ألقي بهم أهلهم فور ولادتهم في الشوارع ليتكفل بهم الزمن, وتحولوا إلي قنابل موقوتة تهدد أمن واستقرار المجتمع, مشكلة هؤلاء الأطفال تنمو في مجتمعنا, وباتت تصيب أعماق حياتنا الاجتماعية في شتي مناحيها. وعلي الرغم من عدم وجود إحصائيات صحيحة لعدد هؤلاء الأطفال من الذكور والإناث, في مصر, بسبب انتشارهم في دور الإيواء والشوارع والطرقات والميادين, يحفل سجل الفتوي بدار الإفتاء المصرية بالعديد من التساؤلات التي ترد من دور رعاية الأطفال ومحاكم الأسرة حول مشروعية نسب الطفل إلي من تبناه وما قد يترتب عليه من حقوق ومواريث, وقضايا منظورة أمام القضاء. وعلي الرغم من وجود نصوص شرعية تحرم التبني, إلا أن القانون لا يمنع من نسب الطفل, ونحن بدورنا نتساءل: إذا كان الشرع يمنع نسب الطفل الي غير أبيه, فما هي أحكام اللقطاء الفقهية وكيف يتعامل المجتمع معهم؟ وما هي حقوقهم وواجباتهم؟! علماء الدين يؤكدون أنه لا يجوز شرعا إضافة نسب اللقيط إلي من تبناه, وأن نسبة الولد إلي أبيه- كما جاء في الفتوي- لما في ذلك من الكذب والزور, واختلاط الأنساب, والخطورة علي الأعراض وتغيير مجري المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق, وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والزواج وما إلي هذا من انتهاك الحرمات, وتجاوز لحدود الشريعة, لذلك حرم الله نسبة الولد إلي غير أبيه, ولعن النبي صلي الله عليه وسلم من انتسب إلي غير أبيه أو غير مواليه, قال الله تعالي: وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيلس وادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما. اللقطاء في حماية الشريعة ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن اللقيط نفس محترمة في الشرع الإسلامي تستحق الحفظ والرعاية, لهذا كان التقاطه مطلوبا, لأن فيه إنقاذا لنفس محترمة من الهلاك والضياع, فيكون فيه معني الإحياء, والله يقول: زومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا, واتفق الفقهاء علي أن التقاطه يكون فرضا إن علم أنه يهلك إن لم يأخذه, أما إن لم يخف عليه الهلاك يكون مستحبا عند الحنفية وفرضا كفائيا, إذا قام به واحد سقط عن الباقين عند الشافعية والحنابلة. ويجب الإشهاد علي اللقيط, وإن كان اللاقط ظاهر العدالة, خوفا من أن يتركه ولحفظ حريته ونسبه, ويجب الإشهاد أيضا علي ما معه لئلا يمتلكه, وكذلك خوفا من أن يكون اللقيط قد خطف من أهله. وأن يكون طفلا صغيرا لا قدرة له علي القيام بمصالح نفسه ذكرا كان أو أنثي, والأصل أن الدولة تكفلهم من رعاية وعناية ومحافظة وتضمن لهم العيش الكريم, فقال تعالي: زادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا أباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم سورة الأحزاب الآية(5) فهي تدل إجمالا علي حق مجهول النسب في العيش الكريم, وحرمة أن ينسبوا إلي شخص بعينه لتحريم التبني في الإسلام, لأن ثبوت النسب إنما يأتي إما بفراش الزوجية الصحيح أو بإقرار الأب, وماعدا ذلك فلا ينسب لأحد إلا إذا جاءت امرأة بولد زنا فينسب إليها فقط, وعندئذ تتكفل هي به في وسائل إعاشته. وأضاف: إذا هم أحد الناس وقام بكتابة أحد الأطفال مجهولي النسب باسمه, فإنه لا يجوز ولا يحق له ميراث شرعا, لأن الميراث الشرعي يستحق بأحد ثلاثة: أولها القرابة وثانيها الزوجية وثالثهما الولاء( أي العبد الذي أعتق) وأن المتبني لا يحمل صفة من هذه الأوصاف, وبالتالي لا يستحق الميراث شرعا, علي الرغم من أنه كتب بإجراء إداري فقط, إلا أنه في واقع الأمر لا يغير من الواقع شيئا. ضوابط وشروط من جانبه يقول الدكتور عبدالوارث عثمان, الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن حكمة التشريع بحرمة التبني جاءت حفاظا للحقوق والأخلاق بين المسلمين, فالطفل إذا نسب إلي أب غير أبيه كان في ذلك من الفتنة بينه وبين بقية أبنائه الذين هم من صلبه, إذ أن هذا الابن الذي هو من التبني يشاركهم في ميراث أبيهم, ومن ناحية أخري فإنه قد يطلع علي زوجة هذا الرجل وعوراتها ويري منها ما لا يراه إلا المحارم, وفي هذا استباحة للحدود وتضييع للحرمات وهكذا فقد تعامل الإسلام مع تلك الظاهرة علي هذا النحو بغض النظر عن الأماكن والأزمنة والأشخاص, فأصبح بذلك حكما شرعيا عاما يجب علي المسلم أن يلتزم به, وإلا أصبح مضيعا للحدود مستبيحا للحرمات. ويؤكد الدكتور عبد الوارث أن الأسلوب الأمثل للتعامل مع هؤلاء هو نشر الوعي بين المواطنين لكفالة هؤلاء الأيتام ورعايتهم وتعليمهم, إذ أنه في حالة إهمالهم يمثلون خطرا علي المجتمع كله, ثم إنهم إذا تركوا سوف تمتلئ نفوسهم بالحقد والكراهية علي غيرهم, ولذا فإنهم يروعون الآمنين ويستبيحون أموالهم وأعراضهم, وللدولة الدور الأهم في تعويض هؤلاء عما أصابهم من فقدان الأب والأم والعائلة وتقديم كل الدعم لهم والعمل علي إنشاء دور إيواء خاصة بهم في كل محافظة مصرية وإعطاء الأولوية في الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء الأطفال من خلال الجمعيات والمؤسسات الأهلية والوزارات الحكومية وتعبئة الرأي العام من أجل حماية هؤلاء الأطفال وصونهم. وطالب المؤسسات الحكومية والأهلية بألا تفرق بين الطفل مجهول النسب والطفل الذي فقد أبويه, إذ أن هذا فيه من الظلم ما فيه, إذ لا دخل للطفل في وجوده في هذه الحياة, وفي سياق متصل يؤكد الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون السابق, أنه لا يجوز في الشرع لمسلم أن ينسب لنفسه طفلا مجهول النسب إلا إذا اعترف بنسبه, وأن لاعترافه شواهد تؤيده, لأنه بذلك يعتبره ابنه ويشب الطفل علي أنه ابن هذا الشخص ومن المعروف أن الإسلام لا يجيز التبني, ومن ثم لا يجوز له أن ينسبه لنفسه فالعدل أن ينسب الطفل لأبيه الحقيقي, فإذا لم يعلم اسم أبيه فنعتبره أخا لنا في الإسلام ويسمي باسم خاص به.