توافد كبير على كنائس الغردقة للاحتفال بأحد الشعانين    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    انتظام توريد القمح بالبحيرة    رئيس الشورى البحريني يشيد بالتجربة البرلمانية المصرية    خسائر حريق السجل المدني بشبرا الخيمة.. "ماس كهربائي" المتهم الأول    ضبط مواد غذائية وأسماك فاسدة ومخابز مخالفة بالبحيرة    الطقس في الإسكندرية اليوم.. انخفاض درجات الحرارة واعتدال حركة الرياح    بنك QNB الأهلي وصناع الخير للتنمية يقدمان منح دراسية للطلاب المتفوقين في الجامعات التكنولوجية    رئيس هيئة الدواء يجتمع مع مسؤولي السياسات التجارية في السفارة البريطانية بالقاهرة    بتداولات تتجاوز 1.3 مليار جنيه.. البورصة تهبط 3.3% منتصف تداولات اليوم    29 جامعة مصرية تشارك في مهرجان الأنشطة الطلابية في ذكرى عيد تحرير سيناء    صندوق النقد: ندعم مصر فيما تتخذه من إجراءات تستهدف الإصلاح الهيكلي للاقتصاد    الدفاعات الأوكرانية تسقط خمس طائرات بدون طيار خلال الساعات الماضية    الرئيس الفلسطيني: اجتياح الاحتلال لرفح سيؤدي لأكبر كارثة في تاريخ الفلسطينيين    سفير روسيا بالقاهرة: موسكو تقف بجوار الفلسطينيين على مدار التاريخ    المصري الديمقراطي الاجتماعي يشارك في منتدى العالم العربي بعمان    الليلة.. الأهلى أمام الزمالك فى نهائي كأس مصر للكرة الطائرة رجال    نجم الأهلي: أكرم توفيق انقذ كولر لهذا السبب    أبرزهم ديربي إنجليزي.. مواعيد مباريات اليوم الأحد    تشكيل إنتر ميلان الرسمي ضد تورينو    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    4 برامج ب«آداب القاهرة» تحصل على الاعتماد البرامجي من هيئة الجودة والاعتماد    ضعف المياه لمدة 8 ساعات عن سكان هذه المناطق.. تفاصيل    مراجعة مادة علم النفس والاجتماع ثانوية عامة 2024.. لطلاب الصف الثالث الثانوي من "هنا"    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    غدا.. "ضد الجمال.. في نقد أساطير الجمال الشخصية" على مائدة مكتبة مصر الجديدة    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    فيلم ينجح في تحقيق 57.4 مليون جنيه في 18 يومًا.. تعَرّف على أبطاله وقصته    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    "مع كل راجل ليلتين".. ميار الببلاوي ترد على اتهامات داعية شهير وتتعرض للإغماء على الهواء    "اتصال" و"رجال الأعمال المصريين" يطلقان شراكة جديدة مع مؤسسات هندية لتعزيز التعاون في تكنولوجيا المعلومات    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن لمن تخطوا سن ال65 عاما    وزير الصحة: «العاصمة الإدارية» أول مستشفى يشهد تطبيق الخدمات الصحية من الجيل الرابع    ضبط وإعدام 1.25 طن من الأغذية غير المطابقة للمواصفات    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    الرئيس السيسى: مراكز البيانات والحوسبة السحابية تكلف مليارات الدولارات    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    الرئيس الفلسطيني يحذر: إسرائيل دمرت ثلاثة أرباع قطاع غزة ولن نقبل التهجير    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    أقباط الأقصر يحتفلون بأحد الشعانين في كاتدرائية الأنبا متاؤس الفاخوري.. صور    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو لاهوت إسلامى جديد
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 06 - 2016

كان لاهوت التحرير، فى سياقه المسيحي، قد ألهم حركات التحرر الوطنى فى معظم أرجاء أمريكا اللاتينية، ستينيات القرن الماضي، ضد الكنيسة والإقطاع والهيمنة الأمريكية والنظم العسكرية معا، وأسهم، من ثم، فى إخراجها من مأزقها السياسي، وذلك باكتشاف بؤر للإيجابية تتجاوز حال الاغتراب المسيحى الموروث عن الملكوت الدنيوي. مثل ذلك اللاهوت هو ما يحتاجه عالمنا العربى اليوم، لإعادة تأسيس العلاقة بين الإيمان الإسلامى وبين العقلانية والحرية الفردية، خلاصا من سلطة النص التراثي، وخروجا من المأزق الحضارى الشامل الذى دفعنا إليه لاهوت الخرافة والجبر.
نحتاج إلى لاهوت عقلاني، ينفتح على قضايا العصر ولا يقع فريسة لعبادة النص.
وإلى لاهوت تاريخى يربط بين العقيدة والتاريخ، فالوحى خطاب إلهى للإنسان، ولكن فيما مصدر الخطاب مطلق ومتسام وأبدي، فإن المتلقى نسبى وقاصر لا يكف عن التغير. ومن ثم، وحتى يبقى الخطاب الإلهى موصولا بنا مفهوما منا، مؤثرا فينا، فلابد أن يكون قادرا على استيعاب تحولاتنا الدائبة، والإحاطة بعوالمنا المختلفة، وهو لا يكون كذلك، ولن يكون، إلا بالتأويل المبدع للنص الديني، فلا يفهم مبناه إلا فى السياق الذى أُنزل فيه أو جمع فيه أو كتب فيه، وفى ضوء البيئة التى وضع لها، والمجتمع الذى استقبله، ومستوى النضج العقلى السائد فيه، والتطور المعرفى للإنسان الذى خاطبه. كما لا يدرك معناه إلا فى سياق الفهم الكلى لمقاصد الشرع الحكيم وغايات الله فى الوجود، اللهم سوى الآيات المحكمة التى تتعلق فقط بصلب العقيدة وأركان الشريعة، وهنا تنتهى قدرة مدونات الأحاديث التاريخية والمذاهب الفقهية على تجميد عقل المعاصرين وشل إرادتهم.
.. ولاهوت إيجابى ينهض على علاقة جدلية بين الله والإنسان، يدرك أن الله هو القطب المركزى فى الوجود ولكن الإنسان ليس عدما، بل قطب ثان، لا يمكن تصور كمال الله من دون وجوده، فإبداعية الإنسان الخلاقة، هى الدليل الأبرز على الكمال الإلهي، لاهوت لا يبرر للمسلم الانتظار السلبى الخجول لملكوت السماء فى عالم الغيب، ولا يدفع به، فى المقابل، إلى سرعة استدعائه بالشهادة المزيفة، والإرهاب العبثى، الذى يقض مضاجع الأحياء، ويعيث فسادا فى الأرض بل القيام بفعل حضارى منظم لتحسينها، وعمارتها، ونشر قيم المحبة والسلام فيها، كونه المستخلف من الله عليها.
وأخير ليس آخرا، لاهوت إنساني، يرى أن الأديان للإنسان، وليس الإنسان للأديان، فالله ليس الدين، بل رب الدين، الذى خلق الإنسان، ومنحه الدين عطية روحية وعقلية ترشده إلى الطريق القويم، الذى بنهايته تتحقق الخلافة الحضارية على الأرض،حيث التمدن والتحرر، والتقدم، مع الإيمان، وليس الخلافة السياسية على طريق الهيمنة التقليدية الأموية أو العباسية أو العثمانية حيث القهر والقمع هما الأصل والفرع والإسلام ليس إلا قميصا للتمويه وستارا للتبرير. أو على طريقة الهيمنة الداعشية حيث العبث والهمجية يحيلان الإنسان إلى مجرد قربان يتوجب التضحية به على مذبح إمارة جاهلة أو خلافة متوهمة..
ولحسن الحظ، فإن النص القرآني، برؤيته الرائقة للوجود، ينطوى على مثل هذا اللاهوت، حيث الاعتراف بالله الواحد، وباستقلاله المطلق عن الكون والطبيعة، يعكس نزوعا مقابلا للاعتراف بالإنسان (الموحِّد)، باعتباره، كائنا مستقلا ومكافئا للآخرين جميعا؛ فالتوحيد المطلق، يمثل قاعدة صلبة وضمانة صلدة للمساواة بين بشر فقدوا صفات السمو على غيرهم، وتواضعوا جميعا أمام الذات الإلهية، فاللحظة التى يتسامى فيها الله على الوجود البشرى بمجمله، هى نفسها التى يتساوى عندها البشر فيما بينهم. بل ويبلغ هذا البعد التحررى أفقا وجوديا بامتياز بفضل الجوهر التنزيهي؛ فإذا كانت وحدانية الله تتميز بالشمول والخلود والأزلية مع الأبدية، فعلى كل مسلم يؤمن به حقا، كى يستحق هذا الوصف، أن يسعى ليكون هو الآخر واحداً، ذاتا متفردة، يتمتع بشخصية ناضجة، واستقلال مطلق فيما يخص فعل الإيمان بالذات: «ولقد جئتمونا فرادي، كما خلقناكم أول مرة» (الأنعام: 94). وفى آية أخرى اونرثه ما يقول ويأتينا فرداً» (مريم:80). وفى آية ثالثة «اوكلهم آتيه يوم القيامة فرداً» (مريم: 95). فالشهادة بوحدانية الله لن يكون لها معنى حقيقى أو يترتب عليها أثر إيجابي، إلا إذا كانت الذات الشاهدة مستقلة وحرة وعاقلة، تطلب الله لذاته، كما تطلبه بضميرها.
ومن ثم يؤكد القرآن أن طاعة الإنسان المطلقة لآخر هى شعبة من الشرك، حتى لو كانت لمشايخ التقليد، ناهيك عن الدعاة الموتورين، لأن الإنسان لا يمنح هذه الطاعة لإنسان آخر يشعر جوهريا أنه مثله، ولا يتخلى عن حقه فى التفكير والتعبير إزاءه إلا إذا اعتبره خالياً من الخطأ منزهاً عن النقص، أو ظنه قادرا على إيقاع النفع له والضرر به، والاعتقاد بوجود هذه الصفات فى غير الله هو أصل كل شرك، وجوهر كل خضوع للوصاية وشعور بالقهر. وهكذا يمنح الإسلام لمن يعتنقه طاقة تحرر هائلة، فأن تكون مؤمنا حقا هو أن تختار الله بعقلك وإرادتك فعلا، وأن تدير علاقتك بالآخرين على قاعدة الحرية الكاملة والمسئولية الكاملة عما تفعل. غير أن هذا الفهم قد هزم مرارا فى تاريخ الإسلام، عندما هزم الإنسان نفسه، وأُريقت دماؤه على مذبح أولى الأمر، عندما صعدت الدول على أسنة المذاهب، وتأسست المذاهب على رماح الدول، حيث السلطان يرعى الفقيه، والفقيه يبرر السلطان، وما بينهما سقط العقل، أمانة الله فى الإنسان، مغشيا عليه، ملقيا فى غياهب النسيان، خلف حجب الوصاية والكهانة، ونزعات الإتجار بالأديان.
[email protected]
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.