أيكم إختار أمه وأبيه؟، أينا اشترط قبل خروجه للحياة ، أن يولد معروف النسب ؟ ، لماذا يبقي الإنسان بن تاريخ لم يسطر فيه حرفا ، تاريخ أبيه ونسبه، ولا نقبله بن عمله وسعيه ؟، ولماذا لا نجرد الناس من ظروف ميلادهم حين نحكم عليهم ؟، لماذا لا تعتبروا ظروف ميلادهم التي وضعوا بها ، هي إختبارات تقتضي منهم مجهودا أكبر لإجتيازها وإثبات صلابتهم ؟، لماذا لا تدعموهم بدلا من رميهم بإساءاتكم وعرقلة طريقهم .. نتحدث عن مجهول النسب ، اليتيم, وحقه في حياة إجتماعية دون تمييز ، وما يمليه القانون والشريعة علي حياته من بنود. القصة تبدأ من أحمد، طفل تتحدث عنه أحد البرامج التليفزيونية، وكتب عنه أحد أشهر الأقلام الصحفية عموده، أحمد ملقي في دار رعاية أيتام بالقاهرة ، لكن شيئا ما فيه يلفت إليه من يراه رغم عمره الذى لم يتعد العام الواحد . أمام التلفاز، في إحدي الوحدات السكنية، يجلس رجل في العقد الرابع من عمره، كان قد طاف الأرض شرقا وغربا، بحثا عن وسيلة للإنجاب ، دون جدوي ، الله يحكم ما يريد، الرجل الآن يستمع وزوجته لقصة أحمد التي تعرضها أحد البرامج التلفزيونية، قلبهما يلين لدعم أحمد، لقد قررا أن يكفلاه، الزوج يذهب إلي الدار حيث يوجد أحمد، إجراءات الكفالة شديدة التعقيد، يخبرونه أنه لا تنطبق عليه الشروط لأنه من أبناء محافظة أخري، الموظف يعتذر له، ويخبره أن يذهب ليكفل طفلا آخر من محافظته، الرجل يثور، فقد تعلق قلبه بأحمد، لا يريد عنه بدلا، الموظف لا يمكنه التجاوز عن الشروط المرفقة بالأوراق الضخمة التي أمامه، الرجل يقرر بيع مسكنه لشراء بديل في المحافظة التي يقع فيها دار أحمد، ظفر الرجل الودود بأحمد، أحمد سيمنحهم البهجة والعوض وهم سيمنحونه الرعاية والاحتضان، الأمر يبدو جيدا حتي الآن ، وأحمد مازال عمره عاما، لم يختبر الحياة بعد. الرجل الذي قرر أن يكفل أحمد في بيته ، لم يحرمه أي مما يمنح الأب لابن له ، يعلمه في إحدي مدارس اللغات، والولد لم يحرمه الفخر به، فهو يحصد له ميداليات تفوق في السباحة والجمباز اللتين يعلبهما، الرجل يعرف أن أحمد لن يرثه وفق الشريعة، وهو ممتثل لها، لكنه يفكر في ماذا لو توفاه الله دون أن يكمل أحمد تعليمه، فأحمد لن يستطيع الإقامة في الشقة بعد وفاته، كما لن يحصل علي معاش لينفق علي نفسه، وهو مادفعه الي اللجوء للتأمين علي حياته لأحمد، لكنه يطرح سؤالا مهما.. ماذا لو لم يستطع المتكفل تأمين حياة الولد بعد وفاته ؟ من ينقذ الطفل وقتها من الضياع ؟ ،ولماذا لا يمنح الطفل معاش أبيه المتكفل به في حالة الوفاة حتي يتم تعليمه مثلا ؟، ويقول الرجل : ذات مرة شعر أحمد بوجع في يديه أثناء تمرين السباحة ، ذهبت به الي أقرب مستشفي لنا في العجوزة ، لكنهم رفضوا التعامل معنا رسميا، لأنهم حين اطلعوا علي بطاقتي ،لم يجدوا اسمي واسمه متشابهين، فقط يحمل من اسمي اللقب، أما الأسم الأول والثاني فالدار هي من تمنحهم للولد، أخبروني أنه يتعين عليه الحضور مع أبيه أو ولي أمره، وأن هذه هي اللوائح ولا يستطيعون مخالفتها، في النوادي الرياضية ، نواجه المشكلة نفسيا، النادي لا يقبل إضافة الطفل المتبني علي المتكفل ، والطفل يدخل فقط بصفة ودية واستثناء للقاعدة، ماذا لو لم يستطع الحصول علي استثناء ؟ ، لماذا يحرم من ممارسة ألوان الحياة كبقية الأطفال في عمره ؟ .. كيف يطلب المجتمع من ذلك الطفل أن يكون سويا رغم ما عاشه من تمييز ؟ القضية نطرحها علي الخبراء .. المستشار رفعت السيد ، يقول : إن رعاية اليتيم وكفالته أمر محمود ،شريطة أن يعرف الصغير المشمول بالرعاية أنه يتيم وأن رعاية هذه الأسرة له هي رعاية مؤقتة، وبالتالي يربي علي عدم الطمع في ميراث غيره ، ومن الأفضل ان تتم الرعاية من خلال مؤسسة خيرية تتولي رعاية الأطفال ، وذلك تلافيا للمشاكل فيما بعد ، مضيفا أن التبني خارج دور الرعاية ،قد يصبح بوابة لإستغلال هؤلاء الأطفال ،وأن الحل في إشراف حقيقي من التضامن علي دور الرعاية ، ومتابعتها . وإذا كانت الشريعة تحرم التبني لما قد يسببه ذلك من خلط للأنساب ومشاكل في المواريث ، وكذلك القانون يرفض التبني إستنادا إلي الشريعة ، فإن ثمة حلا يطرحه أحمد مصيلحي ،الخبير في قضايا الطفل ، الحل يخرج من رحم القانون أيضا وهو قانون الأسر البديلة ، يقول مصيلحي ،هناك مبدآن أقرهما القانون، هما مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الأطفال، ومبدأ مصلحة الطفل الفضلي، وأي قانون يتعارض مع هذين المبدأين يتم إلغاؤه ولذلك يعتبر أي إجراء من شأنه التمييز بين الأطفال علي أساس الأصل أو النسب مثل منع طفل من الكشف في أحد المستشفيات هو إجراء باطل حتي لو كان وفق لوائح المستشفي، وأنه في هذه الحالة علينا اللجوء الي التعاقد الثلاثي الأطراف (التضامن ودار الرعاية والاسرة البديلة )، وهذا العقد يسمح بالتعامل مع الأب الكفيل كأي أب، دون تمييز، عدا الأسم ،حتي لا يتم خلط في الأنساب أو خطأ في المواريث ، فيما عدا ذلك، يمنح الطفل من أبيه المتكفل به كل الحقوق، مشيرا الي أن قانون الأسر البديلة موجود في وزارة التضامن منذ 2010، وتم إدخال تعديلات جديدة عليه في 2016، لتوسيع قاعدة بيانات الأسرة البديلة، وإدخال بعض التسهيلات ، فمثلا، كان يشترط في الأب سن 45 عاما كحد أقصي للقبول، تم رفعه في التعديل الجديد الي 60 عاما ، ويقوم الأب بفتح دفتر توفير للطفل وتتابع لجنة الأسر البديلة التي يفترض وجود لجنة منها في كل محافظة وفروع لها في كل حي ومركز لحماية الطفل ومتابعة تطبيق القانون، هذه اللجنة يرأسها المحافظ مباشرة ، ،واللجنة تقوم بالمراقبة والتدخل الفوري لمخاطبة الإدارة الخاصة بالنادي أو المستشفي أو المدرسة أو أي جهة أخري ،يكون للطفل فيها مصلحة ، لتوفير كل سبل الراحة والمساواة للطفل .