فرص عمل كثيرة و حياة، لكن لمن يريد أن يعمل بجد، لا الناس الكسولة. هنا عمل و عمل فقط، فالجميع يسابق الزمن ولا وقت للكسل و غير مسموح بالتراخي، فالحركة سريعة و الحيوية تدب فى كل مكان. فالحلم كبير و الأيادى تتسابق لتحقيقه. وفى المواقع يجتمع الجميع، القيادات وسط العمال ، يلبون احتياجاتهم، ويراقبون منظومة سير العمل و يسابقون الزمن..لا وقت للتراخى و الكسل.. حسام عبد المقصود ، رئيس قطاع الموارد البشرية، بشركة المقاولون العرب يطمئن على استخدام الجميع لعناصر الأمان من خوذة و سيفتى وحزام أمان للسقالة. وفى حالة أى اصابات أو حوادث يلجأون إلى مراكز الاسعاف المتوافرة فى واقع العمل. و يرتب مسئول الموارد البشرية مع رئيس العمال أماكن الراحة فلا استراحات مخصصة لهم، وكافتيريات للطعام وغرف للمبيت للمغتربين. وفى وقت أذان المغرب، يجتمع الجميع على وجبة افطار تقدمها لهم الشركة فى استراحاتهم. هنا على مسافة10 كم من السويس، 15 من العين السخنة، وعلى مسافة قريبة من محافظات بنى سويف، و الاسماعيلية والشرقية والقليوبية. يجرى العمل أيضا فى طريق بن زايد الذى يربط العاصمة بالتجمع الخامس. نقلة إلى بوابات مستقبل أفضل يشق الطريق اليه عمال يبذلون قصارى الجهد و الطاقة والعمل فى الوقت الذى يردد فيه البعض عبارات تقلل من حجم الانجاز « عاصمة ايه، هى فيها حاجة»، لكن من يأتى إلى هنا يدرك إلى اى مدى يحيا فى غيبوبة، فالحياة بدأت تعلن عن وجودها بقوة واصرار فى قلب الصحراء، و خلايا نحل من عمال ومهندسين واداريين يواصلون الليل بالنهار لشق الطريق إلى مستقبل افضل فى عاصمة مصر الادارية الجديدة.