لم يكن منصب الإمام الأكبر شيخ الجامع الازهر مجرد منصب ديني رفيع يقتصر علي أمور الفقه و الفتوي فقد كان يدلي أصحابه بكلمة الحق اذا وجد السلطان جائرا... ! تولى 8 مشايخ من محافظة المنوفية مشيخة الأزهر منهم 4 من أسرة العروسي بقرية منية العروس بأشمون وهم أحمد بن موسى العروسى ( 1778م - 1793م) الإمام الحادي عشر ووالد الإمام الرابع عشر محمد بن أحمد العروسي وجد الإمام العشرين مصطفى العروسي ومحمد بن أحمد العروسي ( 1818م - 1829م) والد الإمام العشرين مصطفى العروسي ( 1864م - 1870م) من أسرة العروسي وأحمد بن موسى(1133 – 1208ه/1721 – 1793م. من مواليد قرية منية عروس بمركز أشمون بمحافظة المنوفية ودرس بالأزهر ومال للصوفية في بداية حياته وكان من كبار علماء الشافعية المعروفين بالتقوى ورقة الطباع وآلت إليه مشيخة الأزهر عام 1192ه بعد فترة ظل فيها هذا المنصب شاغراً بسبب الخلاف بين أنصار الحنفية والشافعية حول أحقية كل منهما للمشيخة عقب وفاة الشيخ الدمنهوري ، وقد انتهى النزاع باختيار الشيخ العروسي شيخ الأزهر ورئيس العلماء بالاتفاق إلى أن توفي . أما محمد بن أحمد بن موسى العروسي فقد أخذ العلم عن أبيه ثم تصدر للتدريس محل أبيه عقب وفاته فكان يقضي جل يومه من الصباح إلى المساء في إلقاء الدروس على طلبته لايترك التدريس ولا يبرحهم إلا للصلاة وتولى مشيخة الأزهر 1233ه واستمر شيخاً للأزهر حتى وفاته1245ه . وتولي مصطفى بن محمد بن أحمد بن موسى العروسي مشيخة الأزهر (1213 – 1293ه/ 1799 – 1876م ) وهو فقيه شافعي تلقى العلم على يد والده ،ولما ضعف شيخ الأزهر ابراهيم الباجوري بسبب كبر سنه جري تعيين الشيخ مصطفي العروسي كرئيس للجنة القيام بشئون الأزهر، واستمر هذا الوضع إلى سنة 1281ه أي إلي ما بعد وفاة شيخ الأزهر الباجوري بسنوات وفي سنة 1281ه تولى الشيخ مصطفي العروسي مشيخة الأزهر 1281ه وكانت مشيخة الأزهر قد تولاها من قبله أبوه وجده ،والشيخ مصطفي العروسي كان قوي الشخصية حريصًا على النظام والدقة، فخافه الطلاب وهابه المشايخ والأمراء، وكان حريصًا على مقتضيات الشريعة الإسلامية دون تراخ ،حارب البدع والخرافات ومنع شحاذة بعض الناس بأسلوب قراءة القرآن في الطرق ،ثم حرم غير الأكْفَاء من التدريس في الجامع الأزهر، حيث كان يرى أن التدريس بالأزهر يجب ألا يكون إلا لمن توافر فيه العلم، والثقافة، والخلق، والأدب ، ثم عزم على عقد امتحان لمن يتصدى للتدريس في الأزهر ، فخافه الشيوخ والطلبة وأوعزوا إلى الخديوي إسماعيل لعزله فوافقهم على ذلك 1287ه ،وجاء قرار الخديوي إسماعيل عام 1287ه بعزل الشيخ العروسي من منصب المشيخة دون تقديم أسباب أو مبررات لذلك العزل، وكانت هذه الحادثة هي المرة الأولى من نوعها، ويعود ذلك إلى ظلم الخديو إسماعيل، الذي ربما خشي من احتمال سعي الشيخ العروسي لزعزعة حكمه بعد ما زادت المظالم وديون الدولة المصرية بلا رابط في عهده، واشتكى الناس من شظف العيش في حين يعيش الخديوي الفاسد حياة من الترف والاسراف لا تتلاءم مع حالة شعبه. ولم تكن عائلة العروسي وحدها التي صدرت للأزهر ائمته فقد لحق بهم الشنواني ، محمد بن علي بن منصور وهو فقيه شافعي ولد بقرية شنوان الغرف بمحافظة المنوفية وتلقى تعليمه على أيدي كبار العلماء فشب متبحراً في علوم اللغة والدين ، مولعاً بعلمي الكلام والرياضيات وعرف بشدة تواضعه لدرجة أنه بعد فراغه من إلقاء الدروس علي طلاب العلم كان يغير ثيابه ويقوم بتنظيف المسجد حتى المراحيض ويغسل القناديل ويعمرها بالزيت والفتائل ثم تولى مشيخة الأزهر 1227ه بعد أن امتنع عنها كثيراًً نزولاً على رغبة العلماء والطلاب الذي ألحوا عليه حتى قبلها ، وظل شيخاً للأزهر حتى وفاته . وصار علي خطاه حسن بن درويش بن عبد الله بن مطاوع القويسني وهو من مواليد قويسنا بمحافظة المنوفية وقد نشأ كفيف البصر لكنه جد وثابرعلي الدرس والتحصيل للعلوم الشرعية حتى صار في طليعة علماء عصره . اشتهر بلقب البرهان الشافعي حيث كان حجة في الفقه الشافعي ، مال للتصوف واستغرق فيه ثم اختير شيخاً للأزهر 1252ه وظل في منصبه حتى وفاته عام 1254ه / 1838م ودفن بمسجد الشيخ علي البيومي بالحسينية في القاهرة أما الباجوري ، إبراهيم محمد والذي تسميه بعض المراجع خطأ البيجوري فقد ولد بمدينة الباجور بمحافظة المنوفية وقدم الي الأزهر عام 1212ه وتلقى العلم على كبار علمائه ،ولما احتلَّ الفرنسيون القاهرة سنة 1213ه ترك القاهرة إلى الجيزة فترة يسيرة، ثم عاد إليها عندما رحلت الحملة الفرنسية سنة 1216ه ،وثابر في الدراسات وتلقي العلوم من علماء الأزهر مثل الشيخ محمد الأمير الكبير ، والشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ الإمام حسن القويسني، والسيد داود القلعاوي، والشيخ محمد الفضالي ،وبعد أن تصدر للتدريس معهم كان يقضي وقته من أول النهار حتى صلاة العشاء في الدراسة والتأليف ، وفي فترة وجيزة ظهرت عليه آيات النجابة فدرَّس وألَّف في فنون عديدة، حيث تخرَّج على يد الإمام الباجوري طائفة من علماء الأزهر الأعلام، ومن أبرزهم رفاعة الطهطاوي، الذي لازمه مدة وتولى الباجوري مشيخة الأزهر في شهر شعبان سنة 1263ه الموافق يوليو سنة 1847م ،ولم يمنعه تولي المشيخة من مباشرة التدريس مع القيام بشئون الأزهر حتي أصابه المرض في آخر حياته و لم يستطع القيام بأعباء مشيخة الأزهر حيث حدثت أحداث جسيمة بالأزهر لم يستطع السيطرة عليها، وكان والي مصر سعيد باشا يؤدي فريضة الحج، وأقام عنه نوابًا أربعة، فرأى هؤلاء النُّواب أنه من الاحترام للإمام الباجوري لا يُعيَّنوا أحدًا مكانه في المشيخة، وأن يولُّوا أربعة وكلاء يقومون بإدارة شئون الأزهر تحت رياسة الشيخ مصطفى العروسي. أما الشيخ سليم عبد المجيد فقد ولد في 1882م لأسرة فقيرة بقرية (ميت شهالة) من ريف مصر تابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية وحفظ القرآن وجوده، ثم التحق بالأزهر، وكان الشيخ عبد المجيد سليم متوقد الذكاء مشغوفًا بفنون العلم، متطلعًا إلى استيعاب جميع المعارف ،ومضت الايام واستكمل تعليمه بالأزهر على يد علمائه من كبار الأئمة ورواة الحديث والمفسرين درس علي يد الإمام الشيخ (محمد عبده )والشيخ (حسن الطويل) والشيخ (أحمد أبي خطوة) ،وفي سنة 1908م نال الشهادة العالمية من الدرجة الأولى وشغل الكثير من المناصب الدينية فى التدريس بالمعاهد الدينية، ثم بمدرسة القضاء الشرعي كما ولي القضاء وتدرج فيه حتى وصل إلى عدة مناصب، ثم عهد إليه بالإشراف على الدراسات العليا في الأزهر ، ثم صارت إليه رياسة لجنة الفتوى ،وفي 1928م أصبح (مفتي الديار المصرية ) وظل يباشر شئون الإفتاء قرابة عشرين سنة ،واصدر خمسة عشر ألف فتوى وكان فقيها مجتهداً لا يتقيد بمذهب معين وإنما يتعمق في بحث الأدلة وعاصر أحداثا هامة بمصر وشارك فيها وكان لآرائه الدينية صدى بعيد فى العالم الإسلامى كافة. ويروي انه وصل إليه سؤال من إحدى المجلات عن مدى شرعية إقامة الحفلات الراقصة في قصور الكبار، وقد حمل رسالة المجلة إليه أحد أمناء الفتوى في دار الإفتاء، ولفت نظره إلى أن المجلة التي طلبت الفتوى من المجلات المعارضة للملك، وأن الملك قد أقام حفلا راقصا في قصر عابدين، فالفتوى إذن سياسية، وليس مقصوداً بها بيان الحكم الديني. وتريد المجلة بذلك الوقيعة بينه وبين الملك، إلى جانب التعريض بالتصرف الملكي وصولاً إلى هدف سياسي،فقال فضيلته: وماذا في ذلك ؟ إن المفتي إذا سُئل لابد أن يجيب ما دام يعلم الحكم وأصدر فتواه بحرمة هذه الحفلات ونشرت هذه الفتوى مؤيدة بأدلتها الشرعية، وعلي إثر هذه الفتوى حدثت أزمة بين الملك والمفتي،صمم الملك على الانتقام من المفتي، الذي كانت فتواه سبباً في إحراجه فوجّه الديوان الملكي دعوة إلى الشيخ عبدالمجيد سليم لحضور صلاة الجمعة مع الملك في مسجد قصر عابدين، وهو القصر الذي أُقيم فيه الحفل الراقص، فذهب المفتي وجلس في المكان المخصص له، وحين حضر الملك جلس في مكانه بالصف الأول، وبعد انتهاء الصلاة وقف كبار المصلين لمصافحة الملك بعد الصلاة قبل أن يدخل إلى حديقة القصر من الباب الداخلي للمسجد المؤدي إلى الحديقة، ووقف المفتي في مكانه استعداداً لهذه المصافحة الملكية، وكان كل من يأتي عليه الدور للمصافحة يرفع يده نحو الملك استعدادا لمصافحته، فيصافحه الملك لكن الشيخ عبد المجيد سليم لم يبدأ الملك بالمصافحة وفشلت رغبة الملك أن يترك يد الشيخ ممدودة للمصافحة دون أن يصافحه، ويكون في تلك الإهانة عقاب أدبي للمفتي . وتصدي المفتي للملك فؤاد عندما حاول أن يستبدل ببعض ممتلكاته من الأراضي الصحراوية الجرداء القليلة الثمن ، بأراضي زراعية خصبة موقوفة للخيرات فأفتي الشيخ عبد المجيد سليم أن مثل هذا الاستبدال باطل لأن الاستبدال لايجوز لغير مصلحة الوقف ، وهي هاهنا مفقودة . و عين شيخاً للأزهر لأول مرة في 26-12-1369 ه الموافق 8-10-1950م فأسهم فى إصلاح الأزهر وكان لديه اشتغال بالتقريب بين المذاهب السنية والشيعية وبعد تعيينه بأقل من عام أعفي من منصبه في 4-9-1951م لاعتراضه على الحكومة المصرية عندما خفضت من ميزانية الأزهر. وأعلن عن غضبه وقال عبارته الشهيرة "أتقتير هنا وإسراف هناك "وكان يقصد بالإسراف تبذير ملك مصر فاروق وحاشيته. لكنه أعيد إلي المنصب مرة أخرى 1371ه فتولى المشيخة للمرة الثانية في يوم 10-2-1952م. وكان يحيي سنة السلف الصالح فيفتح أبواب بيته بمنشية البكري في رمضان طيلة الليل، للواردين والمترددين وبعد فترة وجيزة من ثورة يوليو 1952 وكان قد بلغ السبعين عاماً لم يرتاح إلي العمل كشيخ للأزهر فقدم استقالته في 17-9-1952م ، وحل محله الشيخ (محمد الخضر حسين ) ، وتوفي يوم 7-10-1954م الموافق 10-2-1374ه وبعد وفاته بعقود كرمت مصر اسمه بمنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفى للأزهر.