الحقيقة أن القيادة العسكرية المصرية استخلصت من حرب الاستنزاف عددا من الدروس الهامة التى كان لها أكبر الأثر فى رسم التصور الصحيح لعملية الهجوم الشاملة التى تحمل اسم «بدر» يوم السادس من أكتوبر 1973 وأهم هذه الدروس أن العدو لا يضع فى اعتباره إمكان مهاجمته نهارا ومن ثم فقد تحققت المفاجأة أكثر من مرة خلال حرب الاستنزاف بمهاجمته فى وضح النهار، وأن هذا العدو لا يتمكن من إبداء أية مقاومة تذكر عندما يفاجأ بالهجوم والدليل على ذلك أنه رغم تدخل احتياطياته ضد معظم الأماكن والإغارات إلا أن دوريات الاستطلاع المصرية تمكنت من تنفيذ مهمتها بالسرعة والدقة المطلوبة ومنع الاحتياطى من التدخل تحت مظلة التأمين بالقصف المدفعى من الضفة الغربية للقناة. إن العوامل الرئيسية وراء نجاح كمائن وإغارات دوريات القتال والاستطلاع تعود أساسا إلى السرية الكاملة والدقة فى التخطيط وحسن اختيار منطقة الكمين وأسلوب تنفيذه تحت غطاء الخداع الذى يصنع المفاجأة.. ومن ثم فإن الوسيلة الوحيدة لتحطيم خط بارليف هى الاقتحام المباشر بواسطة أفراد المشاة ومواجهة العدو داخل الدشم والملاجئ. وفى ضوء هذه الدروس لم يكن صعبا بدء بناء المدخل الحقيقى لقرار الحرب يوم السادس من أكتوبر استنادا إلى الدور الذى لعبته حرب الاستنزاف للخروج من ظلام الهزيمة والانطلاق نحو نور النصر! وهكذا فإنه فى اللحظة التى بدأ فيها العبور المصرى لقناة السويس بعد نجاح الضربة الجوية الأولى فى شل وإرباك القيادة الميدانية الإسرائيلية فى سيناء انطلقت كل مشاعر وأحاسيس الثقة من ضفة إلى ضفة حيث أصبحت الكلمة العليا فى مسرح العمليات للمصريين بعد انهيار وتصدع خط بارليف الحصين فى ساعات وانهيار وتصدع زمن وفصل الغطرسة والغرور حيث غاب عن إسرائيل تحت غشاوة الغرور الزائد أن مصر قد تغيرت تماما بعد نكسة يونيو 1967 وأنها استطاعت أن تجرى حسابا دقيقا مع النفس والذات وأن تمارس تصحيحا جوهريا فى بنيان المؤسسة العسكرية وأن تنجز عملية إعادة البناء العسكرى الشامل تحت نيران المدافع وزئيرها خلال حرب الاستنزاف.. وغدا نواصل الحديث.. [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله