من نكد الدنيا علينا.. أن نتجرع قطرات الحزن ونذرف الدمع.. ونبكى وننتحب ونملأ الدنيا أنهارا بدموعنا.. ونغطى سماءنا بسحابات حزن لا ينتهى.. ولن ينتهى على شباب اغتالته فى غفلة من الزمن يد الإرهاب الأسود.. وهم يحرسون ترابه فى قلب الصحارى والقفار ننتظر لحظة القصاص بأيدينا نحن.. ونشعر فى لحظة زمان لا تنسى.. ولن تنسى.. أن البكاء قد أصبح بلا ثمن.. وهو كل ما يقدر عليه الإنسان فى هذه اللحظة الفارقة المارقة.. مجرد دموع تجرى على خدود الأمهات بوصفهن أكثر المخلوقات حزنا.. وتتساقط على الأرض الحمقى بأصحابها.. الشقية بأهلها.. وقد طفحت قلوبهم التى لم تعد تعرف الرحمة.. غلا دفينا وكراهية وسوادا.. تملأ البحر والمحيط والأرض التى كانت تظللها أشجار الحب والود والفل والياسمين.. غيظا وتكبرا وأطماعا وصراخا وعويلا! الموت وحده يا سيدى لا يخيف.. فهو حق وقدر مكتوب علينا حتى قبل أن نولد.. ولكن الذى يدمى القلب ويشق الفؤاد نصفين.. شىء اسمه الفراق.. لا يشعر به ولا يتجرع قطراته إلا من أصابه بسهم فى مقتل! نسيت أن أقول لكم إن هذه الكلمات كلها ليست لى.. ولكنها لسيدة صغيرة السن وأم لطفلين مثل الملائكة.. آثر زوجها البطل أن يختصر الطريق.. وأن يضحى بحياته من أجل تراب مصر.. وهو واقف يحرس أمنها وأرضها وترابها ونساءها وأطفالها وتاريخها كله.. على الحدود.. فى آخر بلاد الدنيا.. كما كان يسميها مع زملائه.. الحدود.. فى واحة «الفرافرة» فى أقصى جنوب مصر.. فى هجير الصحارى وصمت الليالى وغدر الضوارى.. وفحيح الأفاعى.. وعطش بحر من الرمال لا يرحم.. ليعلن نفسه حارسا «ديدبانا» لأمن مصر وحرية مصر وسيادة مصر.. وأهل مصر.. لتغتاله فى لحظة غدر وغل وكراهية فى صدور من يريدون بمصر وبأهلها وبناسها.. شرا مستطيرا رصاصات غادرة مع نحو عشرين من زملائه الأبطال الأبرار.. ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، .................. الموت وحده لا يخيف.. الأم الصغيرة مازالت تحكى بدمها.. بدموعها.. ولكن الذى يخيف ويدمى الفؤاد أمامى.. شىء اسمه الفراق.. هل جربتموه؟ هل تذوقتموه؟.. أنا التى تذوقت مرارته.. ومازلت أتجرع كأسه وحدى! الأم الصغيرة التى ذهب عنها زوجها وحبيبها وأبو طفليها إلى عالم سرمدى فى نهر بلا عودة.. هى أمامنا التى تتكلم.. وهى التى تحكى.. وهى التى تقول.. هل تعرفون أيها السادة معنى أن نفترق بلا لقاء؟ أن نفترق بلا عودة إلى دفء من أحببنا ومن أخلصنا ومن ذبنا وتاهت بنا أقدامنا تشوقا لمجرد لقياه.. لمجرد لمسة.. «طبطبة» على كتفك.. الإحساس بدفء وجودك.. بلمسة حنانك.. بدغدغة حواسك.. بلحظة شجن تساوى الدنيا وما عليها؟ .................. .................. الموت هنا ياسيدى يعنى فقط ولا شىء أكثر من ركوب زورق فى نهر بلا عودة.. نهر ذاهب فقط.. ولا إياب ولا عودة إلى أحضان من أخلصوا لك.. من سهروا خلف نافذة مغلقة فى ليل طويل فى انتظار عودتك.. شوقا إلى رؤيتك.. تضرعا إلى لمسك.. مجرد لمسك.. والإحساس بأنك هنا فى الجوار.. وفى القلب.. هنا يا سيدى.. يتوقف الزمان حقا ويقينا.. ويجب أن يتوقف.. فالزمان لا يتوقف ولو لحظة واحدة.. إلا ليشهد لقاء اثنين أحبا فأخلصا فذابا فى حضن الوطن. .................... .................... أيها السادة.. لا تتسرعوا فى الحكم.. لا تتسرعوا فى القول.. فليس ما أقوله قصيدة فى حب اثنين أخلصا فذابا حبا وشوقا وشجنا وظللتهما مشكاة السكينة حتى قامت قيامتهما على الدنيا بعناقيد الفل.. بعصافير تزقزق.. وبلابل تغرد.. وحمائم ترسم بأجنحتها وهديلها لوحة ليلة عرس الحب! المشهد أمامى وأمامكم الآن أكبر وأوسع وأشمل أكبر حبا وأوسع رحمة وأشمل حنانا وأكثر دفئا وسكنا.. المشهد أمامى.. أبكانى وأبكاكم وأجهدنى وأجهدكم.. وأظلم كل شمعة وأطفأ كل مصباح يضىء.. حتى النجوم نفسها فى السماوات العلا.. فى ظنى وقد شاهدت هذا المشهد السرمدى الحزين.. فأطفأت نورها وتوارت خلف سحابات الرحمة! .................... .................... لأننى أعرف وأدرك تماما أنه إذا كان النيل هو نهر الخير والدفء والحب والشبع لأهل مصر كلهم على مدى أكثر من خمسين قرنا من الزمان.. فهو كما يسميهم أهل القرى والنجوع «أبونا وأمنا وجوز أمنا كمان».. فقد جمعتنا جلسة ثالثة على شاطئه الجميل فى ظل شجرة الجميز العتيقة التى طالما لعبنا تحت ظلالها وأكلنا من خيرها.. عم جرجس وأهله وناسه وأنا. يفتح عم جرجس نوتة الإنقاذ كما يسميها وراح يقول لنا وكأنه عازف الربابة السيد على السيد فى أوبريتات الإذاعة زمان أيام مجدها وعزها: لنرفع أيدينا تعظيم سلام للرجل الذى اسمه عبدالفتاح السيسى رئيس مصر.. الذى اخرجنا من رحم المعاناة والفقر إلى عالم المشروعات الكبرى.. فكما افتتح الخديو إسماعيل باشا قناة السويس فى القرن التاسع عشر.. أكبر ممر مائى فى العالم يصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر.. ها هو الرئيس عبدالفتاح السيسى يبدأ حفر القناة الثانية فى قلب سيناء على الضفة الشرقية للقناة الأم.. والتى أعلن أنه سيتم افتتاحها فى خلال عام واحد لا يزيد يوما واحدا.. قلت: قول إن شاء الله يا عم جرجس. قال: كل شىء يجرى بمشيئة الرب. قلت: وماذا فى جعبتك يا عازف الربابة.. أقصد ماذا كتبت فى مفكرتك الصغيرة التى سميتها «نوتة إنقاذ مصر»؟ قال وهو يخرجها من صديريته التى مازال يرتديها تحت الجاكيت أبوصفين.. وكان زمان يعلق فيها ساعة بسلسلة تتدلى من صديريته: هاهى أمامى.. تعال نقرأ ما فيها ونناقش بنودها بندا بندا.. .................... .................... قلت لعم جرجس: يا عم جرجس ألم يستوقفك قول رئيس البلاد: فيه ناس فى مصر حالتهم أغلب من الغلب! قال: أيوه.. والرئيس يحاول أن يحل هذا اللغز الأزلى بالوقوف إلى جانب الفقراء.. وقد بدأ ببطاقة التموين التى يريد أن تكون هى ورقة خلاص الأسرة المصرية الفقيرة، وعندنا كما تعرف نحو 32% من الناس فى مصر تحت خط الفقر.. بإدخال كل السلع الغذائية التى تحتاجها الأسرة فى البطاقة زى اللحم والسمك.. إلى جانب الأرز والسكر والزيت.. قلت: بس لازم تكون هناك رقابة على هذه العملية.. حتى لا يحدث تلاعب.. ثم أين هذه السلع الكمالية التى يتحدثون عنها.. الناس تسأل عنها ومافيش حاجة لحد دلوقتى؟ قال: أخشى ما أخشاه يا صحفى يا عجوز.. أن تتحول عملية إنقاذ ميزانية الأسر الفقيرة إلى أوهام وخيالات.. ولا شىء يدخل بيت الناس الغلابة التى قال الرئيس عنهم: فيه ناس حالتهم أغلب من الغلب! وخصوصا أن الكهرباء بتقطع طول الوقت + أجرة المواصلات زادت فى الأتوبيس والمترو والسرفيس حتى «التوك توك» اللى لسه ماشى فى البلاد سواح دون نمر وبيسوقه عيال يا دوب لسه ما حصلوش اتناشر سنة.. وحوادثه مالية الجرايد والمحطات الفضائية وخصوصا حوادث خطف البنات والستات! قلت: والنبى نفسى أسأل صديقنا العزيز المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء: احنا دلوقتى ما عندناش صحيح غاز طبيعى عشان نشغل محطات الكهرباء ونمد المصانع اللى تحولت من الفحم إلى الغاز.. أين حقول الغاز التى اكتشفتها مصر..وكنا بنمد إسرائيل بجلالة قدرها بالغاز الطبيعى ودلوقتى فيه كلام اننا عاوزين نستورد غاز من إسرائيل.. حقول الغاز دى راحت فين! تسربت وضاعت فى البحر الأبيض.. واللا سرقتها إسرائيل من تحت لتحت وبقت بين يوم وليلة وبقدرة قادر أكبر مصدر للغاز فى الشرق الأوسط.. إيه الحكاية وإيه الرواية اللى بيتحاكم عليها مبارك ومعاونيه دلوقتى؟ قال بخبث لم أعهده فيه: السر يا عزيزى عند عمك الملياردير الهارب حسين سالم.. انت عارفه طبعا! ........................ ........................ صديقى يسألنى وأنا قد تعبت من مسلسل الهم والغم والأسئلة الحائرة على جواب وبلا رد: ألا ترى ما تفعله جماعة «داعش» ذلك السرب من الغربان السود التى ظهرت فى سماء العرب هذه الأيام.. لتستولى على شمال العراق وسوريا فى خبطة واحدة دون مقاومة.. وها هى تطرد أهل العراق المسيحيين منهم من حول أربيل فى الشمال.. وها هى تقطع رأس صحفيا امريكيا شهيرا فى مشهد تقشعر منه الابدان! ولم تجد أمريكا التى صنعتها إلا أن تتدخل أخيرا.. وهى التى مزقت العراق إربا وشردت شعبه ومزقت جيشه.. حتى لم يعد عند العراق العظيم جيش يحميه والله يرحم أيام «الأشاوس» بأن تضرب جماعة داعش بالطائرات لتشتت شملهم وتوقفهم عند حدودهم.. ولكن سرب من جماعات داعش وصلت حدودها إلى مشارف بيروت العاصمة اللبنانية نفسها! قلت: أنسيت أن مصر مازالت مهددة من قبل الجماعات الإرهابية فى سيناء، ونحن فى سبيل تصفيتهم وطردهم من بلادنا + الجماعات الإسلامية فى الغرب عند حائطك الغربى مع ليبيا التى تحولت إلى دولة ممزقة اسمها الفوضى بلا رابط ولا ضابط وبلا رئيس ولا برلمان.. ولا مدارس ولا جامعات، وبلا أسواق وبلا موظفين وبلا وزارات.. بلد اسمه الفوضى! قال: وها هم أولادنا الذين ذهبوا إلى هناك.. يعودون.. وها هى الدولة المصرية بأوامر مباشرة من الرئيس السيسى ترسل طائراتها لكى تعود بهم إلى أرض الوطن.. وعمار يا مصر. ويبقى سؤال الساعة: هل تترك مصر بابها الغربى الذى يفتح على الخراب والصراع والموت فى ليبيا مفتوحا.. أم تخترقه بضربة استباقية لتحمى مصر وشعبها وأمنها؟ هذا هو السؤال الذى ستجيب عنه الأيام المقبلة.. ولكن الذى اعرفه أن العيون المصرية يقظة وصاحية لأى خطر! ................... ................... ولا يبقى هنا.. بعد ذلك كله.. إلا ما قاله الرئيس الروسى بوتين: الرئيس عبدالفتاح السيسى هو الذى حما مصر من السقوط فى فخ التمزق والضياع.. ولسوف يذكر له التاريخ ذلك.. وتعظيم سلام للجدعان.. ودقى يامزيكه!{ لمزيد من مقالات عزت السعدنى