عندما سئل الروائي والشاعر الكبير خوان جويتيسولو – الملقب بأعظم أديب إسباني على قيد الحياة – في حوار أجري معه مؤخرا عن هويته قال" أنا أديب سيرفانتيسي (نسبة الى الكاتب الإسباني الكبير سيرفانتيس صاحب الرواية الشهيرة "دون كيخوته") - وليس إسبانيا" .. ولذا ربما كان من الغريب ألا يفوز بالجائزة التي تحمل اسم سيرفانتيس إلا مؤخرا ، حيث أعلنت الجائزة التي تعد أكبر وأهم جائزة للأدب الإسباني قبل أيام ، وذلك بعد أن رشح لها عدة مرات من قبل وأخطأته. الجائزة التي تعتبر نوبل الأدب المكتوب بالاسبانية ، ذهبت من قبل لكبار مثل البيروفي ماريو فارغاس يوسا (1994) والارجنتيني ارنستو ساباتو (1984) والمكسيكي اوكتافيو باث (1981).. وقيمتها 125 ألف يورو. وزير الثقافة الإسباني قال إن غويتيسولو حصل على هذه الجائزة نظرا لمقدرته الخارقة في تطويع اللغة وتجريبه المستمر في اللغة ودفاعه الدائم عن الحوار بين الثقافات. هذا الإيمان بأهمية حوار الثقافات هو ما جعل جويتيسولو يرفض ما يشعر أنها عنصرية فكرة الأدب القومي - كما قال في حواره الأخير مع موقع وايت ريفيو الأدبي .."أرى من العبث التمييز بين الأدب بحسب القومية، فهناك أشياء رديئة مكتوبه بالإسبانية وهناك أشياء جيدة. وأنا أجد لدي تشابهات أكبر مع فوينتاس وكابريرا الصغير أكثر مما لدي مع كاميلو خوزيه سيلا و ميجيل ديليبيس مثلا".. وفي الحوار الذي تم اجراؤه قبيل الحصول على الجائزة ، اعترف جويتيسولو بأنه قال منذ بضع سنوات انه سيتوقف عن كتابة الروايات: ".. شعرت أني قلت كل ما عندي. لكني عدت فكتبت بعض الأشياء مؤخرا، ولكني لست متعجلا لنشرها. لقد أصدرت ديوان شعر صغيرا في إسبانيا، لتصبح الدواوين تسعة، وكتبت القليل جدا بعدها. ولدي مخطوطتان أو ثلاث أعمل عليها. الكاتب الذي ولد في برشلونة عام 1931، وانطلقت مسيرته الادبية عام 1954 برواية "ألعاب أيادٍ"، لتصل كتبه إلى حوالي الثلاثين ، من بينها 15 رواية.. يبدو وقد اندفع إلى الشعر مؤخرا .. "كل ما كتبته منذ كتاب "الكونت جوليان" ، شعرا أو نثرا، هي نصوص للقراءة بصوت مرتفع، وقد كتبتها بصوت مرتفع، مع الاعتناء بالعروض وبالإيقاع.. لا أعرف إن كان هذا يظهر في الترجمات للإنجليزية أم لا! كنت دائما أقدّر الترتيل أو الترنيم، وأرى أن الروائي عليه أن يقرأ الشعر طوال الوقت، فإنه لو لم يفعل ، سيكتب "نثرا نفعيا" بائسا ، يستهلكه عامة القراء فقط لأن كل ما يريدونه هو "الأحداث" . علينا أن نفرق بين نص أدبي وعمل أو منتج منشور! لقد كتبت الكثير من النصوص الأدبية، وكانت عندي أولويات مختلفة. فلم أكتب يوما لأكسب عيشي، لكني كنت أكسب عيشي لكي أستطيع أن أكتب". ولا يجد الكاتب الإسباني الكبير غضاضة في أن يعترف أن هذا شيء تعلمه من الكاتب الفرنسي الشهير جان جينيه .. "لقد كانت له عباره أرددها دائما: الصعوبة الحقيقية هي احترام الكاتب للقارئ، أو بمعنى آخر جعله يفكر ويشارك فالعمل الإبداعي لا يكتمل إلا بقراءة القارئ. أما "المنتج المنشور"، علي الجهة الأخرى، يفقرأ ويهضم ويتم التخلص منه كمثل استهلاك الهبرجر..” جويتيسولو الذي يبلغ من العمر 83 عاما قال إنه اكتشف إسبانيا الحقيقية في سن العشرين خلال تأديته الخدمة العسكرية .. "في هذا البلد إن ولد الفرد في طبقة برجوازية فهو يجهل كل شيء عن الطبقات الاخرى". وقد منع كتابه الذي يحمل عنوان "للعيش هنا" وينتقد إسبانيا تلك التي اكتشفها فغادرها إلى المنافي، تاركا وراءه ذكريات الحرب الأهلية المرة وخسارة والدته التي فقدها في قصف بالقنابل جعله مع شقيقيه الشاعر الراحل خوسيه اغوستين جويتيسولو والروائي لويس جويتيسولو، ضحايا حالة اليتم التي أسلمتهم لاغتراب الروح الذي لا يشفى، والذي ساهم في تشكيل الحالة الإبداعية المتفردة لخوان جويتيسولو .. وعندما مات الديكتاتور الإسباني فرانكو منذ 25 عاما شعر خوان جويتيسولو بأنه قد تحرر.. " أمي قتلتها قنبلته، وعائلتي شردت، وأجبرني على الرحيل للمنافي. وكل ما أبدعته هو نتيجة للحرب الأهلية".. هذا ما قاله جويتيسولو عن نفسه في حواره مع موقع وايت ريفيو الأدبي قبيل حصوله على الجائزة التي قال رئيس لجنة تحكيمها الكاتب خوسيه مانويل كاباييرو إنها ".. جاءته في الوقت المناسب، إذ يعتبر هذا الكاتب واحدا من قمم الأدب الإسباني غداة الحرب الإسبانية". وعندما سئل عن أعماله وأعمال أخويه أيضا، والتي تعيد رسم فصول من تاريخ أسرته كإطلالة على أسبانيا وبرشلونه الثلاثينيات والأربعينيات، وهذا التركيز الذي يشبه الهوس بتلك الفترة .. أجاب بأن الحرب الأهلية "ألقت بظلال طويلة المدى، وكانت وفاة والدتنا صدمة كبيرة. فيما بعد كرهت حكم فرانكو ومن سن الثامنة عشرة دركت أن إسبانيا هذه لا تخصني ولا أنتمي إليها. ففقدت إيماني، وصرت مهووسا بفكرة الهروب، ومن يومها لم أقرأ سوى الكتب المحظورة ، والتي كنت ألتمسها من رفوف أمي أو الغرف الخلفية للمكتبات".. وهكذا فإن جويتيسولو الذي حظرت بعض أعماله في عهد فرانكو التي كان يعارضها، يقول إنه ما من تجربة أكثر إمتاعا من قراءة الكتب الممنوعة."فكتاب مثل "طفل" لكابريرا، له قيمة داخل كوبا أكبر مما له بالخارج مثلا.. الرقابة تبدو وكأنها تملك قوة "ميداس" تلك الشخصية الأسطورية التي يتحول أي شيء بين يديه إلى ذهب. فكل شيء مسيس، والرقابة موجودة للتخلص من السياسة، لكنها في الواقع تفعل العكس”. وعن الجدل حول تصنيف بعض كتبه الأخيرة سئل هل يطلق على أعمال مثل "علامات هوية "، و"الكونت جوليان" روايات؟ فأجاب بنعم .. "فالرواية كائن متوحش تستوعب داخلها أشكالا أخرى كثيرة من الكتابة : المقال، الشعر وغيره.. هذا لا ينطبق على الشعر الحديث، الذي لا يبدو أنه قادر على المحافظة على مغزل الحكي". ويعترف جويتيسولو بحدوث نوع من الانفصام مع ما أسماه واقعية أعماله الأولى، بدءا من الصفحات الأخيرة لرواية علامات هوية.. "هنا بدأت أتحول إلى أسلوب الكونت جوليانو، ثم يأتي كتاب جوان المشرد، والذي أعدت مراجعته مؤخرا لأقتطع منه حوالي مائة صفحة . إعادة القراءة بالنسبة لجويتيسولو أمر مذهل.. "العمل الأدبي في رأيي يصرخ دائما لتعاد قراءته، ولهذا كنت دائما أهتم بالعدد الهائل ممن يعيدون القراءة وليس العدد الكبير من القراء. وكل صيف أعيد قراءة أعمال مؤلفين أو ثلاثة .. ديدرو، فلوبير، تولستوي... فما تقرأه في الثمانين ليس هو ما قرأته وانت في الثلاثين من عمرك. لقد كنت أتأثر بالعدمية والمشاعر عند دويستوفسكي أكثر من تولستوي، لكنني الآن أرى تولستوي مبدعا أعظم وربما أعيد قراءة جيمس جويس، والإلياذه الأيام المقبلة.. عاش جويتيسولو لفترة بين اسبانيا وفرنسا – حيث تزوج من فرنسية – قبل أن ينتقل للإقامة في مدينة مراكش المغربية منذ حوالى عشرين عاما. ولهذا لم يكن غريبا أن يكون واحدا من المدافعين عن الحضارة العربية والإسلامية وعن القضية الفلسطينية . “.. حاولت أن أتعلم اللغة العربية وأنا في باريس، لكن ذلك كان صعبا. وفي طنجة، كان الجميع يتحدثون إلى بالإسبانية أو الفرنسية. في مراكش بدأت أتعلم العربية، فلم تكن السياحة منتشره بها عندما ذهبت إليها، وقد ادعيت أنني لا أفهم الفرنسية.كنت أذهب إلى الميادين لأستمع إلى الحكائين... ويأسف جويتيسولو أنه لم يعد هناك حكاءون تقليديون في مراكش .."لقد مرت أربعون عاما منذ مات آخر الحكائين، بلا وريث! أذكر كيف كنت أذهب للاستماع إليهم في عام 1976، في الميدان كل يوم حتى فهمت كل ما يقولونه. وقد صادقت أحدهم وكان يبدو وكأنه شخصية من العصور الوسطى ، كانوا يطلقون عليه لقب الصاروخ، لأنه كان فارع الطول، وله بطن ضخمة وكان يثير الضحك بهستيرية ، ويمتلك قدرة إبداعية لغوية غير عادية. أنا أعتبر اثنين على الأقل من أعمالي "مدجنة"، ومتأثرة بشدة بالأدب العربي والفارسي. "فضائل طائر العزلة"، والمستلهمة من صوفية المعلم الصوفي الإسباني الكاثوليكي القديس يوحنا الصليبي ، "حجر صحي" ، التي تتطلب معرفة قوية بعلم التحاليل الطبية الإسلامي. لقد تعلمت الكثير عن اللغة الإسبانية بتعلمي اللغة العربية المحكية ". جويتيسولو الذي حصل على جوائز أخرى مهمة من قبل مثل مان بوكر ، كان قد رفض جائزة القذافي والتي تقدَّر ب 150 ألف يورو قائلا إنه لا يستطيع وهو من قاوم الديكتاتور فرانكو أن يقبل جائزة مقدّمة من الجماهيرية الليبية التي استولى فيها القذافي على الحكم بانقلاب عسكري سنة 1969.. لكنَّه أكد احترامه للثقافة العربية والقضايا العادلة قال صاحب كتاب «إسبانيا في مواجهة التاريخ... فكّ العقد»، .. "أنا أُعَدُّ بين قلّة من الروائيين الأوروبيين المهتمين بالثقافة العربية الإسلامية. وقد دافعت قدر استطاعتي عن القضية الفلسطينية، وكنت حاضراً على جبهات النضال من أجل الديموقراطية في العالم العربي، واستعادة شعوب المنطقة للحريّة التي حرمت منها على نحو تعسّفي”.
لا مزيد
شعر / جويتيسولو نسيم أشجار الحور أذكرها في الأول من مارس رحلت لا مزيد ابتسامة أو إيماءة الإشراق في عينيك الذي لم أر له مثيلا لا مزيد بعد أيام من غضب ووجع وشدة وفي انتصاف الليل أراك نجما لا مزيد لتوهجها السرمدي في مقابل الخلود أهدي بضع كلمات حب لا مزيد
«صوت» صوت أجمل بلاد الأرض في هذه اللحظة تماما هناك رجل يعاني معذب فقط بحب الحرية