سفير إسبا نيا مع جويتيسولو والأسوانى ود.على المنوفى تحت عنوان رياح الحرية في البلدان العربية نظم معهد ثربانتس لقاء بين الأديبين علاء الأسواني وخوان جويتيسولو، الحاصل علي الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية سنة 2008، ترجمةالدكتور علي المنوفي وقدمه لويس خابيير سييرا مدير المعهد، وافتتحه سفير"إسبانيا" فيديل سيندا جورتا بكلمة قصيرة وصف فيها الأديبين بأن كليهما تميز بالكتابة التحليلية والتأملية، وأنهما من المثقفين الواعين باللحظة التي يعيشانها، ولا يخضعان لأي ضغوط. وحكي جويتيسولو كيف تنبأ بامتداد الثورة من "تونس" إلي"مصر"، فعند زيارته لمصر سنة 2008 رأي شيئين: أن الديكتاتورية لم يعد يطيقها الناس، وانخفاض مستوي المعيشة، و أنه استنتج من "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني أن الناس يمكن أن تتحمل الديكتاتورية إذا ما كانت هناك وسائل للعيش، أو تتحمل الفقر إذا كانت هناك ديمقراطية، أما إذا فُقد الشيئان فإن الثورة قادمة لا محالة. وأضاف جويتيسولو أن هناك ثلاثة عناصر أسهمت في هذه الثورة وهي وسائل الاتصال المعاصرة من "فيس بوك" و"تويتر"، بالإضافة للوثائق التي نشرتها "ويكليكس" التي كان لها أثر في تعرية الديكتاتورية في مختلف دول العالم، والعنصر الثالث هو الوضع السيئ للشعب المصري منذ 12 عاما والذي وجدته يتحول إلي الأسوأ.. ثم تحدث حول مسألة القدرية في"إسبانيا" أو ما أطلق عليه الحظ النكد، حيث تهاوت الثقافة الإسبانية في نهاية القرن السابع عشر، إلا أن للديمقراطية طريقا طويلا وشاقا بدأ عندنا من سنة 1808 وحتي 1976! وتذكر أحد شخصيات علاء الأسواني يتحدث عن القدرية التي يعيشها المصريون. ورحب به علاء الأسواني "باعتباره أهم روائي أسباني علي قيد الحياة عاش ولا يزال يعيش حياته مخلصا لمبادئه فقط، ماتت والدته في غارة من غارات فرانكو، الذي ظل مطاردا من ديكتاتوريته حتي إنه اضطر للعيش منفيا خارج إسبانيا في المغرب منذ سنة 1967، مع شرح نقاط كثيرة مضيئة في مسيرة جويتيسولو تتمثل في أنه يري العالم من منظور إنساني، ولم ينحز لأصله العرقي أو ديانته بقدر ما ينحاز للمبادئ الإنسانية، وينطبق عليه ما قاله جيفارا عن الرجل الشريف: إنه يقول دائما ما يعتقده ويفعل دائما ما يقوله. وأشاد برفضه جائزة القذافي الأدبية منذ حوالي عامين لأنها كما قال جويتيسولو: "ضد كل ما آمنت به من مبادئ في حياتي، ولا أستطيع الحصول علي جائزة من حاكم يستولي علي السلطة منذ أربعين عاما بالقوة المسلحة ويرتكب كل الجرائم ضد شعبه". و أثني علي موقفه المتعاطف مع الثورة المصرية وقبلها التونسية منذ اللحظة الأولي، وتحليله للمجتمع المصري متخلصا من النظرة الاستعلائية التي نراها عند عدد غير قليل من المستشرقين. ثم عقب جويتيسولو علي ذلك بأن الجميع يعرفون مدي عمق حبه للثقافة العربية، لكنه حب غير مشروط، يرتقي إلي مستوي النقد: "نقد الصديق أمر ضروري، وأنا لا أنتقد أعدائي؛ لأنهم قد يتعلمون منه"، ثم قرأ كلمات إحدي شخصيات "عمارة يعقوبيان" تتحدث عن توجه عام في البلاد بعدم تقديم التربية للمواطن، فيكثر الجهل والفقر و... وبالتالي يمكن السيطرة علي الشعب. وسرد مقال كتبه في15 يناير أي قبل الثورة بعشرة أيام تحت عنوان: "لا تصدق ما تراه عيناك" بدأه بعبارة قالتها كتالينا قيصرة "روسيا": "العامة لا يجب أن يتلقوا أي تربية، فإذا ما كانوا يعرفون كثيرا، فسوف يعصوني بالدرجة نفسها التي يطيعونني بها الآن". مؤكدا أن الحكام العرب يتعمدون إغفال التعليم، وأنه "إذا كان الذهب قد استخدم في إسبانيا لبناء الكنائس والقصور فإن أرباح البترول تم توجيهها لتمويل المدارس والمساجد، ولم يقتصر هذا علي العالم الإسلامي بل شمل أوروبا، وكذا في بناء القصور المنيفة للمشايخ وأمراء البترول، في لندن وباريس وماربيلا والدار البيضاء، نجد إذن في كلتا الحالتين جري استخدام الثروات التي أتت من بطن الأرض في مسار غير ذلك الخاص بالوفاء بالحاجات الملحة للشعوب في ميدان التربية، فهناك 47 بالمئة من العرب أميون، إضافة إلي هذا الخليط المتفجر من الجهل والإحباط والشعور بالظلم الذي هم ضحاياه، وهو الذي يغذي الإرهاب الجهادي في الوقت الحاضر. وحول رأيه في السياسة المقصودة لإبقاء الشعوب العربية في غياهب الجهل قال علاء الأسواني: هناك علاقة عكسية بين النظام الاستبدادي وأنظمة التعليم، ففي أنظمة الاستبداد عادة يكون مستوي التعليم والوعي متدهورا، وأعتقد أن هناك جزءا إراديا وآخر لا إرادي في هذة العلاقة، أعني أن النظام الاستبدادي يحمل في طياته جذور الفشل في كل المجالات، الاستبداد معناه عدم القدرة علي تصحيح المسار، والفساد، والمحسوبية، وأن تضع أشخاصا في أماكن لا يصلحون لها لأنهم أكثر ولاء، وبالتالي الاستبداد يؤدي لفشل التعليم تلقائيا، لكن هناك أيضا توجس الديكتاتور من الذين يعرفون أكثر مما يجب؛ لأنه في هذه الحالة تكون له نفسية اللص، الذي يستريح في الظلام لأنه يعلم أن النور يكشف سرقاته، وبالتالي يستريح عندما يكون مستوي الوعي متدهورا؛ لأنه يعلم أنه إذا انتبه الناس واستردوا وعيهم سيكشفون جرائمه. وسرد جويتيسولو تجربته مع الرقابة، فبعد أن زالت حكومة فرانكو نشرت بعض التقارير الرقابية حول رواياته، التي كانت توصف بأنها تقارير مسلية، وقال: إنها كانت أكثر قسوة من ديكتاتورية مبارك، مؤكدا أن رواية علاء الأسواني ما كان لها أن تنشر إذا مرت بالرقابة في "إسبانيا"، المشكلة الثانية هي الرقابة علي الذات، فعندما نشر كتابا عن الصمت في جنوبإسبانيا، وقفت الرقابة حائرة فلم تجد شيئا تحذفه، فاكتشفت أنه كان يمارس الرقابة الذاتية: "منذ تلك اللحظة أدركت أنني لا يجب أن أمارس هذه الرقابة علي الذات، بعد ذلك عادت أعمالي تمنع مرة أخري"، وحكي تجربة فريدة مر بها سنة 1985 حين زار "مصر"، وأقام بمقابر القرافة لمدة شهر، في تجربة تجمع بين كل ما يثير الفضول والإحساس بالصوفية، وكيف عايش أناسا فقراء لكن لهم كبرياء شامخ، وعندما نشرتها الباييس" اتهمه مسئول بالسفارة المصرية في "مدريد" بالإساءة إلي سمعة مصر السياحية، وعندما حضر فريق التليفزيون لم تتركه الرقابة، رفضوا تصوير مطعم شعبي بسيط، وكل ما سمحوا له بتصويره هو ضريح عمر بن الفارض. "عندما كنت أتابع الثورة المصرية والتونسية كتبت مقالا تساءلت فيه عن شئ مهم: ما الذي يدور في عقل ديكتاتور خلال الأيام والساعات الأخيرة التي يعانيها نظامه قبل سقوطه في مزبلة التاريخ؟ وكيف يمكن له أن يتصور هذا المشهد لشعبه المحبوب وهو يتظاهر ضده؟ الموضوع به طرافة، ولو كنت كاتبا شابا ولدي كافة الإمكانات الإبداعية، سأحاول أن أعبر عن ذلك من خلال حوار داخلي يجمع بين الأزمنة والأمكنة، بين الماضي والحاضر المؤلم. الديكتاتور الذي يحيط به كل الرؤساء، ثم ينتهي كل شيء فجأة، وهو ما أطلق عليه ماركس لؤم التاريخ". وأضاف: "بينما لا نعرف ما سوف تكون عليه نهاية النظام الدموي للقذافي، علينا أن نسعد بما يحدث للدول العربية، من هنا أتساءل من سيقوم بتجسيد دور مصففة الشعر التي تحولت إلي سيدة تونس الأولي؟ وهل سيكون هناك مشهد للتأنيب المتبادل بينها وبين زوجها؟ وما الذي سيقوم به الممثلون في هذا السياق؟ هل سيكيلون لبعضهم اللكمات؟ وإذا انتقلنا إلي القاهرة، سنتصور مسلسل رمضان القادم به حرم مبارك الطموحة تتهم زوجها بعدم الكفاءة والقدرة، والابن الطيب والمتواضع يقوم بتنفيذ كل ما تطلبه والدته، وأخاه جمال والأمناء الطيبين يحاولون تغيير مواقفهم في اللحظات الأخيرة، وأتصور ذلك الوجه الكالح الذي يعتقد نفسه ملك حياته ويري عمله وهو يغرق، وما اقتنصه من أموال في جنوبسيناء كعمل تاريخي من الطراز الأول، هذا ما سيطلع عليه الناس في المستقبل". وفي النهاية وجه التحية للأسواني علي ما حدث في اللقاء بينه وبين الدكتور أحمد شفيق قائلا: "أحييك علي هذا الموقف العظيم"، ثم هتف: "كلنا خالد سعيد". وأجاب علاء الأسواني عن سؤال حول رأيه عن الإبداع بين الديكتاتورية والعبثية، ومعني أن يكون هناك كاتب جيد إلا أن له موقفا مختلفا عن السياق، أجاب: إن الأدب له تعريفات كثيرة، لكنه يميل إلي تعريف أن الأدب حياة علي الورق أكثر عمقا ودلالة وجمالا عما يحدث في حياتنا اليومية، وبالتالي كل ما نعيشه وله معنًي لا بد أن يكون موجودًا في الرواية، وفي كل عمل أدبي هناك عنصران، عنصر"الآن" وهو ما يحدث في المجتمع لحظة كتابه الرواية، أو في زمن الرواية إذا كانت تدور في الماضي، وهو في الواقع ليس أهم ما في الأدب، بل الأهم هو العنصر الإنساني، وهو قدرة الأديب علي تقديم شخصيات حقيقية تحمل هموما إنسانية؛ لأن مشكلات المجتمع الاقتصادية والسياسية تتغير، لكن أحزان الإنسان لا تتغير، وقدم لذلك مثالا الكاتب تيودور ديستويفسكي، الذي عاش في القرن التاسع عشر في روسيا القيصرية، وبالتالي العنصر"الآن" في رواياته كان يتحدث عن عصره، الذي زال، وبالتالي المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تناولها ديستويفسكي هي في واقع الأمر الآن بلا قيمة باستثناء القيمة التاريخية، ولكن العنصر الإنساني هو أقوي ما في أعماله، وبفضل هذا العنصر تستطيع حتي الآن أن تقرأ له وتكتشف أسئلة إنسانية تراودك كقارئ حتي بعد كتابة رواياته بمئة وستين عاما، وربما أو في الغالب سوف تجد شخصيات وصفها في روسيا القيصرية مماثلة لشخصيات تعمل معك اليوم في المكتب سواء في مصر أو المغرب أو نيويورك. هذا هو العنصر الإنساني الذي يجعل الأدب عابرا للزمان والمكان. وأضاف: إن حضور جويتسولو إلي "مصر" جاء في الوقت المناسب، حيث تحررت البلاد من الطاغية، وأثبت المصريون استعدادهم التضحية من أجل الحرية والكرامة.