زغروطة يا موج القنال زغروطة..جينا الليلة نكمل الحدوتة »...صوت الرائعة نجاة وفرحتها وهى تصدح بكلمات عبد الرحمن الأبنودى وألحان كمال الطويل هى أول ماطرق باب الذاكرة بمجرد أن وطئت قدماى أرض قناةالسويس الجديدة والتى تم انجاز ما يزيد على 80% من العمل بها، بعد أن اصبحت اليوم مستعدة لاستقبال سفن العالم.. والاحتفال الرسمى فى السادس من أغسطس المقبل. أما من استحقوا الزغرودة الحقيقة فهم عمال مصريون قدموا من محافظات مصر المختلفة..شمالها وجنوبها..كانوا على قدر التحدى ..تحملوا ظروفا مناخية صعبة وتربة متقلبة..وساعات عمل طويلة فى سبيل انجاز مشروع مصر القومى فى موعده الذى حدده الرئيس. فرحين وفخورين بما أنجزوا، متمنين أن يكون المشروع فاتحة خير لمصر وشعبها وخاصة الشباب. همة وحماس وسباق مع الزمن، توليفة أمل تؤكد أن المصريين دائما اذا ما عزموا وأرادوا، يفعلون. قناوى حسن من أسوان..أحمد سيد من الجيزة.. على عيد من الفيوم..محمد سيد من الشرقية...وجوه مصرية جددت ساعات العمل الطويلة تحت لهيب حرارة شمس الصيف سمارها.. يعملون فى همة ونشاط حاملين قوالب الأحجار ويرصونها حسب التصور المحدد حول مجرى القناة الجديدة وهو ما يطلق عليه مرحلة "التدبيش". بعضهم كان هنا من بداية أعمال الحفر والبعض قدم منذ عدة شهور للمشاركة فى المشروع القومى. تبدو عليهم علامات الرضا والسعادة رغم ساعات العمل الطويلة والظروف المناخية الصعبة والاصابات لكنهم يؤكدون أنهم مرفهون بالمقارنة بأجدادهم الذين حفروا القناة فى ظروف شديدة الصعوبة ..« كفاية اننا نقدر دلوقتى رغم الحرارة الشديدة نعوم فى مياه القناة ». تتدفق كلماتهم معبرة عن حماسة وحب للوطن وتفاؤل رغم بساطة حياتهم وظروفهم. واصفين المشروع بأنه « فاتحة خيرعلى ناس كتير.. شغل عمال ياما»، لكنه ليس فقط فرصة عمل جديدة أو مربحة بالنسبة للكثيرين لكنه أيضا - كما يقولون- فرصة لبناء مصر. أحمد سالم قدم من الصف بمحافظة الجيزة للمشاركة فى مشروع الوطن، يرى انها فرصة « اشتغل فى حاجة حلوة لبلدى».. أما على عيد فيدرك كم يحسدنا العالم على هذا المجرى..قائلا : « كنا قبل كدة شغالين عندهم ..دلوقتى العالم حيشتغل عندنا». عمال هنا وهناك فى المواقع المختلفة يعملون فى المراحل النهائية للمشروع..عمليات التكريك الأخيرة، أو فى « أرنكة» الأرض ، أى تسويتها حول المجرى، أو فى مرحلة التدبيش وهى تسوير القناة بالحجارة استعدادا للتشغيل، أو فى بناء مرسى المعديات للنقل بين القناة القديمة والجديدة. واجهوا التحدى رغم الصعوبات وأخذوا على عاتقهم ازالة جبال من الرمال حتى فاجأتهم المياه لينتقلوا سريعا الى مرحلة التكريك واتمام الحفر لانجاز عمل لم يكن احد منهم يتوقع أن يتم خلال هذه المدة المحددة. محمود عونى، صاحب احدى شركات المقاولات المشاركة فى المشروع يشرح كيف كان القلق والخوف هو الشعور المسيطر على الجميع فى بداية المشروع بسبب ضيق الوقت وكيف بذل الجميع مجهودا كبيرا لاتمام الالتزام وعمليات الحفر، مشيرا إلى أنه لم يكن يتصور أن ينتهى العمل خلال هذه المدة لكنه اصرار المصريين والتزام المؤسسة العسكرية المشرفة على المشروع والتى كانت دائما ما تقدر جهود الجميع وتفى بكافة المستحقات قبل مواعيدها المقررة. صاحب الشركة يلتزم يوميا بالحضور من مدينته القنطرة إلى الموقع من الساعة الخامسة صباحا وحتى غروب الشمس. يشرف على العمل ويشارك فيه أيضا.. يشغل الحفار أو يعمل على سيارته النقل، مصطحبا طفله الصغير كريم (10 سنوات) الذى يؤكد أن العمل هنا شاق جدا «لكن مبسوط علشان مشروع حلو لمصر». أما والده فيرى أن المشروع اعاد الحياة إلى الكثير من الشركات وسوق العمل بعد ركود طويل بعد الثورة. قائلا: «القناة فتحت بيوت ناس كتيرة..المشروع خلى البلد تشم نفسها». شعبان أبو الحسن، يعمل فى المشروع منذ أغسطس الماضى، ويقول: أزلنا جبالا من الرمال.. لم نكن نتخيل أننا سنستطيع.. «لكن الفراعنة لما يحطوا حاجة فى دماغهم بيعملوها». شقاء وتعب لكن فى سبيل مشروع يراه العاملون فيه امل مصر القادم وباب رزق للشباب العاطل على المقاهى.. هنا المكان كان صحراء جرداء دبت فيها اليوم الحياة وسكنها البشر القادمون من انحاء البلاد. يعيشون فى استراحات او خيام يقضون يومهم فى التناوب فى العمل والنوم خلال 24 ساعة..تجاورهم سيارات الاسعاف فى حالة اصابة احدهم او عجزه عن مواجهه التقلبات المناخية..حراراتها وعواصفها. أسامة انور من الاسماعيلية فخور بما أنجز قائلا «يقع من بيننا ناس بتتعب لكننا فرحانين اننا بنشارك فى بناء بلدنا.. دورنا ما يقلش عن اللى استشهدوا فى سبيل الوطن..وعلشان نقولهم ان حياتهم ماراحتش هدر، حنبنى ونعمر مصر» مضيفا: « احنا هنا نؤسس بلد تانية زى بورفؤاد..وفى يوم من الايام هنحكى لولادنا حكاية القناة الجديدة وازاى بنيناها.» المهندس ياسر عبد الفتاح المشرف على بناء مرسى المعدية يؤكد اهمية المعدية الجديدة لتخفيف الضغط عن معدية الفردان خاصة فى ظل المواسم الزراعية مشيرا الى بداية تعمير المنطقة واقامة حياة جديدة عليها مع مشروع الوطن. ويشير إلى أن أهم التحديات التى واجهتهم فى بدايات الحفر كان اختلاف التربة من منطقة إلى اخرى ومفاجآتها مع صعوبة الطقس لكن الالتزام بالجدول الزمنى كان دائما نصب اعيننا. حلم تحول إلى واقع بفضل عمالة صبرت وتحملت وواجهت حتى أنجزت. صالح العايدى صاحب احدى الشركات المشاركة فى المشروع يؤكد انه فخور بهم..شباب مصرى تحمل المسافات والصعوبات وحرارة الجو وتقلب التربة ويصارعون الوقت من اجل البناء والتعمير بينما يعكف آخرون على النقد وتثبيط الهمم والعزائم وفقط...ثم يخرجون فى وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعى ينددون بالواقع و يطالبون وهم فى مواقعهم بالتغيير. هنا مصريون يقومون بعمل حقيقى على الارض..يغيرون واقعهم بايديهم..قائلا اننى فخور بالمشاركة فى عمل لضمان مستقبل أولادى فهم من سوف يجنون ثمار جهودنا ..سوف يجدون مصر جديدة متطورة بها فرص عمل ومشروعات تنموية. أحلام كثيرة تداعب خيال المصريين وآمال كبيرة تطفو على سطح حياتهم مع الانتهاء من اعمال حفر المجرى الملاحى الجديد فى انتظار الكثير من المشروعات وفرص العمل ورخاء العيش. حسن محمد، 28 سنة سائق من الاسماعيلية يعمل فى المشروع منذ عدة شهور لكنه يخشى بعد الانتهاء منه العودة الى براثن البطالة، خاصة انه قدم اكثر من مرة فى مسابقات هيئة قناةالسويس للعمل بها لكنه لم يتم قبوله.. «أتمنى ان يكون افتتاح القناة الجديدة فرصة وامل لابناء محافظاتالقناة لضمان فرص عمل واستقرار». وهكذا.. وفى ختام رحلتى.. وبينما كانت قدماى تستعدان للمغادرة.. ألقيت نظرة أخيرة.. نحو الرجال.. وقلت: هؤلاء رجال أرادوا وفعلوا.. شباب اجتهدوا وأنجزوا.. حلم تحول إلى حقيقة.. شعب تحمل كثيرا ويستحق اليوم حياة جديدة.. لكن صوتا قاطعنى.. صوت نجاة وهى تشدو بكلمات الأبنودى.. « مش قلتلك ..مش قلتلك ..كله فى معاد...حسب المعاد جينا.. حلوة حلوة يا بلدنا..أيوه أيوه يا ولادنا.. جينا والله جينا فى معادنا.»
►الإسماعيلية الجديدة .. مدينة الأمل تنتظر الشباب هنا يجرى العمل على قدم وساق..عمال يسابقون الزمن..خرسانة مسلحة ومبان تحت الانشاء على مدى البصر..سيارات مسرعة تحمل أدوات البناء واحتياجات المدينة الوليدة .هنا مدينة الاسماعيلية الجديدة، حيث أكبر مجمع سكنى يتم انشاؤه ليضم جميع الخدمات للعاملين بمشروعات تنمية قناةالسويس ولاستيعاب الزيادة السكانية بمحافظاتالقناة. المدينة تقع بين القنطرة شرق والاسماعيلية بين مسارى المجرى الملاحى للقناة، وتسابق الزمن كى تكتمل ملامحها كمدينة متكاملة تحوى جميع الخدمات وسبل الحياة، مع بدء مرور السفن فى قناةالسويس الجديدة. « عايز أنام يا فندم» .جملة يكررها صالح العايدى أحد أصحاب شركات المقاولات التى تعمل فى المدينة الجديدة ردا على المكالمات التليفونية المتلاحقة ليلا ونهارا من مسئولى المشروع طلبا للانجاز. ويقول: هنا يسابقون الزمن ويطالبون الجميع بسرعة العمل مع الحرص على جودته ويجرى التنفيذ فى نفس الوقت فى المشروعات المختلفة. وعلى مساحة 2157 فدانا بين مسارى المجرى الملاحى لقناةالسويس يضم مشروع الاسماعيلية الجديدة وحدات سكنية متنوعة ما بين 90 و120 و160 مترا بالاضافة الى فيلات ومنشآت خدمية صحية وتعليمية واجتماعية. مدينة تفتح أبواب الرزق والأمل للشباب من كافة المحافظات ولقطاعات مختلفة من العمالة بداية من النجار والسباك وسائقى المعدات وحتى بائع الفول والشاى. انتقلت اليها كثير من معدات الحفر بالقناة الجديدة لبناء حياة جديدة تخدم منطقة المشروعات اللوجستية حول القناة. فسيناء كما يقول أحد مسئولى المشروع منطقة ليست جاذبة للعمالة بسبب اهمالها سنوات طويلة وعدم توافر سبل الحياة والخدمات لذا آن الأوان لتغيير هذه الأوضاع وبناء حياة جديدة فى المنطقة. ولتشجيع الشباب على العمل فى بناء المدينة الجديدة توافرت لهم أماكن للاقامة فى كرفانات أو استراحات ومولدات للكهرباء وكانتين للطعام والخدمات الأساسية الاخرى للحياة. فرص عمل وحياة جديدة استجاب لها الكثيرون مثل حسن عبد الوهاب من قنا وعلى حسن وابراهيم عبد الرازق من الاسماعيلية الذين استجابوا للنداء فى حين يرفض آخرون ترك بيوتهم فى محافظاتهم للعمل فى مشروع جديد، ليعلن بعض المهندسين عن حاجتهم للعمالة «نبحث عن نجارين وحدادين لكن يرفض البعض التضحية رغم تعرض كثير من الشباب للمخاطر فى محاولات للهجرة غير الشرعية خارج البلاد..أليس أولى بهم الهجرة داخل بلدهم؟!» يتساءل أحد المهندسين المشرفين فى المدينة الجديدة. أما المهندسة صباح محمد والتى تقطع طريق القاهرةالاسماعيلية يوميا لمتابعة العمل فترى أن رمل بلادنا يستحق أن نضحى لأجله ولأجل تعميرها. « هنا أنقى هواء .. نظرة واحدة الى القناة تمنح راحة نفسية وطاقة للعمل والانجاز .. هنا أرض طيبة يجب الحفاظ عليها وبناء مستقبلها.. وفى الإسماعيلية الجديدة مشروع وطن وحياة». صباح تحاول هى وعدد آخر من المشاركين فى المشروع توفير عناصر الجذب للعمالة وبث روح الارادة وحب الوطن فيهم. وتؤكد أن فرص العمل متوافرة ومتاحة لمن يريد الكسب وخدمة الوطن، وأنها يمكن أن تساعد كل باحث عن عمل ومستعد للمشاركة فى بناء الحياة الجديدة فى مدينة الاسماعيلية الجديدة.