كعادته دائما كلما تكلم يثير الملياردير الامريكى دونالد ترامب المرشح الاوفر حظا فى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى صخبا هائلا بسبب ارائه التى يراها نوعا من الصراحة فى عالم السياسة القائم على الكذب والتلون، بينما يراها الآخرون تحمل قدرا لا بأس به من الرعونة وعدم الاتزان. وبعد أن مرت عاصفة تصريحاته حول المهاجرين من أصل لاتينى ورغبته فى بناء جدار حدودى بين الولاياتالمتحدة والمكسيك، جاء الدور على المسلمين الذين حظوا بهجوم غير مسبوق، بدأ اثر الحادث الارهابى الذى شهدته فرنسا مؤخرا مقترحا تسجيل المسلمين فى قاعدة بيانات خاصة بهم فى خطوة وصفت بالفاشية، وتصاعد تدريجيا حتى كان الحادث الاخير فى ولاية كاليفورنيا المتورط فيه مواطن امريكى مسلم وزوجته، ليظهر ترامب بكل وضوح مطالبا بوقف كامل وكلى لدخول المسلمين للولايات المتحدة, موضحا أن الحدود يجب أن تظل مغلقة أمامهم حتى يتوصل نواب الشعب لفهم أوضح لأسباب كراهية المسلمين للولايات المتحدة على حد قوله، معتبرا أن مثل هذه الخطوة ضرورية لضمان أمن البلاد. ورغم أن ترامب يبدو دائما مستمتعا بحالة الجدل التى تثيرها تصريحاته المستهجنة، الا أن حديثه الاخير يبدو أنه لن يمر هذه المرة مرور الكرام بعد أن أخذ أبعادا غير مسبوقة نظرا لحدته وعنصريته الواضحة، وذهابه بعيدا فى الهجوم الفج والتحريض على المسلمين، حتى أنه ذكر أحداثا ووقائع لا يوجد أى دليل يؤكدها مثل قوله أن المسلمين داخل الولاياتالمتحدة وتحديدا فى نيوجيرسى احتفلوا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، ولذلك لم تكد تمر ساعات على هذه التصريحات حتى توالت ردود الافعال فى الداخل والخارج معلنة رفضها بل واشمئزازها من هذا الحديث واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعى بحالة من الغضب واحتل اسمه قائمة العناوين الاكثر تداولا بعد أن ربط النشطاء بين تصريحاته والنازية محذرين من تكرار الهولوكوست ومعتبرين وصوله للرئاسة بمثابة كارثة. ورغم أنه دافع عن فكرته لاحقا وقارنها بالسياسات التى طبقها الرئيس فرانكلين روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية ضد المواطنين اليابانيين والايطاليين والالمان المقيمين فى الولاياتالمتحدة، فان هذه المبررات لم تجد نفعا بل ربما زادت الانتقادات الموجهة له فى الداخل والخارج، بعد أن اعتبرت مؤشرا على مدى عنصريته وكراهيته غير المسبوقة للآخر المختلف عنه فى العرق والدين، الامر الذى يلقى ظلالا من الشك على صلاحيته لمنصب الرئيس فى بلد قائم بالاساس على التعددية. ومن هنا كانت مسارعة الجميع بدءا من البيت الابيض مرورا بعدد من المسئولين الحاليين والسابقين وانتهاء بمنافسيه من داخل المعسكر الجمهورى نفسه وبالطبع من جانب الحزب الديمقراطى برفض وادانة مثل هذه التصريحات، واعتبارها ليس فقط خطابا يحض على الكراهية بل ويمثل خطرا على الامن القومى الامريكى فى حربها ضد الارهاب، مطالبين الحزب الجمهورى بتوضيح موقفه والنأى بنفسه عن مثل هذه المواقف العنصرية الواضحة، خاصة بعد أن انضم عدد من الشخصيات المعروفة من كتاب وحقوقيين ومشاهير الى حملة التنديد بتصريحاته وأعلنوا تضامنهم مع المسلمين رافضين الربط المطلق بين الاسلام والتطرف، ووصل الامر الى حد قيام 200 الف بريطانى بالتوقيع على عريضة على الموقع الالكترونى لمجلس العموم تطالب الحكومة بمنعه من دخول بريطانيا باعتباره داعية للكراهية والتمييز العنصرى، اسوة باجراء سبق أن اتخذته الحكومة عام2009 بمنع السياسى الهولندى جيرت فيلدرز من دخول بريطانيا بسبب خطاب الكراهة الذى يتبناه ضد المسلمين. هذه الحالة من الرفض والادانة دفعت العديد من المراقبين والمحللين للقول بأن ترامب لا يضع فقط شعبيته على المحك ولكنه يخاطر أيضا، وهذا هو الاهم، بشعبية الحزب الجمهورى، بل ذهبت العديد من التحليلات الصحفية للقول إنه ان استطاع أن يحسم السباق داخل الحزب لمصلحته ومن ثم أصبح مرشح الحزب فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فسيخسر الحزب بالتأكيد أصوات ملايين الناخبين من ذوى الاصول اللاتينية ومعهم أصوات المسلمين التى ستذهب فى هذه الحالة لمنافسه الديموقراطى، وانه بهذا الحديث غير المسئول يتعمد اثارة قضايا خلافية داخل الحزب تؤثر على صورته بشكل عام فى وقت يحتاج فيه الحزب للتماسك والجميع على أبواب معركة الرئاسة القادمة. ورغم ظهور بعض الأصوات التى قللت من أهمية هذه التصريحات واعتبرتها حديثا تافها لا يستحق عناء الرد، وأن الامر لا يخرج عن مجرد مزايدات إنتخابية رخيصة، متندرين بأن ترامب يحارب الارهاب بالتطرف، وأن مسيرته السياسية الحافلة بالتصريحات الفاشية والعنصرية المستفزة حتما ستكون قصيرة، إلا أن هناك من يرى القضية أبعد من ذلك بكثير وتتطلب موقفا حاسما، خاصة وأن تكرار خطاب الكراهية سيكون له مردود سلبى على المجتمع الأمريكى بلا شك، مطالبين بايجاد اطار قانونى يتعامل مع مثل هذه الدعاوى العنصرية على غرار ما تطبقه بعض الدول الاوروبية من عقوبات على دعاة الكراهية، وهو أمر لن يكون سهلا خاصة وأن حرية الرأى والتعبير المحمية بنص الدستور وغياب أى اطار قانونى لمواجهة التجاوزات، ستقف حجر عثرة فى مواجهة مثل هذه التصريحات التى يمكن أن تتكرر خلال الفترة المقبلة بصيغ مختلفة كلما اقتربت معركة الرئاسة من نهايتها. ليبقى الجدل قائما حول ترامب الذى أدمن على ما يبدو أن يكون فى قلب الحدث سواء سلبا أو ايجابيا، ويكون السؤال حول ما اذا كان ما حدث سيدفعه للتوقف واعادة النظر فى أسلوبه, أم سيكون دافعا له للاستمرار فى نهجه حتى لو افقده الحصول على ترشيح حزبه، فهذا الحديث المسئ لم يكن الاول ولكن الأهم هل سيكون الاخير؟