استغل المركز القومي للترجمة وجود الكاتب الإسباني الشهير خوان جويتيسولو في القاهرة فعقد ندوة بالتعاون مع المركز الثقافي الإسباني حضرها السفير الإسباني بالقاهرة، ورئيس معهد ثربانتس، وأدارها الدكتور محمد أبو العطا، أستاذ الأدب الإسباني، ومستشارنا الثقافي الأسبق في مدريد، لمناقشة كتابه "مقاربات لجارودي في كبادوكيا" الذي اضطلعت بترجمته الدكتورة هيام عبده. وأشار أبو العطا إلي أن هذا الكتاب يعد واحدا من أحد عشر كتابا أهداها جويتيسولو إلي المركز القومي للترجمة، ثم أعطي فكرة عن الكاتب الذي ينتمي لجيل الثوار حيث له أكثر من خمسين عملا بين رواية ودراسة، كما وصفه بأنه كاتب ملتزم بقضايا التحرر الوطني والثورات وله اهتمامات خاصة بالعرب والشرق. وأضاف أبو العطا أن الكاتب ينأي عن التطرف ويسبح بأعماله خارج حدود الأيدلوجيات والتطرف كما أن له شفرته الخاصة التي تتسم بالعمق والجمال والامتزاج بين الفلسفة والتصوف. وأكدت الدكتورة هيام عبده، مدرس اللغة الإسبانية بجامعة حلوان، أنها تعرضت لصعوبات كثيرة أثناء ترجمتها لهذا الكتاب تركزت في أن الكاتب موسوعي، وصاحب نظرة فلسفية عميقة مما جعلها تعود أثناء الترجمة إلي الكثير من الكتب الصوفية وخاصة لابن الرومي. أما الدكتورة نادية جمال الدين، أستاذ الأدب الإسباني بالألسن، فقد قصدت تعريف الحضور بأدوار الضيف كثائر ومنفي بكل ما تحمله الكلمة من معني باعتباره أحد الثوار علي نظام الجنرال فرانكو، وكيف أنه اختار النفي إلي فرنسا، وهناك التقي بالشرق من خلال المهاجرين العرب. ثم انتقلت إلي جويتيسولو المبدع الذي يتمتع بقيمة خاصة لأنه أول من اهتم بنقل الثقافة العربية والشرقية إلي مجتمعات كثيرة، فقد نقل الكثير من كنوز ثقافتنا إلي القارئ الإسباني، مما يحمسنا إلي الاحتفاء به لأنه يعّرف الآخر بنا، وهو صاحب أسلوب يتسم بالتمرد ويخرج دائما عن المألوف، كما أنه يغازل القارئ ويوقعه في شباكه حتي لا يستطيع الهروب منه، وهو يكتب وينقل الصورة بدقة الكاميرا، وفي "المقاربات" يثبت أن الإنسان واحد والمعمار يكاد يكون واحدا وإن اختلفت الأمكنة، ودائما يحاول إثبات أن بداية الإنسانية واحدة أيضا. ثم تحدث خوان جويتيسولو فقال إنه سعيد بوجوده بمصر في أول أيام الثورة مع أصدقائه في مصر بثوبها الجديد، مرحبا بالغيطاني علي وجه الخصوص، وأشار إلي أن اهتمامه بالعالم العربي نابع من أن القاموس الإسباني يحوي أربعة آلاف كلمة عربية وكان يدفعه الفضول بالثقافات الأخري ويمكن أن يكون ذلك نتاج المنفي الذي تعرض له فجعل منه صاحب نظرة أوسع للثقافات المحيطة به. وأكد جويتيسولو أن عبقرية الأدب العربي تكمن في: الشعر والتعبير الصوفي، وأضاف: ما جذب انتباهي لشعر الصوفية العربي هو تقاربه مع الشعر الإسباني، فالثقافة دائما تنجح عندما تهتم بالآخر، فقد سقطت الثقافة الإسبانية أيام محاكم التفتيش، مما أدي إلي تردي الوضع، لكنها سرعان استعادت قوتها وازدهارها في القرن التاسع عشر. وأشار إلي أن الاهتمام بالأدب الشعبي يظهر كثيرا في فصول هذا الكتاب، وقال: هناك فصلاً كاملاً كتبت فيه عن الإسلام في المغرب؛ فقد قضيت عاما هناك لدراسة مناسباتهم الدينية التي تشبه الموالد بمصر كما تشبه إلي حد كبير بعض الاحتفالات بإسبانيا وتركيا. وأضاف: "وأنا عندما أفكر في كتابة رواية أو دراسة استدعي بعقلي كل ما قرأت ورأيت، فكتاباتي تعد مغامرات أدبية، وأري أن صعوبة النص واجبة لأنني لا أحب أن يأخذ القارئ كتاباتي علي أنها "شطيرة هامبورجر" أو إحدي وجبات "الفاست فود" فذلك يعد احتقارا للقارئ وأنا أحترم قارئي وأبجله. ففي إحدي زياراتي للقاهرة، قبل الثورة، قررت تصوير فيلم وثائقي عن القاهرة بكل ما فيها من تجليات: صوت أم كلثوم، والإهرامات، والمقابر، والشوارع، وأسطح المنازل، لكن رقابة أحد الدبلوماسيين المصريين علي الفيلم جعلته بعد المونتاج شيئا آخر غير ما كنت أقصد، ولكن أكثر ما شد انتباهي أن في القاهرة ورش نجارة تصنع كراسي كبيرة مذهبة الخشب ذات ألوان حمراء وكأنها عروش أباطرة وطغاة". ثم حكي جويتيسولو عن "كبادوكيا" وما رأي فيها من مقاربات بين البلدان الأخري، ثم تحدث عن قراءة بورخيس ل"ألف ليلة وليلة"، و"المتاهة"، ووصفها بالرائعة، كما قال إن هذه الرؤية تتقابل مع دون كيشوت؛ فالعالم هو المنزل الذي لا نملكه، والهجرة هي البحث المنطقي عن الدار. واختتم كلامه بالجملة الشهيرة التي تقول: "أجمل خزانة في الدنيا هي تلك التي تمتلئ بالكتب".